العائدون يروون حكايات الرعب وملحمة الرحلة 1295 العسكرية

«كابول - القاهرة».. مصر لا تنسى أبناءها

الطائرة C130 رحلة رقم 1295 بعد عودتها من كابول
الطائرة C130 رحلة رقم 1295 بعد عودتها من كابول

شحاتة سلامة

«الهروب من الوطن» و«الهروب إلى الوطن».. عنوانان لمشهدين مكوناتهما البصرية متشابهة إلى أبعد الحدود، أولهما لطائرة تُقلع من مطار كابول يهرع إليها الآلاف من أبناء أفغانستان محاولين الهروب من الوطن، الذى تحول إلى جحيم يخشون على أنفسهم العيش فيه، فيتشبثون بالطائرة وهى تحلق فى السماء على ارتفاع آلاف الأمتار، ليسقط منهم العشرات قتلى فى مشهد أرعب العالم بأسره.
 

المشهد الثانى، كان للطائرة العسكرية المصرية "C130" رحلة رقم 1295، تقف أيضًا بمطار كابول، يهرع إليها العشرات "نحو 43 مواطنًا" من أبناء الجالية المصرية، فارين إلى حُضن الوطن باحثين عن الأمن والأمان داخل وطنهم، بعد أيام عاشوها فى رعب وقلق نتيجة تدهور الأوضاع فى أفغانستان.


الاختلاف الوحيد بين المشهدين هو "الوطن"، الأول وطن مُرعب لأبنائه اختطفته جماعة إرهابية مُسلحة، بعد أن احتلته قوات أجنبية لمدة 20 عامًا كاملة، وطن بات غير مُستقر، لا يُبشر بخير فى المُستقبل ولا يضمن العيش فى أمان لأهله، والثانى وطن يحمى أبناءه فى الداخل والخارج، يستطيع الوصول إليهم فى أى مكان بالعالم "مسافة السكة" لينقذهم من أى مخاطر قد يتعرضون لها.


مشهد تأمين عودة الجالية المصرية من أفغانستان إلى أرض الوطن، تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى، كان عظيمًا، العالم كله تناقله عبر مُختلف وسائل الإعلام، وكثيرون يدركون أن هناك دولًا كبرى لم تنجح فى فك أسر أبنائها بكابول، لكنها مصر 30 يونيو، التى باتت لديها القدرة والتأثير فى عواصم العالم المُختلفة، ولديها الأذرع والعيون والآذان فى كل العواصم المُلتهبة، وتملك السرعة الكبيرة فى التحرك لإنقاذ حياة أبنائها فى أبعد مكان على وجه الأرض، فقد أظهر مشهد العودة إلى أحضان الوطن من جحيم كابول، حجم التنسيق والتكامل والتناغم بين جميع أجهزة الدولة، الأمر الذى جعل مسألة الإجلاء بسيطة وسريعة ودقيقة.


بدأت الرحلة فى الإقلاع من قاعدة شرق القاهرة الجوية، بعد أن أنهى رجال القوات المُسلحة كافة الاستعدادات الطبية والإدارية واللوجستية، تحسبًا لأى طارئ قد يواجه المصريين العائدين، وتذليل كافة العقبات أمامهم، ورغم الأوضاع الأمنية الكارثية فى كابول، إلا أن سفارة مصر كانت آمنة تمامًا بفضل رجال المخابرات المصرية، الذين أمنوا أعضاء البعثة منذ اندلاع الأحداث وحتى استقلالهم الطائرة فى طريق عودتهم إلى القاهرة، حيث كان فى استقبالهم عدد من قادة القوات المسلحة، فور هبوط الطائرة المصرية إلى قاعدة شرق القاهرة الجوية العسكرية، وقدمت القيادة العامة للقوات المسلحة كافة أوجه الدعم للعائدين إلى أرض الوطن، وقامت بتذليل كافة العقبات أمامهم، وتوفير الرعاية الكاملة لهم.


كواليس الرحلة

تلك العملية، ومن قبلها ملحمة استعادة عشرات الآلاف من المصريين من مُختلف دول العالم حاصرتهم كورونا، عبر جسر جوى لم يحدث من قبل وامتد لقارات العالم الـ6، وأيضًا استعادة أبنائها العالقين فى ليبيا، وغيرها، دليل لا يقبل التشكيك على أن مصر دولة كبيرة لا تفرط فى أولادها، ويمكنها الوصول إلى كل مصرى يُعلن رغبته فى العودة لأحضان الوطن، هكذا تحدث اللواء الدكتور، سمير فرج، مُدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، لافتًا إلى أن مشهد عودة البعثة المصرية من أفغانستان أسعد المصريين جميعًا فى الداخل والخارج.


وعن كواليس عملية الإجلاء، قال إن هناك نحو 95 بعثة أجنبية لدول فى العاصمة كابول من بينها 5 دول قالت إنها لن تسحب بعثاتها من هناك، و10 دول فقط قررت إرسال طائرات لاستعادة رعاياها كان من ضمنها مصر، بينما انتظرت بقية الدول على أمل وصول الطائرات التجارية لتنقل المُتواجدين من أبنائها هناك، مُضيفًا أن مصر نسقت مع القوات الأمريكية لعودة المصريين من أفغانستان باعتبار واشنطن المسئولة عن تأمين المطار هناك، كما كان هناك تواصل من القاهرة مع كابول لتأمين تحرك البعثة المصرية من مقر السفارة إلى نقاط التفتيش حتى دخول المطار وصعود الطائرة، مُشيرًا إلى أنه لم يكن هناك أحد يعلم بعودة البعثة المصرية، والجميع فوجئ باتخاذ الرئيس لقراره، وتلك هى القيادة الحكيمة التى لا تترك أبناءها أبدًا وقت الأزمات.


روايات العائدين

كواليس ساعات الرعب والفزع، التى عاشها أعضاء بعثة الأزهر الشريف وأبناء الجالية المصرية فى كابول، يرويها الدكتور شوقى أبو زيد، رئيس البعثة الأزهرية المصرية فى كابول، مُشيرًا إلى أنه بصفته رئيسًا للبعثة كان على تواصل دائم ومُستمر مع السفارة المصرية بأفغانستان، حتى وصلت له التعليمات بالانتقال الفورى والسريع إلى مقر السفارة استعدادًا للمغادرة والعودة إلى مصر، موضحًا أنه كان مُتابعًا للاتصالات المُستمرة والدائمة للقيادات بمصر مع أعضاء القنصلية المصرية فى كابول، مُضيفًا أنه جمع كل أفراد البعثة الأزهرية، ليتحركوا جميعًا من مقر السفارة إلى المطار، من أجل استقلال الطائرة المصرية، التى أقلعت من افغانستان إلى مطار إسلام آباد ومنها تحركت إلى مطار القاهرة الدولى.
وقال شوقى، إن الأوضاع فى أفغانستان كانت شديدة الرعب والخطورة، لكنهم كانوا على يقين بأن مصر لا تنسى أبناءها، وكانوا يُدركون جيدًا أنه بمجرد اشتعال الأوضاع فى كابول، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، يُتابع أخبار الجالية المصرية بنفسه يوميًا، مُضيفًا: "نحمد الله على نعمة مصر الكبيرة، فلولا جهود الرئيس السيسى والقوات المسلحة ما عُدنا سالمين".


أضاف: "نشكر الرئيس عبدالفتاح السيسى، القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقيادة العامة للقوات المسلحة، على جهودهم الكبيرة التى بذلوها لأجل عودتنا إلى أرض الوطن سالمين، فقد كانت توجيهات الرئيس واضحة بتأمين عودة الجالية المصرية وعددها حوالى 43 فردًا، تم تجميعهم من أرجاء كابول، فلولا دعم الرئيس واطلاعه المُباشر وبشكل يومى على أوضاع الجالية هناك، لما تمكنا من العودة بسلام وأمان إلى مطار القاهرة".
الشيخ أحمد محمود، أحد أعضاء بعثة الأزهر الشريف فى أفغانستان، قال إن مصر تحافظ على أبنائها فى الخارج كما تُحافظ عليهم فى الداخل دون تفرقة أو نقصان، لافتًا إلى أن أعضاء البعثة كانوا على يقين أن القيادة السياسية فى مصر لن تتركهم وسط هذه الأوضاع غير المُستقرة والمخاطر التى تشهدها العاصمة الأفغانية كابول، وقال: "شكرًا للرئيس عبدالفتاح السيسى على كل ما بذله من مجهودات لعودتنا إلى أرض الوطن، وشكرًا لأبناء مصر رجال القوات المسلحة البواسل الذين قدموا لنا كل الدعم والعون، واستقبلونا بترحاب وحفاوة كبيرة، سعادتنا كانت لا توصف ونحن نسجد لله شكرًا على عودتنا سالمين لأرض الوطن، وجميعنا كنا نشعر بالفخر والاعتزاز بمصريتنا، وتأكدنا من أن كرامة المصرى مُصانة فى الداخل والخارج بفضل القيادة السياسية التى لا تنسى أبناءها فى أى بقعة بالأرض.


كرامة المصرى

عودة الجالية المصرية من أفغانستان دليل على قوة ومكانة الدولة، وقدرتها على حماية مواطنيها فى الداخل والخارج، فالدولة القوية هى التى تستطيع الحفاظ على كرامة مواطنيها، هذا ما أكده النائب الدكتور ياسر الهضيبى، عضو مجلس الشيوخ، أستاذ القانون الدستورى، لافتًا إلى أن الفترة الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالا للشك حرص القيادة السياسية على أمن وسلامة المصريين وحفظ كرامتهم وحمايتهم فى الداخل والخارج، وأن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، دائمًا حاسمة بشأن حفظ كرامة المصريين فى الداخل والخارج، حيث سبق أن تم نقل المصريين من ليبيا فى أكثر من مرة، كما تم نقل المصريين العالقين فى بداية جائحة كورونا وعودتهم بسلام إلى أرض الوطن من مختلف البلدان على مستوى العالم، وهذا أدى لزيادة ثقة المصريين فى القيادة السياسية، وأنها لا تتخلى عن أبنائها تحت أى ظرف وأيًا كانت الأوضاع، مُضيفًا أن توجيهات القيادة السياسية بشأن عودة الجالية المصرية فى أفغانستان جاءت على الفور بعد الأحداث هناك، وقامت القوات المسلحة المصرية بتجهيز طائرة عسكرية لعودة الجالية والبعثة الأزهرية ومسئولى السفارة المصرية إلى أرض الوطن فى صورة تؤكد عظمة الدولة المصرية، وترجمة صريحة أن الرئيس لا يتوانى لحظة فى الحفاظ على أمن وسلامة المصريين فى الداخل والخارج.


من جانبه، قال النائب عماد سعد حمودة، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، إن عودة البعثة المصرية من أفغانستان تنفيذًا لتوجيهات الرئيس، وسط تلك الظروف الصعبة والمشاهد التى نُتابعها هناك بعد سيطرة طالبان على الحكم، تؤكد حجم وفعالية تواجد الدولة المصرية خارج حدودها للدفاع عن مصالح رعاياها وحمايتهم بأى مكان فى العالم، لافتًا إلى أن توجيهات الرئيس السيسى واضحة بالحفاظ على كرامة المواطن المصرى فى أى مكان بالداخل أو الخارج واعتبارها خطا أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه أبدًا.