حكايات| بعد 70 عاما من إعدامه.. تبرئة الطفل ستيني بعد صعقه بالكهرباء

حكايات| بعد 70 عاما من إعدامه.. تبرئة الطفل ستيني بعد صعقه بالكرسي الكهربائي
حكايات| بعد 70 عاما من إعدامه.. تبرئة الطفل ستيني بعد صعقه بالكرسي الكهربائي

10 دقائق و70 عاما.. أرقام تبدو بعيدة عن بعضها لا صلة بينهما فما هو الأمر الذي قد يربط بين الدقائق والسنين قد تتخيل أنه لا علاقة، ولكن تفاصيل الواقع ربطت بين هذه الأرقام فما بين الـ 10 دقائق والـ 70 عام تكمن حياة تحت التراب وقصة عبرت عن رغبة ملحة لكشف الحقيقة ولكن كأن صوتها يأتي من داخل بئر عميق لم يسمع لتكون الضحية طفل لم يعيش طفولته ولم يحقق أحلامه واكتفى بعيش ابشع اللحظات المختلطة برائحة موته وحرق جسده صعقا بالكهرباء.

تلك الأرقام لخصت نهاية طفل لم يرى في حياته سوى 14 عام من الالم وانتهت بمحاكمته في قضية لم يرتكبها واتهامه بقتل لم يجرؤ يوما في التفكير فيه وانتقام لم يكن طرف فيه ليتعرض لأكبر ظلم تاريخي بإعدامه رغم صغر سنه صعقا بالكرسي الكهربائى في محاكمة استمرت 3 ساعات ومداولة لم تستغرق سوى 10 دقائق لإقرار إدانته بينما استغرق كشف برائته ومحو جريمة لم يرتكبها 70 عام قضاها تحت التراب في قبر بلا شاهد.

" جورج ستيني جونيور" هو ذلك الطفل صاحب الـ 14 عام الذي لم تكتفي الحياة بجعله يعيش طفولة صعبة بل أضافت عليه 83 يوم قادرين على زلزلة ثبات اي بالغ فما بالك بطفل خرج ذات يوم مع أخته لرعاية بقرة الأسرة ليعود متهم بالقتل ويتم سجنه ومحاكمته وادانته واعدامه بأبشع الطرق لجريمة لم يرتكبها وكأنه مخطوف ترك بين يدي جلاده.

عام 1944 في ولاية "ساوث كارولينا" الأمريكية وتحديدا في بلدة " الكولو" عاش جورج مع اخواته ووالديه في منطقة كانت تفصل فيها خطوط السكك الحديدية بين المواطنين على أساس اللون ورغم صعوبة هذه الطفولة القائمة على أساس التميز إلا أن جورج لم يتمرد يوما على وضعه أو حتى يعلن سخطه ولكن يبدو أن هذا الرضا لم يكن كافيا لمنحه مستقبل أفضل وتعويضه عما عاشه ليتعرض لظلم اخر ولكن هذه المرة دفع حياته ثمنا لها.

اقرأ أيضا |حكايات| «رئيسة» بني سويف.. علمت أبناءها وزوجت الولد من «السردين»

ففي مارس من نفس العام خرج جورج مع أخته الصغرى لرعاية بقرة العائلة واثناء التوقف لإطعام البقرة مر عليهم وعلى غير العادة فتاتان من سكان الجانب الآخر للبلدة من أصحاب البشرة البيضاء " بيتي جون بينيكر، 11 سنة" و" ماري إيما تيمز، 7 سنوات" كانا يركبان دراجتهما في "ألكولو" بحثا عن زهور "مايبوبس" الفاكهة الصفراء الصالحة للأكل من زهرة الآلام وتوقفا لسؤال جورج وشقيقته عما إذا كانوا على علم بمكان هذه الازهار لتكون الإجابة بعدم معرفتهم وانصراف الفتاتين هو اخر حوار لقائهم العابر بحسب موقع " all that interesting".

وعلى الرغم من كونه لقائهم الاول والاخير ولم يتجاوز سوى عدة ثواني إلا أنه كان كافي لاتهام جورج بقتله للفتاتين كونه آخر من رآهم وهم على قيد الحياة حيث لم تعود " بيتي وماري" إلى منزلهما في ذلك اليوم ما دفع اختفاؤهما إلى بحث مئات السكان من ألكولو بما فيهم والد جورج إلى البحث عنهم حتى صباح اليوم التالي عندما تم اكتشاف جثتهما ملقاه في حفرة ضحلة مغمورة بالمياه في الغابة على ظهورهما بأجساد متيبسة وكدمات وكسور لا يمكن إصلاحها وفوقهما دراجتهما.

وبعد فحصهما أعلن الدكتور "أسبري سيسيل بوزارد" أن كلتا الفتاتين واجها نهايات قاسية وعنيفة فعلى الرغم من انه لم يكن هناك أي علامة واضحة على وجود صراع ولكن كلتا الفتاتين قد لقيا وفيات عنيفة تنطوي على إصابات متعددة في الرأس حيث تمت إصابة ماري بثقب مباشر في جبهتها وصل الى جمجمتها مع قطع بطول 2 بوصة فوق حاجبها الأيمن بينما عانت بيتي من 7 ضربات على رأسها تسبب في تحطيم الجزء الخلفي من عظام جمجمتها.

كما أكد الطبيب أن السبب في هذه الإصابات هو استخدام أداة دائرية بحجم رأس المطرقة ليبدأ معها البحث عن الجاني والذي لم يدوم طويلا فعلى الرغم من أن شهود العيان كانت آرائهم مختلفة إلا أن ضباط إنفاذ القانون في مقاطعة "كلارندون" اكتفوا بمعلومة رأيتهم مع جورج ليتم القبض عليه بتهمة قتل الفتاتين.

وفي تحقيق استمر 40 دقيقة خرج  نائب عمدة كلارندون "إتش إس نيومان" ليعلن أن جورج اعترف بقتله لـ " بيتي وماري" وكان الضرب بدافع مقاومة الفتاتين لمحاولات اغتصابهما ليلتقط بعدها جورج جزء من قضبان السكك الحديدية وقام بمهاجمة الفتاة الصغرى اولا وضربها عدة مرات على رأسها قبل أن يوجه سلاحه إلى الآخرى.

كما أعلن " نيومان" أن جورج قد اوصلحفرة أخرى في الغابة حيث أخفى السلاح المستخدم في الجريمة رافضا الكشف عن مكان احتجاز جورج حتى عائلته الذين تم إجبارهم على مغادرة منازلهم نتيجة اتهام جورج بقتل الفتاتين لم يتمكنوا من الوصول إليه أو مقابلته قبل محاكمته وفي خلال شهر بدأت محاكمة جورج بعد تعيين محامي له من قبل المحكمة الذي لم يفعل حتى ولو القليل للدفاع عنه.

وفي محاكمة استمرت أقل من 3 ساعات فشل فيها المحامي من استدعاء الشهود أو تقديم أي دليل من شأنه أن يحقق الشك على دليل القضية الوحيد وهو اعتراف جورج المزعوم والذي لم يتم تسجيله أدانت هيئة المحلفين جورج بقتله للفتاتين بعد مداولات استمرت 10 دقائق فقط وفي 24 أبريل 1944 تم الحكم على جورج بالموت بالصعق الكهربائي دون توصية بالرحمة ومع عدم تقديم استئناف تم تنفيذ الحكم.

ورغم احتجاج البعض والتماس البعض الآخر للرأفة بحالة جورج نظرا لصغر سنه وبعد الكثير من الرسائل التي تطالب بالرحمة لم يكن أي منها كافي لإنقاذ جورج وفي 16 يونيو 1944 دخل "جورج ستيني" صاحب الـ 14 عام غرفة إعدام سجن ولاية كارولينا الجنوبية في كولومبيا بملابسه الفضفاضة وجسده الهزيل الذي لا يتجاوز الـ 95 رطل وبخطوات ثقيلة وذهن شارد جلس جورج على الكرسي الكهربائي في انتظار مصيره وبدقات قلب يسمعها البعيد قبل القريب تم وضع قناع الوجه استعدادا لصعقه.

 وبمجرد التشغيل اندفع 2400 فولت في جسد جورج ليسقط القناع كاشفا عن عيون مفتوحة مليئة بالدموع شهد عليها جميع الحضور وبعد 3 دقائق تم إعلان وفاة جورج ستيني اصغر من تم إعدامه صعقا بالكهرباء ويظل مغتصب في نظر العمدة وقاتل في نظر القانون وذئب بشري غير نادم على صفحات الصحف.
 
 واذا كنت تتخيل أن القضية قد انتهت والتاريخ قد طوى صفحاته فانت بحاجة إلى التعرف على المحامي صاحب الـ 24 عام " مات بيرجيس" الذي أعاد فتح القضية من جديد لإعلان برائة جورج والقيام بما لم يقوم به محامي جورج وقت المحاكمة ولكن هذه المرة بعد 70 عام من إعدامه جورج.
 
 حيث تعجب " مات" من رد فعل محامي الطفل والذي كان بحاجة فقط إلى تقديم استئناف لمدة العقوبة لإيقاف إعدامه لمدة عام على الأقل ولكنه فضل التخلي عن الطفل وتركه في أيدي جلاده ليتعاون مع رئيسه ستيف ماكنزي في كشف غموض القضية وكانت الخطوة الأولى هي كيفية فتح القضية بعد كل هذه المدة بحسب موقع " postandcourier".
 
 لتكون أول خطوة هي استعانت "مات" بالصحافة لإنعاش القضية فبعد تقديمه طلب الحرام محاكمة جديدة بناء على ظهور أدلة جديدة تضمن اعترافات أشقاء جورج في نوفمبر من عام 2013 اهتمت الصحف بتوضيح طلب المحامي الذي يريد الدفاع عن المراهق المغتصب بعد 70 عام من إعدامه ومع الاهتمام الإعلامي ظهر الدليل الجديد.
 
 وهو " جوني هانتر" زميل زنزانة السجين رقم 206 الطفل جورج الذي اعترف له بعدم قيامه بقتل الفتاتين مؤكدا ان جورج ستيني ظل متمسكا ببراءته حتى اللحظة التي اتخذ فيها خطواته الأخيرة إلى غرفة الموت.
كما استكمل المحامي " مات" دفاعه على التشكيك في أدلة القضية بداية من تقرير الطبيب الذي قام بالفحص والذي أكد على أن الفتاتين لم يتعرضا للاغتصاب على عكس ما ادعى نائب حاكم الولاية وحاكم الولاية.

مرورا بالاداة المستخدمة في القتل حيث أكد الطبيب أن إصابات بيتي وماري ناتجة عن أداة مستديرة تشبه المطرقة على عكس ادعاء نائب حاكم الولاية الذي ادعى اعتراف جورج بقتلهما مستخدما قضيب السكة الحديد ذات القطع العرضي المستطيل ونهاية باعتراف شقيقته بأنه كان يلازمها في رعاية البقرة طوال الوقت. 

وبعد شهور من الدراسة وتحديدا في 17 ديسمبر 2014 ألغت القاضية "كارمن ت. مولن" إدانة جورج بالقتل لوجود انتهاكات أساسية للإجراءات القانونية في محاكمة عام 1944 ووصفت حكم الإعدام بأنه "ظلم كبير وأساسي" ليبقى السؤال من قتل "بيتي جون بينيكر" و" ماري إيما تيمز"؟.