«تمثيلية» القط والفأر بين إسرائيل وإيران.. الجميع على حافة الهاوية

إسرائيل وإيران
إسرائيل وإيران

خالد حمزة

منذ فترة، توعدت إسرائيل بالتعامل مع المشروع النووى الإيرانى وفق عدة سيناريوهات، وجاء التنفيذ باستهداف شخصيات نووية إيرانية ومنشآت عسكرية، ومفاعل "نطنز" بحادث تفجير، قالت إيران إن أحد عملاء الموساد نفذه وهرب، ومع كل مناسبة يتراشق فيها الطرفان التهديدات والوعيد، يحبس العالم أنفاسه خشية تصاعد الأمر إلى عمل عسكرى مباشر، وهو سيناريو نفذته إسرائيل قبل أربعين عاما، ولكن فى العراق.. فهل يصلح تنفيذه الآن أم أن إيران اليوم ليست عراق الأمس وكذلك إسرائيل؟

فى السابع من يونيو عام 1981، قصفت 8 طائرات إسرائيلية إف 16 مفاعل تموز العراقى، وأعلنت إسرائيل عن تفاصيل عملية أوبرا أو بابل ما بين عامى 2015 و2018، فالحديث عن استهداف المفاعل بدأ منذ إنشائه عام 1976، حتى أن رئيس الموساد السابق شبطاى شفيط قال عام 2018، إن أحد العملاء الإسرائيليين كان موجودا بقرب المفاعل صباح يوم قصفه، للإبلاغ عن الأحوال الجوية، وأُقيم المفاعل بمنطقة التويثة على بعد 17 كيلومترا من بغداد، وأحيط بساتر ترابى عملاق لحمايته، وجاء ذلك بعد أن توجه وفد من علماء نوويين عراقيين إلى فرنسا لشراء المفاعل تموز-1، ومفاعل آخر أصغر حمل اسم تموز-2، وأرسل الرئيس العراقى السابق صدام حسين العديد من العلماء والفنيين، لتلقى التدريب فى فرنسا على تشغيل المفاعل، كما استقدم علماء من الخارج إلى العراق للإشراف على عمليات التركيب والتشغيل، من بينهم العالم المصرى يحيى المشد الذى اغتيل فى يونيو عام 1980، وأُشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل.

وكان الوقود المستخدم لتشغيل المفاعلين هو اليورانيوم المخصب بما يسمح بتطوير أسلحة نووية، واستورد العراق آنذاك مئات الأطنان من اليورانيوم بمختلف أشكاله من البرتغال والنيجر والبرازيل، وفى عام 1979 تعاقد على شراء جهاز لفصل البلوتونيوم من إيطاليا، وهو ما زاد من شعور إسرائيل بالخطر، وأكد العراق آنذاك على الاستخدام السلمى للطاقة النووية، ولضمان ذلك غيرت فرنسا من نوعية الوقود المستخدم فى المفاعلين، من وقود نووى ذى قدرة 80 فى المئة، إلى وقود ضعيف بقدرة لا تتجاوز 18 فى المئة، بهدف كبح قدرة العراق على إنتاج سلاح نووى، وبعد سنوات من الاستعداد العسكرى والتدريبات، وعند إعادة انتخاب بيجن عام 1981، قرر تنفيذ عملية استهداف المفاعل بعد استيفاء المعلومات الاستخباراتية عن طريق العملاء داخل العراق، وبعضهم كان من العاملين الأجانب فى المفاعل نفسه.

وفى صباح 7 يونيو وقبل يوم من افتتاح المفاعل رسميا، حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق المفاعل تموز-1، وأسقطت عليه مجموعة من القنابل أدت إلى تدمير قلبه بالكامل، فى حين لم تستهدف القنابل مفاعل تموز-2 الأصغر حجما وتشغيلا، وجاء فى معلومات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عام 2015 عن هذا الهجوم، أن الطائرات انطلقت من قاعدة عسكرية، وحلّقت على ارتفاعات منخفضة، حتى لا تلتقطها أجهزة الرادار.

وذكرت الصحيفة، أن المخاوف الإسرائيلية بدأت عام 1974، بمجرد تفكير صدام فى المشروع وبعد تراكم معلومات، تفيد باحتمال امتلاك العراق القدرة على تطوير سلاح نووى خلال سبع سنوات من تشغيل المفاعل، كما أن إسرائيل حاولت استهداف مفاعل تموز من قبل عام 1979، عن طريق إحداث تفجير نفذه أحد العملاء، لكن التأثير كان مؤقتا ولم يشل العمل فى المفاعل،

ورغم ما حدث، لم ينته الطموح النووى العراقى، خاصة فى فترة الحرب مع إيران، لكنه لم يرق أبدا إلى نشاط بحجم المفاعل الذى دمرته إسرائيل، ومع طرد المفتشين الأمميين وفرض العقوبات الاقتصادية على العراق فى تسعينيات القرن الماضى، انتهى للأبد أمل العراق فى تطوير منشآت نووية، حتى تبين خلوه تماما من أى انشطة نووية بعد الاحتلال الأمريكى له، بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل.

أما إيران، ففى العلن، لا يكف القادة السياسيون والعسكريون عن التصريح، باللجوء للحل العسكرى مع إيران، وبإمكانية اللجوء لعملية جوية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، كما فعل بيجين فى العراق، لكن المراقبين يستبعدون احتمال مثل هذه المواجهة المباشرة، إذ إن إيران اليوم ليست عراق الأمس، فالمشروع النووى العراقى كان وليدا، ولم يبدأ العمل فيه أبدا، وكان تحت رقابة تامة من المفتشين الأمميين والخبراء الفرنسيين، وفى المقابل، يبدو المشروع الإيرانى شديد التقدم بالنسبة للمشروع العراقى، إذ استكملت البنية التحتية لمفاعلاتها، وتمكنت من تخصيب اليورانيوم بمستويات كافية لإنتاج سلاح نووى، كما كان تراجع إدارة ترامب عن الاتفاق النووى الإيرانى عام 2018، فرصة لاستكمال عمليات التخصيب بعيدا عن قيود الاتفاق، وأعلنت إيران تشغيل أجهزة طرد مركزى متطورة، واستئناف التخصيب حتى تركيز 20%، وبناء مخزون من تلك المواد، كما تحظى إيران بدعم من روسيا والصين، بينما كان المعسكر الشرقى فى حالة ضعف وقت بناء المشروع النووى العراقى، وهو ما سهّل عملية التضييق على العراق.

ويبدو أن الحرب كلامية حتى الآن، فبينما يخرج أمير على حاجى زادة قائد القوى الجوية والصاروخية فى الحرس الثورى الإيرانى، ليهدد بإزالة إسرائيل عن الوجود، يرد عليه أفيف كوخافى رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، بأن الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية والتحضيرات، اقتربت من لحظة الصفر للتخلص من المشروع النووى والصاروخى الإيرانى، وسياسيًا، تقول إيران إن كل التهديدات الإسرائيلية ضدها للاستهلاك الداخلى، وترد إسرائيل بأن التهديدات الإيرانية، لرفع سقف المطالب الإيرانية على طاولة المفاوضات.

عسكريًا، الطرفان يدركان نقاط قوة وضعف الآخر، إسرائيل تدرك أن أى اتفاق نووى يتوصل إليه الغرب مع إيران، لن يحقق لها مطالبها، ما لم يتم تفتيت البنية النووية الإيرانية، التى تسمح لها بامتلاك سلاح نووى، وأن ما تقوم به إيران من خلال المفاوضات، ليس سوى عملية شراء وقت، ومن بعده مفاجأة العالم بالسلاح النووى الإيرانى بأى لحظة، وإنها أبلغت كل حلفائها أنها أمام أحد خيارين: إما ضرب المنشآت النووية الإيرانية وتدمير كامل البرنامج النووى الإيرانى، أو التعايش مع إيران النووية، ولن تقبل بذلك، ولعدم الوصول لحافة الهاوية مع إيران النووية، تقوم إسرائيل بتحضير البلاد والقوات والحلفاء ومسرح الأعمال القتالية، ورغم أنها تمتلك قرار إعلان ساعة الصفر، وبدء الحرب على إيران، لكنها لا تملك قرار وقفها، ولذا كان تركيزها فى الحرب ضد إيران خلال الفترة الماضية على تنفيذ عمليات عالية التقنية داخل أخطر مواقع طهران وهى منشآت برنامجها النووى وعلى رأسها مفاعل نطنز، واغتيال شخصيات نووية إيرانية.

الأمر الآخر، الذى تدركه قيادات إسرائيل العسكرية والسياسية، أن قرار إرسال الطائرات العسكرية لضرب المفاعل النووى العراقى، وإنهاء البرنامج النووى العراقى إلى غير رجعة، لم يستغرق إلا ساعات، ولم يكن لدى العراق ما يرد به على الهجوم الإسرائيلى، إلا اللجوء لمجلس الأمن، والحصول على إدانة إسرائيل التى لم تؤدِ إلى أى شىء ملموس، كما أن ساحة المواجهة وقتها كانت على الأراضى العراقية، وفى مساحة صغيرة حول المفاعل، إلا أن إعلان الحرب على منشآت إيران النووية، سيعقبه رد إيرانى له سيناريوهات، والسيناريو الأخطر هو فتح جبهات متعددة بوقت واحد ضد إسرائيل، أنفقت عليها إيران مليارات الدولارات، فى غزة والجنوب اللبنانى والعراق وسوريا إلى جانب إيران ذاتها، ولا يُستبعد هنا الحوثيون فى جنوب البحر الأحمر، وعبر صواريخها وطائراتها المسيرة، وقد تُطلق من جنوب لبنان أو من مواقع الحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، أومن العراق أو من غزة، وقد تنهال على كامل المواقع والمدن الإسرائيلية، ولن تستطيع القبة الحديدية التصدى لها.