دينا توفيق
الجائحة ضربت العالم فجأة.. عصفت به وأتت على الأخضر واليابس ولا أحد يعلم من أين أتت ولا كيف.. أزهقت أرواحاً وعانى منها آخرون ولايزال الفيروس المتسبب فيها يتحور إلى سلالات أخرى، ومع كل موجة جديدة تضرب العالم وينتشر فى ربوع الأرض.. عامان والبشرية تئن من وباء كوفيد-19، ارتداء الكمامات وتقييد للحريات.. إغلاق اقتصادى وارتفاع معدلات البطالة وقيود على السفر وإجبار على التلقيح مقابل الوظيفة.. أزمة غذاء ونقص فى السلع وتداعيات أخرى لهذا الفيروس الغامض المستجد.. أقاويل كثيرة ترددت وعلامات استفهام عديدة ظلت بلا أجوبة.. وحتى مع محاولات إزالة الغموض حول المرض ستظل هناك حلقة مفقودة وربما حلقات؛ وفى كل مرة تكشف تفاصيل وأسراراً عن إدارة الأزمة، ما يجعلها محط اهتمام الناشرين ومادة دسمة لصناع الميديا مع مدى قرب الراوى من دوائر صنع القرار حينها.
ومع صدور كتاب "طاعون فى بيتنا: معركتى فى البيت الأبيض مع ترامب لمنع كوفيد من تدمير أمريكا"، للدكتور "سكوت أطلس" الذى تم الاستعانة به من قبل الرئيس الأمريكى السابق "دونالد ترامب" للانضمام إلى الفريق الطبى لمواجهة جائحة كوفيد-19، كشف بعض الغموض ولكن كثرت علامات الاستفهام والتعجب أيضًا، كيف يمكن للمسئولين الذين يتعهدون بـ"اتباع العلم" بشأن الجائحة الاستمرار فى الترويج لاستراتيجيات غير فعالة ذات عواقب وخيمة؟ فى مذكراته عن وقت عمله مع فريق مكافحة الفيروس بالبيت الأبيض، قدم أطلس إجابته قائلًا لأن حوكمة الأمة قد اختطفها ثلاثة بيروقراطيين مع القليل من الاهتمام بالبحث العلمى أو المناظرة؛ ولا يهتمون بالآثار الكارثية لفرماناتهم.
عندما انضم أطلس إلى الفريق الطبى لمواجهة الجائحة كوفيد-19، بعد ستة أشهر من انتشار الوباء، نشر تقديرات بأن عمليات الإغلاق يمكن أن تكون أكثر فتكًا. وسرعان ما بدأت دوامة من الخلافات العلمية، والمناقشات، والأكاذيب ذات الدوافع السياسية، والتضليل الإعلامي. تحيط العديد من الأساطير والشبوهات بتعامل إدارة ترامب مع الأزمة، ولا تزال العديد من الأسئلة بلا إجابة، مثل هل أخطأ فريق ترامب حقًا فى الاستجابة للوباء؟ هل تم اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن قيود السفر وعمليات الإغلاق وإخفاء التفويضات؟ هل الأطباء مثل كبير خبراء الأمراض المعدية فى الولايات المتحدة والمسئول عن مكافحة الوباء فى إدارة الرئيس ترامب الدكتور "أنتونى فاوتشي" والمستشار الحالى فى فريق الرئيس "جو بايدن" والدكتورة "ديبورا بيركس" منسقة فريق العمل المعنى بمكافحة فيروس كورونا بالبيت الأبيض، ومدير مراكز السيطرة على الأمراض "وروبرت ريدفيلد"؛ خبراء طبيون أكفاء أم بيروقراطيون يتعمدون استغلال الوقت؟ هل مات حقًا نصف مليون شخص دون داعٍ بسبب عدم كفاءة ترامب؟
ويسرد أطلس الطبيب الأمريكى وأحد مستشارى ترامب، فى كتابه الجديد، ما حدث داخل البيت الأبيض، وتوقعه بأن دور الفريق الطبى سيكون لمناقشة البيانات العلمية وأفضل الاستراتيجيات لحماية الصحة العامة. وبدلاً من ذلك، وجد أن فرقة العمل تضم "صفر خبراء فى سياسة الصحة العامة ولا خبراء لديهم معرفة طبية بل قاموا أيضًا بتحليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والتأثيرات الصحية العامة الأخرى غير العدوى نفسها"، بقيادة نائب الرئيس "مايك بنس"، الذى تم إخضاعه والأعضاء الآخرين إلى ثلاثة أطباء سيطروا منذ البداية؛ هم بيركس وفاوتشى وريدفيلد. فى كتابه، وصفهم أطلس "الترويكا"، أى المجموعة الثلاثية بالروسية، بسبب استراتيجيتهم المتمثلة فى تقديم جبهة موحدة، وعدم الاختلاف أبدًا مع بعضهم البعض أثناء الاجتماعات فى غرفة العمليات فى البيت الأبيض. وكشفت التقارير لاحقة أنهم قد توصلوا إلى اتفاق لاستقالة جماعية إذا تم طرد أى منهم. عملت الترويكا فى البيروقراطية الفيدرالية معًا لمحاربة مرض الإيدز، لكن مساعيهم لم تنجح فى تطوير لقاح له، لكنهم نجحوا فى إقناع الجمهور بأن الإيدز سينتشر على نطاق واسع إلى ما وراء الرجال المثليين ومتعاطى المخدرات عن طريق الحقن. كان ريدفيلد، مع بعض المساعدة من فاوتشى روجوا لتهديد أرعب الأمريكيين لأكثر من عقد عن المرض لكنه لم يتحقق.
وعلى نفس النهج أثارت الترويكا المزيد من المخاوف التى لا داعى لها خلال جائحة كوفيد، مؤكدة باستمرار على سيناريوهات الحالة الأسوأ؛ مثل التنبؤات الخاطئة بملايين الوفيات الأمريكية فى صيف عام 2020، بالوباء دون الأخذ فى الاعتبار توقعات الوفيات نتيجة الأمراض الأخرى. فيما كانت بيركس تتسبب فى أكبر قدر من الضرر؛ بعد أن نجحت فى الضغط على قادة الولايات والقادة المحليين لإصدار تفويضات ارتداء القناع وإغلاق الشركات والمدارس. وفى أحد اجتماعات أطلس الأولى معها، سألها عن الدليل العلمى على فعالية الأقنعة ضد كوفيد. واستشهدت بتقرير نشرته مراكز السيطرة على الأمراض CDC حول صالون لتصفيف الشعر فى ولاية ميسوري، حيث ارتدى مصففان مصابان بكوفيد أقنعة من المفترض أنها منعت الفيروس من إصابة عملائها. وأوضح أطلس أن الاستنتاجات لم تكن صحيحة، لم يتابع أحد الأمر ولا بإجراء الفحوصات المطلوبة للتأكد من إصابة هؤلاء وإلى أى درجة أم لا، لقد كان أمرًا محرجًا لنشرها موقع CDC.
ويروى أطلس كيف حاول بدبلوماسية مناقشة هذه القيود مع بيركس، لكنها شعرت بالقلق. وسرعان ما أدرك أنها لم تكن على دراية بالجوانب الأساسية للدراسة التى استخدمتها لتبرير ارتداء الأقنعة، كما لم تُظهر المجموعة الثلاثية اهتمامًا بالعديد من الدراسات المخالفة لذلك، وتجاهلوا أيضًا عشرات الدراسات التى تُظهر عدم فعالية عمليات الإغلاق، مثل فلوريدا والسويد. وعلى الرغم من أن ريدفيلد اعترف لاحقًا، بعد مغادرة مراكز السيطرة على الأمراض، بأن هناك "ندرة فى البيانات" لتبرير تفويضات القناع، ورفضت الترويكا مناقشة أى بحث علمى يخالف ذلك أو عمليات الإغلاق. يقول أطلس إنهم لم يحضروا أبدًا أوراقًا علمية إلى الاجتماعات ورفضوا الرد على عروضه التقديمية حول البحث. ويوثق الكاتب الحملة الإعلامية التى لا هوادة فيها لخنقه، والتى تضمنت المقابلات الملغاة، والتشويه المتعمد للحقائق. كما أنه يقدم تقريرًا داخليًا عن التأخيرات والجداول الزمنية المتعلقة باللقاحات والعلاجات الأخرى، ويقيم تأثير عمليات الإغلاق على الصحة العامة الأمريكية، ويزيح الستار عن الحرب التى تشنها شركات الدواء والتكنولوجيا الكبرى لإخفاء الحقيقة. وكانت وسائل الإعلام السائدة هى السلاح الرئيسى الذى استخدمته الترويكا ضد أطلس والعلماء الذين عارضوا عمليات الإغلاق وبدلاً من ذلك دافعوا عن سياسة "الحماية المركزة" التى من شأنها تركيز على اختبار PCR والموارد ذات الصلة على كبار السن أو غيرهم من السكان المعرضين لخطر كبير.
لم تكن المحموعة الثلاثية من علماء الأوبئة أيضًا، لكن تم وصفهم كعلماء لأنهم قدموا ما يتوق إليه الصحفيون من قصص مرعبة عززت التقييمات وجعلت ترامب يبدو سيئًا. كتب أطلس أن الرئيس قال له خلال اجتماعه الأول معه، "أنا متأكد من أنك ستعلمنى أشياء كثيرة أثناء تواجدك هنا. لكن هناك شيء واحد فقط ستتعلمه مني، وهو كيف أن وسائل الإعلام شريرة، ومتحيزة، وغير عادلة". يقول أطلس إن ترامب وكبار مساعديه فى البيت الأبيض أخبروه سراً أنهم لا يتفقون مع سياسات الترويكا. لكن أطلس يلقى اللوم فى نهاية المطاف على عمليات الإغلاق، التى وصفها بالجريمة ضد الإنسانية، وعلى ترامب نفسه لأنه سمح لبيركس وحلفائها بالبقاء فى السلطة. يكتب أطلس: "هذا الرئيس، المعروف على نطاق واسع بإعلانه" أنت مطرود!"، تم تضليله من قبل أقرب المقربين السياسيين إليه.
ومع مضى الوقت، ستتكشف المزيد من الأسرار حول هذه الجائحة التى تعد بمثابة أولى الخطوات نحو نظام عالمى جديد.