بساط الريح

سامح فواز
سامح فواز

لا صوت يعلو علي صوت الأزمة الأوكرانية في القارة الأوروبية.. شد وجذب بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة من جهة والشرقي بقيادة الدب الروسي من الجهة الأخرى.. وكلا الفريقان يستخدمان العديد من الكروت الإقليمية للضغط مثل أزمة الطاقة وتدفقات الغاز الطبيعي وكذلك قضية حلف شمال الاطلسي وتحركاته في البحر الأسود التي تشكل تهديدا متواصلا للحدود الروسية.

وبحسب وكالات الأنباء الدولية، أعلن البنتاجون سابقا أن الولايات المتحدة مستعدة لنقل ما يصل إلى 8500 عسكري إلى أوروبا في وقت قصير إذا لزم الأمر، ليكمل حلف شمال الأطلسي "الناتو" دق طبول الحرب ويعلن يوم الاثنين عن نقل عدد من السفن والطائرات إلى أوروبا الشرقية “بلغاريا ورومانيا وليتوانيا"، ولا تنتهي المعزوفة الحربية إلا بإعلان كل من إسبانيا وهولندا والدنمارك استعدادها لإرسال قوات إضافية إلى أوروبا الشرقية.

ومن باب "شعللة" الأوضاع علي الأراضي المكتسية بالثلوج، أعلنت كل من الولايات المتحدة ثم المملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا البداء في إجلاء بعض الدبلوماسيين من أوكرانيا، وكذلك أفراد عائلاتهم، متعللين بـ"التهديد المتزايد من روسيا"، كما تدرس الحكومة اليابانية إمكانية إجلاء مواطنيها، بمن فيهم موظفو السفارة.

وفي ناحية أخرى في الشرق حيث تقع دونباس، عاصمة جمهورية دونيتسك الشعبية، المعلنة من طرف واحد، فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا بشكل ملحوظ مرة أخرى، بعد ان صرح إدوارد باسورين ، نائب رئيس دائرة القوات الشعبية، إن الجيش الأوكراني على خط المواجهة علي الحدود الشرقية يستعد للهجوم.

تجدر الاشارة الي ان بوتين دائما ما يتخذ من دونتيسك زريعة للتلويح بدخول الحدود الاوكرانية مرة اخري متعللا بان هذا الاقليم الانفصالي يعد موطن لعدد من الروس السلافيين؛ مما يعطي شرعية لموسكو في استخدام كارت حماية العرقية السلافية التى تعاني من مشاكل متتالية في هذا الاقليم الشرقي من الاراضي الاوكرانية بعد الاجتياح الاخير الذي قام به الدب الروسي لجزيرة القرم في فبراير ٢٠١٤ .

في الوقت نفسه ، تحدث مسؤولون أوروبيون وأمريكيون لصحيفة واشنطن بوست الامريكية عن "تحركات غير عادية للمعدات والأفراد العسكريين في المناطق الغربية لروسيا"، إلا ان الكرملين صرح بكل ثقة إن تحرك القوات الروسية على أراضيه هو أمر يخص روسيا حصرا.

وصرح المتحدث الاعلامي للرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن "أوكرانيا تسعى على الأرجح إلى محاولة أخرى لبدء حل قوي لمشكلتها" وأن "أولئك الذين جلبوا قواتهم المسلحة من الخارج يتحدثون عن نشاط عسكري غير عادي".

لكن ازدياد الفجوة بين روسيا والغرب لم يوقف عملية التفاوض بين الجانبين، حيث ان موسكو تفاوضت مع وواشنطن وحلف شمال الأطلسي بشأن ضمانات أمنية، من بين القضايا الرئيسية التي نوقشت، كانت تسوية الوضع حول أوكرانيا.

إلا ان الكثير من المحللين الاستراتيجيين يروا ان الوضع الحالي الذي ألت اليه الأمور في الازمة الأوكرانية، هو نتيجة لعبة مد النفوذ المعقدة التي يلعبها المعسكر الغربي، والتي اضطرت روسيا للانضمام إليها، لتشكل ردها على التحديات الخارجية الناشئة.

 يرفض حلف الناتو، على الرغم من نداءات موسكو المتكررة، مناقشة الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا من الحلف، مما يخلق وضعاً متوتراً ومعلقًا يهدد بمزيد من تفاقم المواجهة.

 بدورها ، تُظهر أوكرانيا، ممثلة بزعمائها السياسيين، نفسها كدولة فقدت جزءًا كبيرًا من ذاتيتها السياسية، والدولة المغلوبة علي امرها، نتيجة للأزمات التي مرت بها، وبسبب الرهان الأحادي على الغرب، فإنها غير قادرة على القيام بذلك.

 تلوح روسيا باستعدادها للتفاوض مع الغرب بشأن مبادئ التفاعل وتهدئة الوضع حول أوكرانيا، الا انها لا تستطيع الخروج عن المتطلبات الأساسية لها، بما في ذلك رفض توسع الناتو علي حدود ما بعد الاتحاد السوفيتي، والحفاظ على الوضع المحايد لأوكرانيا وجورجيا، وعدم جواز الوجود العسكري لدول حلف شمال الأطلسي على أراضي هذه الدول، لكن يبقا السؤال هنا هو عن مدي استعداد الدول الغربية والناتو للموافقة علي هذه الشروط.

 وعلي النقيض، فقد أثبتت روسيا أنها مستعدة للتصرف بقسوة شديدة، ردًا على الإجراءات والقرارات الأحادية للدول الغربية، لكن هذه الصلابة ستكون متناسبة تمامًا مع تصرفات الجانب الآخر.

 أظهرت الأزمة الحالية حول أوكرانيا ودونباس مرة أخرى مدى هشاشة العالم في حالة إضعاف الثقة المتبادلة بين الدول والضعف التدريجي للمؤسسات الدولية، في الوقت نفسه ، فإن موقف قيادة عدد من دول الاتحاد الأوروبي، كشف مدي هشاشة هذا الكيان .

 فضلاً عن رفض ممثلي عدد كبير من الدول لأسلوب المواجهة في السياسة الخارجية، والتي تبرزه الصين من بينها، مما يجعلنا نأمل في الحفاظ علي النظرة المشرقة نحو تسوية مزدهرة وسلمية للوضع الحالي في الازمة الأوكرانية بعيدا عن نيران الحرب العالمية الثالثة.