الأدب الروسي دواء وليس سمًا لهذه الأسباب!

بستان الكتب
بستان الكتب

حين انتشرت، قبل أسابيع قليلة، أخبار إلغاء إحدى الجامعات الإيطالية لحلقة دراسية عن الروائى الروسى فيودور دوستويفسكي، ظننت أنها نكتة سخيفة، حتى تأكدت من صحة الأمر من خلال تصريحات الكاتب باولو نورى الذى كان مقررًا أن يقدم هذه الحلقة الدراسية، وأخطرته الجامعة بضرورة اختيار كاتب أوكرانى للحديث عنه إلى جانب صاحب «الجريمة والعقاب»، وإلّا ستُلغى محاضراته.


بدا نورى شديد التأثر وهو يحكى تفاصيل ما جرى مؤكدًا على أنه لا يوافق على فكرة أنه كى نتحدث عن كاتب روسى علينا التحدث أيضًا عن كاتب أوكرانى، مضيفًا أنه لا يعرف كتابًا أوكرانيين لسوء الحظ.


وقد شارك طلبة نورى أستاذهم فى غضبه وصدمته، وأعلنوا اعتراضهم على قرار الجامعة فى بيان جاء فيه: «فى هذه اللحظة المروعة للإنسانية، نؤمن بأن الأدب الروسى دواءٌ وليس سمًا». وفى هذه الجملة أفضل دفاع ممكن عن جزء أصيل ولا يقدر بثمن من تراث الأدب العالمى، وإن كنت لم أتخيل قبلًا أن يحتاج الأدب الروسى، فى يوم من الأيام، إلى من يدافع عن أحقيته فى أن يُقرأ ويُدرس.


من حسن الحظ، أن بقية من عقل فى عالمنا المستسلم حاليًا للجنون، دفعت الكثيرين للاحتجاج على والسخرية من قرار إلغاء محاضرات نورى عن دوستويفسكى، ما دفع الجامعة للتراجع السريع عن قرارها، خاصةً أن جامعات إيطالية عديدة، من بينها بافيا وسيينا، عرضت على باولو نورى تقديم محاضراته لطلابها.


لكنّ فلنتخيل لو أن أحدًا لم يعترض أو أن نورى تواطأ مع قرار الجامعة ووافق على طلبها أو على الأقل انسحب فى هدوء ولم يعلن حقيقة الأمر، أيعنى هذا إمكانية إلغاء آداب كاملة وكتاب عظام لحسابات سياسية ضيقة، بحيث يصبح هذا أمرًا طبيعيًا مع الوقت؟


وإن كان هذا يحدث مع دوستويفسكى، أحد أعظم الكُتَّاب فى تاريخ الأدب على إطلاقه، وليس الرواية فقط، وهو من رحل قبل أكثر من مئة وأربعين عامًا، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالحرب الراهنة، فماذا يمكن أن يحدث مع كتاب وفنانين روس معاصرين انطلاقًا من دوافع أبعد ما تكون عن جماليات الأدب؟!


الإجابة حولنا، فى أخبار متناثرة، عن منع الناشرين الروس والكتب الروسية من المشاركة فى معرض الكتاب الدولى هذا أو ذاك. 


فى النهاية، من المهم التضامن مع المُعتدَى عليهم، لكن فى خضم هذا التضامن علينا تذكر أهمية أن يكون الأدب والفن عامةً جسرًا للوصل بين البشر.

اقرأ ايضا | السرد بين جماليات الأدب وتدوين التاريخ