قضية ورأى

إسرائيل المأزومة

د. طارق فهمى
د. طارق فهمى

طارق فهمى

ما يؤكد على أن اسرائيل باتت دولة مذعورة ليس لديها ما يمكن أن تقدم عليه سوى استخدام القوة فى التعامل

يشير  الواقع الراهن إلى أن إسرائيل باتت دولة مأزومة تعانى من حالة غير مسبوقة فى تاريخها القصير، ومن وجودها فى الإقليم ليس فى ملف الحرب على غزة بل فيما يجرى من تخوفات حقيقية من المستقبل القريب واحتمالية تكرار ما جرى فى 7 أكتوبر وارد على الجبهة الشمالية، واستمرار حالة العداء  الاقليمى لإسرائيل بل من دول أبرمت معها معاهدات سلام ما يؤكد على أن اسرائيل باتت دولة مذعورة ليس لديها ما يمكن أن تقدم عليه سوى استخدام القوة فى التعامل، والانتقال تدريجيا إلى الدولة الأكثر عنفا مع استمرار مخططها فى التعامل مع الجانب الفلسطينى بالاعتماد على دفع الجانب الفلسطينى إلى حافة الهاوية من خلال ترديد نغمة «نحن والأغيار» فى إشارة إلى الرفض الاسرائيلى للتعامل مع الجانب الفلسطينى ليس فقط فصائل المقاومة بل شيطنة كل الفلسطينيين، وإنهاء وجودهم فى أراضيهم،  و محاولة الاستمرار فى تنفيذ مخطط الترحيل التى وقفت  الدولة المصرية، وأفشلته ولهذا كان الخطاب العشوائى إعلاميا وسياسيا تجاه مصر، ومحاولة استهداف الدولة المصرية،  وإعادة تكرار  مزاعم وأكاذيب تتعلق  بوجود الانفاق وتهريب السلاح،  ودعم مصر للقوى الفلسطينية فى مواجهة اسرائيل ما يؤكد على أن اسرائيل ستستمر فى مخططها بدعم كامل من قبل الولايات المتحدة، وبوصفها الطرف الرئيسى   الذى يرتكن إليه إسرائيل برغم كل التجاذبات التى جرت بين الجانبين  طوال الفترة السابقة لكنها فى نهاية المطاف  حصلت على قائمة تحفيزية من ثلاث صفقات للسلاح تحت بند الطوارئ  مما ساعدها على الاستمرار فى العملية العسكرية فى شرق رفح بل والتخطيط لما هو قادم من خيارات حقيقية متعلقة باستعادة الثقة والمكانة التى يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلى بالعمل عليها فى ظل تزايد شعبيته بعد أشهر من انخفاضها بعد أن نجح نتنياهو فى تخليد مقولته «الدولة العبرية ومستقبلها مقابل مجموعة أفراد» فى اشارة إلى  المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية،  وما يؤكد على أن الهدف الرئيس فى الوقت الراهن العمل فى دائرة من الخيارات الصعبة التى تخرج الدولة من فشلها واخفاقها السياسى والاستراتيجى  الراهن برغم كل المحاولات التى بذلت من قبل المعارضة، والعمل على تشكيل كتلة صلبة من الشخصيات الرافضة  لسياسات نتنياهو،  وليس لحكم اليمين الإسرائيلى حيث لا يوجد يسار حقيقى أو قوى ضابطة لحركة المجتمع الاسرائيلى فى اطار  مواجهة  مؤسسات القوة التى تحكم إسرائيل، وفى اطار مراكز قوى حقيقية تتعامل مع احتمالية أن تواجه إسرائيل كل الإشكاليات فى محيطها الاقليمى فى الفترة المقبلة ليس بسبب حرب غزة، وإنما أيضا فى احتمال تمدد الخطر من جبهات أخرى ،ومنها   الجبهتان المصرية واللبنانية، ما قد يؤدى لتبعات سياسية واستراتيجية خطيرة على مستقبل الدولة بأكملها حيث ثبت أن بناء المناعة الوطنية للدولة العبرية - وبعد سنوات من قيامها - قد تآكلت تماما وتحتاج إلى مشروع صهيونى جديد، وإلى نظرية أمن قومى  جديدة فى ظل المتغيرات الاقليمية والدولية التى  تعلن عن نفسها، وستتأثر بها إسرائيل فى التعامل، وقد تدفع الدولة العبرية إلى اتباع استراتيجيات جديدة فى اطار ما يجرى من تحولات كبرى فى الإقليم، والصعود اللافت للفواعل من غير الدول ما يتطلب بالفعل معالجات إسرائيلية خارج النمط التقليدى  الذى تعاملت معه إسرائيل بصورة معتادة .
اللافت أنه وفى الوقت الراهن تتغير قواعد  التعامل التى تتطلب معالجة مختلفة واطار محكم للتعامل مع القوى المهددة لأمنها  باستراتيجية تفاعلية مختلفة، وبمقاربة عسكرية فى المقام الاول، وليس من خلال  خيارات للتهدئة، أو  التركيز على البعد السياسى والحلول المقبولة والاعتماد أولا وأخيرا على القوة فى حل الصراعات،وعبر استراتيجية مرحلية لحسم الصراعات وليست ادارتها،وهو ما سيجرى بالضبط فى التعامل مع المكون السكانى فى قطاع غزة أو إعادة طرح فكرة الوطن البديل للسكان الفلسطينيين فى الضفة الغربية  .


مجمل القول أن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية، ورئيس وزرائها نتنياهو يأتى فى سياقات محددة والتخوف من لحظة فارقة تواجهها الدولة، وقد تفشل فى التعامل معها ولهذا ترتب الحكومة الإسرائيلية أولوياتها فى أطر محددة حيث لا حل نهائيا مع اعتماد نظرية شراء الوقت، والانتقال إلى تنفيذ استراتيجية القوة فى مواجهة  أية تحديات واردة على جبهة الداخل، ولن يتعافى مما جرى فى المواجهة مع المقاومة الفلسطينية بصورة سريعة بل سيظل  يرى أن بقاء الدولة واستمرارها فى الاقليم مرتهن  بالعمل على استعادة مكانة إسرائيل الحقيقية استراتيجيا وعسكريا .