فرفيش كده | امنعوا الضحك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

محمد إسماعيل عمر

مثلما حرص جدنا الأكبر خوفو على بناء مقبرته الشهيرة بالقرب من مينا هاوس وميدان الرماية، يحرص سماسرة الأحواش من أحفاده الآن على الإعلان عن مقابر على بعد عشر دقائق من كارفور، ورغم يقين الجميع من عدم جدوى هذا القرب، إلا أن خبراء التسويق يؤكدون أن إعلان كهذا يرفع من سعر الجبانة إذ أن البعيد عن العين بعيد عن الكارفور.


والاستثمار العقارى فى المدافن نشاط مصرى بامتياز، لم أقابل شعبًا يكرس للموت بقدرنا. ومثل أى فرعون يحضر لوفاته منذ توليه العرش، ترى المصرى الحديث يحرص على أن يموت قبل ساعته بسنوات، ليس هذا فحسب، بل إنه يكثر اللوم على من قرر أن يحيا لآخر نفس.


أذكر جيدًا ساعة عصارى شتوية وقد جلست أمام تلفازنا الملون أتابع فيلمًا ثمانيناتى لمطربة من الجيل القديم اشتهرت بحبها للحياة، فى جيب الروب الصوف برتقالة بصرة تعلم بقرب نهايتها من السكينة المشرشرة ذات المقبض البلاستيكى جارتها فى نفس الجيب وفى يدى كوب شاى بربرى يحاول عبثًا تدفئتى.


خرجت أم حسن من المطبخ فور سماعها لأغنية الفيلم موجهة حديثها إلى:


أموت واعرف الست دى عايزة إيه تانى من الدنيا.


واحد من الأسئلة الوجودية التى لا تودى ولا تجيب. فأم حسن شخصيًا لا تعرف ما تريده هى من الدنيا، ثم ماذا بعد أن تعرف، هل ستساعدها على قضائها؟ إذا كان الأمر كذلك فلم تشغل بالك بهذا السؤال؟


هى عملت إيه مزعلك؟ أجيبها لتسترسل.


قول ما عملتش إيه. الست شوف كم سنة ولابسة بمبة. أصمت لجهلى بالسن المحددة لكل لون. أمد أطراف الحديث معها: ولكن فلان من سنها إن لم يكن أكبر. تجيبني: ده راجل يصبغ ويكمل عادى حد له عنده حاجة؟ إنما الست ازاى تلبس فواتح كده وهى كبيرة؟ ما تقعد تشوف آخرتها! حرب شرسة على عاشقات الحياة تشنها النساء أكثر من الرجال.


من الطبيعى إذن اشتعال الحسابات المصرية على مواقع التواصل الاجتماعى إثر إعلان ممثلة أجنبية خمسينية مزة عن دخولها فى علاقة جديدة فور خروجها من القديمة بسرعة المكوك، على ودنه.


نعترض ونشجب كأنها هاتخطف أبو عماد من أم عماد بل ومن عماد ذاته. بينما هى ودن من طين وودن من عجين، تنتهى من فوتوسيشن لتدخل غيرها ونحن لا نكتفى بالفرجة والحسرة، بل نطالبها بإعمال عقلنا فى حياتها وبالتوقف فورًا عن الحياة لأن هذا ما يروق لنا.
وبينما كان المصرى القديم يستعد للموت بالأعمال الصالحة خشية أن يسقط قلبه فى ميزان الآخرة، ترى حفيده يحثك على انتظاره ولبس الغوامق والتزام الدار ومنع الضحك.


فكوها شوية يا جماعة وكل واحد يبص فى ورقته وخليك حلو وبحبوح و.... فرفش كده.