هل انتزعت الصحافة الرقمية البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية؟.. خبراء يجيبون

صورة موضوعية
صورة موضوعية

- الشوربجى: الصحف القومية باقية رغم التحديات وثبات الإقبال رغم كورونا خير دليل

- إحدى أدوات القوى الناعمة.. وأهم خطوط الدفاع عن قضايا الوطن

- خبير تكنولوجى: تمتاز بدقة الخبر ومصداقيته ولابد من تقسيم الاشتراكات حسب اهتمامات القراء

هل انتزعت الصحافة الرقمية البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية؟.. هل حرمت الصحافة الورقية من الاحتكار الذى كانت تتميز به؟ هل غيرت تكنولوجيا المعلومات المتطورة من معالم مهنة الصحافة؟.. وما دور الصحافة الورقية التقليدية فى المحافظة على دورها الرائد بعد أن بدأت تستمد الكثير من موادها من المصادر الرقمية المختلفة..؟ وكيف يمكن تطوير مهنة الصحافة فى العصر الرقمى؟ كثير من الأسئلة نبحث عن إجابات عليها فى هذا التحقيق.
قبل البدء تناولت دراسة ميدانية للتعرف على استراتيجيات الإدارة الصحفية فى التصدى للتحديات والتهديدات التى تواجه الصحافة المطبوعة عينة بلغت 102 من مديرى المؤسسات الصحفية المصرية، للباحث الدكتور أحمد حسين بكلية الآداب جامعة سوهاج، خلصت إلى أن أكثر من نصف العينة رجحت أن الصحف الورقية قد تواجه اختفاء وعدم قدرتها على تلبية احتياجات القراء.

إضافة إلى أنها تعانى من أعباء مالية ضخمة، وعزوف المعلنين عن نشر إعلاناتهم فى الصحف الورقية، ولكن فى المقابل أكدت الدراسة أن الصحف الورقية تستخدم استراتيجيات متطورة لتدريب العاملين بها وصقل مهاراتهم وزيادة معارفهم لتطوير الأداء الصحفى وإجراء بحوث ودراسات الرأى العام وقياس الأداء، ولمواجهة الأعباء المالية توصلت الدراسة إلى حث الأفراد الذين يحبهم الجمهور من المشاهير والكتاب على الكتابة فى الصحف، وتغطية أنشطة المؤسسات والشركات التجارية الكبرى حتى تقوم بنشر إعلاناتها فى الصحف، وإنشاء قناة فضائية أو محطة إذاعة تعزز الموارد المالية للصحيفة، وإجراء بحوث ودراسات لفهم احتياجات ورغبات الجمهور، واستخدام التقنيات الصحفية الحديثة فى التحرير والإخراج والإدارة، والاهتمام بقياس درجة الأداء الصحفى. فقليلة هى الدراسات المصرية التى تناولت الصحافة الرقمية وتأثيرها على الصحافة المطبوعة، ولكن لنستشرف الواقع الصحفى المصرى وبعضاً من ملامح المستقبل من أفواه عدد من خبراء التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى والعاملين بالصحافة الرقمية:


الدقة وتوثيق الخبر


يقول الخبير التكنولوجى د. حازم الجندى، أستاذ الحاسبات بجامعة القاهرة إن الصحف الورقية الكبرى تمتاز بدقة الخبر وتوثيقه وهو شيء مهم للغاية تفتقده الوسائل والمواقع الإلكترونية المتعددة التى من الممكن أن تكون بعض الأخبار المنشورة بها غير حقيقية أو مفبركة، فالصحف الورقية تعتمد على المصداقية والمصادر المعتمدة لنشر الأخبار، ولأن التطور التكنولوجى والمعلوماتى السريع ساهم فى انتشار المواقع الإلكترونية الخبرية والصحفية إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعى وهو ما جعل الكثيرين، وخاصة الشباب وهم النسبة الأكبر من القراء، يستغنون عن القراءة ويستسهلون القراءة على الموبايل والإنترنت توفيراً للوقت، فلم تعد الصحيفة الورقية ملازمة لهم كما كانت لنا من قبل.

ويضيف د. حازم الجندى، أن الصحف الورقية الكبرى من الصعب أن تندثر ولكن يقل توزيعها شيئاً فشيئاً، وللمحافظة عليها يجب أن يعمل القائمون عليها على مواكبة هذه الثورة المعلوماتية المتنامية بعدة طرق، أولها ليس طرحها على المواقع الإلكترونية باشتراكات فقط كما فعلت معظم الصحف، ولكن من خلال تقسيم الاشتراكات حسب الموضوعات فهناك قراء يهتمون بقراءة المقالات فقط أو الأخبار والموضوعات الاقتصادية أو الفنية..

وهكذا فترسل للقارئ ما يريده وليس الجريدة الإلكترونية كلها، وتحدد الاشتراكات كل حسب اهتماماته، وأيضاً نلاحظ أن السوشيال ميديا غالبا ما تنقل الأخبار من الصحف وتناقشها ـ وهنا لى وقفة لأن الصحف الورقية من الممكن أن تقوم بهذا الدور بعد أن بدأت تُطرح إلكترونيا ورقمياَ، من خلال طرح الموضوعات للنقاش على مواقعها لمعرفة اتجاهات الرأى العام وتحليلها.


معنى حديثك أن الصحف الورقية فى طريقها للاختفاء؟

أعتقد هذا، وهو وضع صحى للبيئة ويقلل من التكلفة الكبيرة للورق والطباعة والنقل، وهى التكلفة التى يمكن استثمارها فى الأداء المهنى للصحفيين وتحسين أدائهم للتحول إلى الصحافة الرقمية.


وبسؤال الخبير التكنولوجى عما ينقص الصحافة الرقمية فى المرحلة الحالية لمواكبة التطور الرقمى المتسارع..؟


فقال: كما أوردت سلفاً ينقصها التقسيم إلى مجموعات ما بين أخبار وموضوعات متعددة، فهناك قراء لا يريدون الاشتراك لكامل الجريدة الرقمية، وإنما تُقسم الاشتراكات حسب اهتمامات القراء وتنوعهم ونعطى الفرصة لتوصيل الأجزاء التى يريدون قراءتها أى تفصيل المنتج حسب احتياجات العميل وهوَ ما يؤدى إلى زيادة المبيعات والإقبال على المنتج وهى قاعدة اقتصادية معروفة.

أما د. إيمان ثروت، العميد السابق لكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعى بجامعة القاهرة ورئيس قطاع الحاسبات بالكلية، فلها رأى آخر وتقول د.إيمان، إن الكثيرين، وأنا منهم، وبسبب سرعة الوقت أصبحنا نعتمد على الصحف الإلكترونية، وهى مواقع معتمدة للصحف الورقية الأكثر دقة فى نشر الأخبار والتحقق منها، وأرى أن مواقع الصحف الإلكترونية مهمة جداً حتى لا تفقد الصحف جزءاً من جمهورها، لكن المشكلة الحقيقية التى أراها فى البعض هى الاعتماد فى استيقاء الأخبار من المواقع الإلكترونية غير الموثوق بها وكثيراً منها تكون أخباراً زائفة، وهنا لابد أن نشدد على قوانين النشر لتكون أكثر ردعا بالنسبة للشائعات والأخبار الكاذبة، وبالنسبة للصحف الورقية لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاؤها، فهناك من يعتمد عليها ولكن مع الوقت من الممكن أن تختفى ويتم الاعتماد على المواقع الإلكترونية لها أو الصحف الرقمية.


وتضيف: لقد غيرت التكنولوجيا من معالم مهنة الصحافة واستعادة قراء الصحيفة الورقية يحتاج لإجراءات عديدة ومتجددة مثل التنوع فى المعلومات والموضوعات المقدمة للقارئ بحيث لا يسمح للقارئ اللجوء لأى موقع وهذا دور التوعية حتى نضمن أن المعلومات المغلوطة لا تصل للناس، وأن تختلف اختلافاً كلياً عما يقدم فى المواقع الإلكترونية التى دائماً ما يكون لها السبق فى نشر الأخبار وقت حدوثها.


الإعلان ما بين الرقمى والورقى

ومع تراجع إعلانات الصحف العالمية المطبوعة، مع اتجاه المعلنين إلى الإعلان الرقمى، ذكرت دراسة لإحدى الشركات البريطانية للاستشارات «إن المعلنين الذين قلصوا إعلاناتهم فى الصحف الورقية خسروا كثيراً حيث إن الإعلان عبر الصحف يزيد من عائد الإيرادات العامة على الاستثمار بواقع ثلاث مرات وتعزز من إعلانات وسائل الإعلام الأخرى فضلاً عن كونها تلعب دوراً فى دعم المنتج»..

وردا على ذلك قال الخبير الإعلامى عمرو الفقى، رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات الرائدة فى مجالات العلاقات العامة والوكالات الإعلانية للتليفزيون والراديو والصحافة الرقمية والمقروءة، إن الإعلانات فى الصحافة الرقمية أوسع انتشاراً من المطبوع، فالإعلانات تخضع لنسب المشاهدة، إضافة إلى التطور الهائل فى الإعلانات التى أصبحت تعتمد على الفيديوهات التى تصل للملايين فى الوقت نفسه.

ويضيف عمرو الفقى، أن الصحف المطبوعة تحافظ على قرائها من خلال التحول للرقمى، ولكن الصحف المطبوعة عليها أن تبتعد عن الخبر الذى يجد منفذا فوريا على الإنترنت وقت حدوثه ولا ينتظر مواعيد الطباعة وصدور الصحيفة فى اليوم التالى، وأن تعطى المساحة الأكبر لمقالات الرأى والتحليلات والتحقيقات وخاصة الاستقصائية مع وجود حملات ترويجية لهذه المواد الصحفية لزيادة الإعلانات بها.


الصحف الورقية باقية


تم وضع هذه التساؤلات والآراء السابقة أمام المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة والذى بادرنى قبل أن أكمل تساؤلاتى قائلاً: ـ «مازالت الصحافة الورقية بخير وباقية وتحتفظ بقرائها رغم كل ما يقال ورغم تعدد الوسائط الإعلامية وحتى فى ظل الصحافة الرقمية»..

واستطرد قائلاً: الصحافة الورقية لها قراء مستديمون من سن أربعين عاما فما فوق، وهم الذين يقرأون الأخبار والمقالات والتحليلات..

إلخ، فالخبر بالصحف الورقية موثق ولا احتمال لتأويله عكس قراءته فى المواقع الإلكترونية، والجيل الجديد من الشباب يعتمد على قراءة الأخبار فقط وغالباً ما يلجأ للصحف الورقية لاستيقاء الأخبار الصحيحة، ولهذا قمنا بإضافة أبواب تهمهم فى كل الصحف الورقية ونقوم بتطويرها كل فترة..

كما أن البوابات الإلكترونية منفذ للصحف الورقية على الإنترنت وعلى مستوى شامل لكل جريدة، وهى بوابات مجانية للقراء والشباب الذين يلجأون بديلاً عن الصحف الورقية.


التحول للرقمى


بسؤال رئيس الهيئة الوطنية عن تحول كثير من الصحف من الورقى إلى صحف رقمية، وهو ما يثير القلق حول تناقص أو اختفاء الصحافة الورقية؟


فقال إن الصحف المسائية فقط تحولت إلى صحف إلكترونية بسبب قلة توزيعها لأنها تصدر تقريباً مع الطبعات الأولى للصحف اليومية، إضافة إلى أنها فقدت هويتها مع وجود وسائل «السوشيال ميديا» المتعددة، وقد زاد عدد قرائها بعد تحولها إلكترونياً وهوَ ما يعنى أن الرسائل تصل إليهم وهذا أفضل حتى لا يضيع مجهود العاملين بها، وما يثار حول النقص فى أعداد التوزيع للصحف الورقية ليس صحيحا، التوزيع ثابت منذ أكثر من عامين ولم يتناقص رغم جائحة الكورونا وهو ما يفسر أن الإقبال على الصحف الورقية ثابت حتى فى ظل الجائحة، وهناك منصات توزيع الصحف الكترونياً (بى دى إف) فالصحافة المصرية وخاصة القومية سوف تظل رغم كل التحديات أحد أهم أدوات القوى الناعمة المصرية، وهى واحدة من أهم خطوط الدفاع الرئيسية عن قضايا الوطن، ودائماً ما توجد حزمة متجددة من الإجراءات لتطوير المحتوى الصحفى وتدريب الصحفيين والعاملين بالصحف لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة.


التحدى.. وتطوير المهنة

وبسؤاله عن اقتحام الصحافة الرقمية عالم الأخبار والمعلومات فى جميع أنحاء العالم وانتزعت من الصحافة الورقية كثيراً من قرائها؟ 

قال إن الصحافة الورقية تتميز بأنها تغربل وتفرز هذا الكم الهائل من الأخبار والمعلومات وتقدم للقارئ الأخبار الصحيحة الموثوق بها إضافة إلى التحقيقات والتحليلات المتنوعة، وأيضاً الصحفيون استفادوا كثيراً من النمو السريع لتكنولوجيا المعلومات فى تطوير مهنتهم، ورغم أن الصحافة الرقمية تنشئ تحدياً قوياً للصحافة التقليدية، إلا أن الخصائص والمهارات الأساسية فى مهنة الصحافة ستظل ضرورية مع الأدوات التكنولوجية الجديدة. ولا قلق لأن الصحافة الورقية باقية لكنها فى تنافس حميد للقارئ.

إقرأ أيضاً|مدير المركز المصري للدراسات: الصحافة الرقمية فرضت نفسها على العالم أجمع