5 مشاهد فى القيامة

البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية
البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

البابا تواضروس الثانى

احتفالنا بعيد القيامة المجيد يستمر لمدة 50 يومًا نسميها «الخمسين المقدسة»، وهى بمثابة يوم أحد طويل يمتد لسبعة أسابيع، أى 49 يومًا واليوم رقم 50 هو عيد العنصرة، ففترة الخمسين هى الفترة الوحيدة فى السنة التى نبدأها بعيد وننهيها بعيد، نبدأها بعيد القيامة وننهيها بعيد العنصرة (حلول الروح القدس)، ولكننا أيضًا نحتفل بعيد القيامة فى كل صباح فنحن حسب ترتيب كنيستنا نصلى فى القطعة الثانية لصلاة باكر كل يوم بهذه الكلمات: «عندما دخل إلينا وقت الصباح أيها المسيح إلهنا النور الحقيقى فلتشرق فينا الحواس المضيئة والأفكار النورانية ولا تغطينا ظلمة الآلام»، و«وقت الصباح» هو وقت القيامة لأن القيامة كانت فجرًا، و«النور الحقيقى» هو المسيح الذى قام فى الفجر مثل نور الشمس الذى يشرق فى وقت الصباح، وأريد أن أقف وأتأمل معكم فى تعبير «الحواس المضيئة»، فالله عندما خلق الإنسان زوده بالحواس الخمس المعروفة،

وهى وسائل الإنسان للمعرفة والفهم والإدراك والاكتشاف والتعلم والتعليم والنشأة وبقية نواحى المعرفة بصفة عامة، والحواس الخمس التى أعطاها الله لنا جميعًا، عندما تضعف إحداها، النظر مثلًا، نذهب إلى الطبيب فيوصى بعمل نظارات طبية، أو إذا ضعف السمع يوصى الطبيب بعمل سماعة طبية، وهذا من الناحية المادية أو الفيسيولوجية الوظيفية لهذه الحواس، ولكن القيامة يا أحبائى أعطت الإنسان بعدًا جديدًا فجعلت له «الحواس المضيئة»، فلم نعد نستخدم فقط الحواس المادية فى حياتنا بل أضيف بالقيامة للإنسان بعد جديد نسميه فى صلواتنا «الحواس المضيئة» وهى الحواس الواعية الفاهمة التى تمتاز بحساسية فائقة، وربما نعلم جميعًا الفارق بين «البصر» و«البصيرة» ويتضح أمامنا أن البصر هو الاستخدام المادى للعين الذى يستطيع الطبيب قياسه وتقييمه، أما البصيرة فهى شىء آخر، القيامة ونورها يا إخوتى يعطيان حواسنا إمكانية أكبر فتصير حواسنا مضيئة، فهنالك شخص يمكن أن نصفه بأن عقله مستنير، وشخص آخر - الرب يحفظ الجميع - نصفه بأنه «أعمى القلب» فقلبه المادى يعمل وينبض وقد يقيم الطبيب أداء قلبه بـ «10/ 10»، ولكن قلبه لا يرى!، وقد يكون شخص آخر - الرب يحفظ الجميع - بليد الإحساس، إذًا فالقيامة أعطتنا بعدًا جديدًا فى الحياة اسمه الحواس المضيئة، أى الحواس التى تفهم وتشعر، الحواس المستنيرة، وأريد أن أقف معكم أمام 5 مشاهد فى القيامة تظهر هذه الحواس المضيئة:
1- حاسة البصر، ونراها فى جموع التلاميذ الذين كانوا فى حالة خوف وهلع بعد صليب ربنا يسوع المسيح، وهذا الخوف جعلهم يجتمعون فى العلية (وهى غرفة مرتفعة قليلًا) التى كانت أبوابها «مُغَلَّقَةً» حسب تعبير الكتاب المقدس، فعندما رأوا المسيح انتُزِع منهم كل خوف وهلع وتحولا إلى فرح، فصارت العين المستنيرة أو حاسة البصر المضيئة ترى فرحًا والخوف ينتفى ويبتعد، وتصير لهم هذه الحاسة التى تبدل كل ما عاشوا فيه من مخاوف إلى فرح شديد وهو ما حركهم للكرازة والتبشير والتعب من أجل خدمة المسيح، كل هذا لأن عيونهم رأت فرح القيامة، أيها الحبيب ارفع قلبك وقل له: يا رب أعطنى هذه العين، حاسة البصر المضيئة لكيما ترى فرحًا، حتى إن هاجت الأمواج يمكنك أن ترى فرحًا لأن عيناك تريان المسيح الذى يقود هذه الحياة وهو ضابط الكل، فالنور أشرق فينا فصارت لنا الحواس المضيئة والأفكار النورانية، وهذه هى نعمة القيامة.
2- حاسة السمع، فآذاننا تسمع ولها مقياس مادى، والأذن الخارجية تجمع الصوت وتدخله إلى أعضاء الأذن الداخلية لكى يفهمه الإنسان وترتبط الأذن بالكلام، لكننا نرى مشهد الأذن أو حاسة السمع المضيئة فى مقابلة المسيح فى فجر القيامة مع مريم المجدلية، فمريم المجدلية كانت إنسانة غنية ولكنها احتُلَّت من قبل سبعة شياطين فصارت حياتها خربة، وعندما تقابلت مع السيد المسيح أخرج منها هذه الشياطين السبعة فصارت إنسانة فاضلة وتبعت المسيح وظلت فى تبعيته وفى وفاء شديد له لأنه أنقذها من أتعاب الشياطين.
3- حاسة الشم، يتميز بها الإنسان وإن كانت بعض الحيوانات لها حاسة شم أكثر تركيزًا، وهى حاسة رقيقة للغاية، وهى تتضح فى موقف المريمات وهن ذاهبات إلى القبر يأخذن معهن حنوطًا، وهى عبارة عن مواد نباتية عطرة مجففة، يأخذها الإنسان ويقدمها كتقليد قديم كرمز عن قيمة الشخص الذى انتقل بصورة الوفاء، كأننا نقول له «حياتك زى العطر، سيرتك كانت عاطرة، حياتك كانت سامية ومقدسة».
4- حاسة التذوق، بطرس الرسول كان تلميذًا متقدمًا بين تلاميذ ربنا يسوع، ولكنه فى أهم موقف وقع فى خطأ شديد وقبل الصليب بساعات أنكر المسيح، وهو ضعف بشرى منه وبالطبع أن كل إنسان معرض للضعف، ولكن انظروا يا إخوتى كيف تعامل الله مع هذا الضعف، بطرس الرسول الذى شهد معجزات السيد المسيح وسمع تعاليمه وحضر معه كثيرًا يأتى فى هذه اللحظة وينكر المسيح، فهل يتركه الله ؟!


وأحد أهداف الصوم هو أن يعطينا حاسة التذوق المضيئة، أى أن تنمو فى الإنسان حاسة التذوق المضيئة، فيقول «ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ» (مز ٣٤ : ٨).
5- حاسة اللمس، عندما ظهر السيد المسيح للتلاميذ مساء يوم القيامة لم يكن توما الرسول معهم، وعندما أخبره التلاميذ أنهم رأوا السيد المسيح لم يصدق، وقال لهم لن أؤمن إن لم أضع إصبعى فى مكان المسامير ويدى فى مكان الحربة، وبعد أسبوع بينما كان التلاميذ مجتمعين وتوما معه، جاء السيد المسيح وقال له تعال هات اصبعك والمس مكان المسامير وهات يدك والمس مكان الحربة، ويلمس جراحات المسيح والمسامير وأثرها، ومكان الحربة فى جنبه، فيصرخ صرخته القوية ويقول «ربى وإلهى»، فيطوبه المسيح ثم يطوبنا نحن بقوله: «طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا»، وتصير حاسة اللمس مضيئة، لذلك ترون الأب الكاهن أو الأسقف يمسك صليبًا فى يده، فهذا تطبيق لحاسة اللمس المضيئة.


نحن لا نحتفل بحدث ماضٍ ولا مجرد تذكار ولا مجرد مظاهر العيد كغيره من الأعياد، لأن فى عيد القيامة تتجدد حواسنا التى بها نحيا فنرى السماويات ونتذوق الروحيات، ونتمتع بهذه الحواس لكيما تكون مداخل للمعرفة الروحية، لذلك ارفع قلبك اليوم أثناء القداس وصلِّ أن يعطيك الله هذه الحواس المضيئة والأفكار النورانية وألا تغطيك ظلمة الآلام، أعطنى يا رب هذه الحواس المضيئة فى البصر والسمع والشم والتذوق واللمس.