جمال الشناوي يكتب: تائهون بين الشرق الأوراسي والغرب الليبرالي  

الكاتب الصحفي جمال الشناوي
الكاتب الصحفي جمال الشناوي

ظلت مصر لسنوات طوال في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك تنادي في كل الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف بتوافق دولي حول تعريف للإرهاب.. في حقبة التسعينات كانت بلادنا تشهد موجهة عنيفة من عصابات الجماعات المتطرفة.. وربما وقتها بعض الدول الكبرى ، لم تدين حتى هذه العمليات الإجرامية ..إلا اذا كان الضحايا من السياح الأجانب.


لم نفهم وقتها أسرار المواقف المريبة لهذه الدول وفى الغرب تحديدا.. لم ندرك أن المتطرفين الذين ساعدوا الغرب في كسر شوكة الجيش السوفيتي الضخم ..الذى ابتلعته وديان وكهوف أفغانستان.

كنا في الجامعة في الثمانيات من القرن الماضي ..وكان أحاديث السفر للجهاد ضد الشيوعين الملاحدة بين قاعات الدرس وحتى السكن الطلابي لجامعة عين شمس .. تم وقتها خلق اهداف إنسانية نبيلة لإغراء الشباب بالسفر إلى هناك وقتال السوفيت، وبعد النصر المبين بسلاح الغرب وإدارة الحرب عن بعد .. سقط الجيش النظامى الضخم أمام جماعات تستخدم تكتيك حروب العصابات، وانتهت الحرب ودفعت مصر الثمن من دماء أبنائها .. فالعائون من أفغانستان مارسوا القتل العلني لكل مختلف معهم أو غير مقتنع بفكرة الخلافه ..ومن أسيوط إلى القاهرة كانت أصوات انفجار بارود التطرف تحصد ارواحا ..وتنوعت العصابات العائدة من أفغانستان وألبانيا وغيرها من مناطق الصراع الجيوسياسي بين الغرب والشرق.


وتتابعت الأحداث المخططة من خلف ستار مراكز التفكير في العالم، وكنا لا ندرك كثيرا ما يدور حتى جاء وقت التنفيذ في شرق العالم وتجريد الإتحاد السوفيتيى المجمد فكريا والمفكك، من مناطق نفوذه في شرق أوروبا عبر ثورات ملونة ..تفجرات بفعل شحن سابق وجمود في أنظمة الحكم الشيوعية، باستثناء الصين وحدها وكانت بمثابة الفرقة الناجية بفضل تطور في الفكر الشيوعي بعد ماو.

تتابع سقوط مكونات إمبراطورية الشرق، واقتحمها الفكر الليبرالي واقتصاديات السوق والسلع الاستهلاكية وتحولت الشعوب التي عانت كثيرا من جمود طبقة الحكم ..إلى الإنفتاح الكامل الذى باتت تعانى منه أيضا ، فلا هي تنفست حرية تحت حكم الحزب الشيوعى ، ولا هي ضمنت حياة رغدة وسهلة كما تم  التسويق لهم ،على طريقة توزيع  ثروة مبارك البالغة ٧٠ مليار دولار على الشعب ، بل هي  قواعد قاسية لاقتصاد السوق .


ورغم أن أمريكا سيدة العالم بعد انتصارها في الحرب الباردة عانت من كارثة إرهابية بتفجير مركز التجارة العالمي .. وطالت طائرات الإرهاب قدس الأقداس "البنتاجون"، وكلفت الإدارات الأمريكية مراكز البحث فى تقديم صورة للمستقبل.. وتسابقت النظريات وكان من الطبيعى أن تنقلب الإدارات الأمريكية المتتابعة على طفلها المدلل من جماعات الإسلام السياسي ..ولكن بعد وقت قصير تم  تدعيم اختراق هذه الجماعات، وباتت تعمل بالتوجيه عن بعد وبالريموت كنترول الموجود في عواصم مثل لندن وواشنطن.


الأخطر الذى يكمن في المستقبل.. وأنت تتابع أصحاب النظريات الليبرالية مثل  برنارهنريليفي ..الذي اشتهر كأحد قادة الفلسفة الجديدة ..وأطلقت عليه صحيفة "جارديان" البريطانية، صفة "وزير الخارجية الفرنسي الثاني.. و تنقل بين كل مناطق الصراع من أفغانستان إلى ليبيا وغيرها إلى دول شرق أوروبا.. خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.


برنار ليفي لا يرى في العالم العربي سوى الإسلاميين المتشددين وجماعات الإتجار بالدين ..رغم أنه يتظاهر كثيرا بمعاداتها ..مثلما زار أفغانستان لدعم أحمد شاه مسعود ضد طالبان.

مفكر آخر على الجانب الشرقي من العالم ، هو الفيلسوف الروسي إلكسندر دوجين . .ويطلقون عليه في روسيا وخارجها "عقل بوتين " والذي تحدث كثيرا عن تفكير مشابهة ونظرة ربما تكون أقرب إلى الإسلام الراديكالي الشيعي ..ولم يذكر كثيرا في نظريته الأوراسية عن عالمنا العربي.


الفلسفة وعلوم المجتمع أو كما يطلق عليها العلوم الإنسانية أشبه ما يكون بمخطط المستقبل، فهي العلوم التي تدرس المجتمعات ويمكنها أن تقدم لنا خريطة مستقبل تحفظ وتحافظ على هويتنا الإنسانية.


علينا أن ننتبه سريعا.. فمصر تحتاج إلى معسكر مغلق يمتد وقتا كافيا من الزمن لأساتذة الاجتماع والفلسفة مع مستوى تنفيذى وليكن تحت اشراف وزير التعليم العالى ..ونطلق العنان للعقول لترسم لنا ملامح المستقبل خاصة في هذا التوقيت الحساس للعالم.. الذي يشهد أو سيشهد تحولات كبرى في المستقبل المنظور.


الشرق تسلح بنظرياته ..والغرب سبقه أيضا.. ومنطقتنا لدى الفريقين هامشية التأثير وغائبة عن خطط المستقبل.

أرجو من الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي، إتاحة منتدى دائم ومناخ جيد للتفكير لكل أساتذة العلوم الإنسانية والجغرافيا السياسية في كل الجامعات المصرية.. فما أحوجنا الآن إلى أفكار ونظريات سياسية تكشف لنا المستقبل.