كورونا وأدب الرحلة

كورونا  وأدب الرحلة
كورونا وأدب الرحلة

‭ ‬منصورة‭ ‬عز‭ ‬الدين

حُكِي‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لوباء‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وكيف‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إلغاء‭ ‬معظم‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬الدولية‭ ‬وأجبر‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الناشرين‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬أنشطتهم‭ ‬وأغلق‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الحظر‭ ‬الكلي،‭ ‬لكنّ‭ ‬قطاعًا‭ ‬بعينه‭ ‬من‭ ‬النشر‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬تأثر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره،‭ ‬وأقصد‭ ‬به‭ ‬النشر‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬والرحلات،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬أدب‭ ‬الرحلات‭ ‬بمعناه‭ ‬المنتشر‭ ‬لدينا،‭ ‬إنما‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬السفر‭ ‬والارتحال‭ ‬والبلدان‭ ‬الأجنبية‭.‬

ففي‭ ‬الغرب،‭ ‬وربما‭ ‬معظم‭ ‬أجزاء‭ ‬العالم،‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬متخصصة‭ ‬حصرًا‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالسفر؛‭ ‬إذ‭ ‬تنشر‭ ‬أدب‭ ‬رحلات‭ ‬وكتيبات‭ ‬إرشادية‭ ‬عن‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬وأهم‭ ‬معالمها‭ ‬السياحية،‭ ‬وكيفية‭ ‬زيارة‭ ‬هذه‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬أقصر‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭. ‬ثمة‭ ‬مثلًا‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬الإلمام‭ ‬بأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬أو‭ ‬لندن‭ ‬مثلًا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬يومين،‭ ‬وكتب‭ ‬أخرى‭ ‬مخصصة‭ ‬لهواة‭ ‬السياحة‭ ‬الرياضية‭ ‬أو‭ ‬الثقافية‭ ‬أو‭ ‬المهتمين‭ ‬بالمطابخ‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يزورونها‭ ‬وهكذا‭. ‬وتجدد‭ ‬هذه‭ ‬الكتيبات‭ ‬الإرشادية‭ ‬دوريًا‭ ‬كي‭ ‬تواكب‭ ‬التغيرات‭ ‬المتتالية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المختلفة‭.‬

ومع‭ ‬اجتياح‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬للعالم‭ ‬من‭ ‬شرقه‭ ‬إلى‭ ‬غربه‭ ‬وتوقف‭ ‬حركة‭ ‬السفر‭ ‬العالمية‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬أضيق‭ ‬الحدود،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬تقريبًا‭ ‬يُقبِل‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتيبات‭ ‬وتضررت‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬نشرها‭ ‬تضررًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬لم‭ ‬يُحجِّم‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬إقبال‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬أدب‭ ‬الرحلات‭ ‬التقليدي،‭ ‬الذي‭ ‬يسرد‭ ‬لهم‭ ‬تجارب‭ ‬كُتَّابه‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بعيدة،‭ ‬تعويضًا‭ ‬عن‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬السفر‭.‬

حاولت‭ ‬هذه‭ ‬الدور‭ ‬تقليل‭ ‬خسائرها‭ ‬أيضًا‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬كتب‭ ‬السياحة‭ ‬المحلية‭ ‬وإصدار‭ ‬كتيبات‭ ‬سياحية‭ ‬عن‭ ‬المدن‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬ركز‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬كتب‭ ‬تتناول‭ ‬كيفية‭ ‬السفر‭ ‬مع‭ ‬اتخاذ‭ ‬كافة‭ ‬الاحترازات‭ ‬الصحية‭ ‬اللازمة،‭ ‬أو‭ ‬تلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الوعي‭ ‬بالبيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬وكيفية‭ ‬رؤيتها‭ ‬بعين‭ ‬جديدة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أماكننا‭ ‬الأصلية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬نسافر‭ ‬إليها‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬عودة‭ ‬حركة‭ ‬السفر‭ ‬نسبيًا‭ ‬حاليًا،‭ ‬تحاول‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬هذه‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬المستجدات‭ ‬وتكييف‭ ‬سياستها‭ ‬النشرية‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬الطارئة‭ ‬على‭ ‬عالمنا‭ ‬لجني‭ ‬أكبر‭ ‬ربح‭ ‬ممكن‭ ‬وتوسيع‭ ‬مفهومها‭ ‬ومفهوم‭ ‬قرائها‭ ‬المحتملين‭ ‬عن‭ ‬الارتحال‭ ‬وعلاقتهم‭ ‬بالأماكن‭ ‬التي‭ ‬يزورونها‭ ‬ودور‭ ‬الإنسان‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬عمّا‭ ‬يقع‭ ‬للبيئة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭.‬

طويت‭ ‬الصفحة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وقلت‭ ‬فى‭ ‬نفسي: ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الأدب‭ ‬الذى‭ ‬أود‭ ‬كتابته‭ ‬والكتابة‭ ‬عنه‭. ‬ جـرّبت‭ ‬إنريكه‭  ‬فيلا‭ - ‬ماتاس‭ ‬فى‭ ‬ابارتليبى‭ ‬وأصحابه‭ ‬بترجمة‭ ‬عبد‭ ‬الهادى‭ ‬سعدون‭ ‬وامستكشفو‭ ‬الهاوية‭ ‬بترجمة‭ ‬أحمد‭ ‬مجدى‭ ‬منجود،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬ثالث‭ ‬قصير‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬وسيطة‭ ‬بعنوان‭‬A Brief History of Portable Literature،‭ ‬وفيه‭ ‬يصهر‭ ‬الرجلُ‭ ‬الفواصل‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬

وأدب‭ ‬المغامرات‭ ‬والسيرة‭ ‬الذاتية،‭ ‬فيكتب‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬مجتمع‭ ‬سري،‭ ‬أسماه‭ ‬مجتمع‭ ‬االشانديزب‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬راوية‭ ‬الأديب‭ ‬الآيرلندى‭ ‬لورانس‭ ‬ستيرن‭ ‬المعقدة‭ (‬حياة‭ ‬السيد‭ ‬النبيل‭ ‬تريسترام‭ ‬شاندى‭ ‬وآراؤه‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬مجتمع‭ ‬يضمّ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬مثل‭ ‬دوتشامب،‭ ‬جومبروفيتش،‭ ‬بورخيس،‭ ‬جويس،‭ ‬سيلين،‭ ‬فالتر‭ ‬بينيامين،‭ ‬لوركا‭ ‬وغيرهم،‭

‬وكان‭ ‬اكتشافاً‭ ‬بحق‭. ‬اشتُهرت‭ ‬أعمال‭ ‬ماتاس‭ ‬بالتناص‭ ‬المكثف‭ ‬مع‭ ‬نصوص‭ ‬أدبية‭ ‬الأخرى‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬نصوص‭ ‬روبرت‭ ‬فالزر‭ ‬وبيكيت‭ ‬وجويس‭ ‬ومونتين‭ ‬ولورنس‭ ‬شتيرن،‭ ‬وكذلك‭ ‬الرسم‭ ‬بحُـــرَّيـة‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته‭ ‬الغريبة،‭ ‬وتحوم‭ ‬نصوصه‭ ‬حول‭ ‬بقعة‭ ‬رمادية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأحداث‭ ‬والتأملات‭ ‬والسرد‭ ‬المسهب‭ ‬تتخلله‭ ‬استطرادات‭ ‬طويلة‭.‬ الدكتور‭ ‬باسافنتو‭:‬

فى‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬ينهى‭ ‬ماتاس‭ ‬الثلاثية‭ ‬التى‭ ‬بدأها‭ ‬بـ‭ ‬بارتليبى‭ ‬وأصحابه‭ ‬حول‭ ‬كُـــــتَّــاب‭ ‬الـ‭ ‬الاب‭ ‬الرافضين‭ ‬للكتابة،‭ ‬أو‭ ‬الكُـتَّاب‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬عملاً‭ ‬واحداً‭ ‬ثم‭ ‬هجروا‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬غرقوا‭ ‬قى‭ ‬صمت‭ ‬أبدى‭ ‬حتى‭ ‬رحلوا،‭ ‬وأتبعه‭ ‬بكتاب‭ ‬Montanoصs Malady‭ [‬وَفـق‭ ‬الترجمة‭ ‬الإنجليزية‭] ‬وأخيراً‭ ‬رواية‭ ‬الدكتور‭ ‬باسافانتو‭ ‬التى‭ ‬أنـجز‭ ‬ترجمتها‭ ‬الشاعر‭ ‬والمترجم‭ ‬العراقى‭ ‬حسين‭ ‬نـهابة‭. ‬

بطل‭ ‬الرواية‭ (‬ماتاس‭ ‬شخصياً‭) ‬يصرّح‭ ‬بوضوح‭ ‬فى‭ ‬مقابلاته‭ ‬وأعماله‭ ‬أنه‭ ‬مهووس‭ ‬بفكرة‭ ‬الاختفاء‭ ‬والتلاشى‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الجميع‭. ‬لماذا؟‭ ‬يبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭ ‬لأنها‭ ‬محاولات‭ ‬تأكيد‭ ‬الذات‭. ‬وبعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬المجهولين‭ ‬له‭ ‬يعرِفُ‭ ‬ماتاس‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬اسمه‭ ‬ادكتور‭ ‬باسافانتوب‭ ‬اختفى‭ ‬قُرب‭ ‬برج‭ ‬مونتين،‭ ‬البرج‭ ‬الذى‭ ‬عاش‭ ‬فيه‭ ‬أستاذه‭ ‬الأسلوبى‭ ‬كاتب‭ ‬المقالات‭ ‬الفرنسى‭ ‬ميشيل‭ ‬مونتين،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬أثراً،‭ ‬وتبدأ‭ ‬اللعبة‭. ‬يُدعـى‭ ‬السارد‭/‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬إلقاء‭ ‬محاضرة‭ ‬فى‭ ‬إشبيلية‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬اكيف‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تراقص‭ ‬الخيال‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬فينطلق‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬كيخوتية‭ ‬ممزوجة‭ ‬بطابع‭ ‬ماتاسي،‭ ‬لكنه‭ ‬يقرر‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عدم‭ ‬إلقاء‭ ‬المحاضرة‭ ‬والاختفاء‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬رواية‭ ‬دكتور‭ ‬باسافينتو‭ (‬إن‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬نسبها‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي‭) ‬هى‭ ‬حكاية‭ ‬كاتب‭ ‬يسعى‭ ‬وراء‭ ‬الاختفاء،‭ ‬فيحاول‭ ‬أن‭ ‬يحذو‭ ‬حذو‭ ‬الكاتب‭ ‬السويسرى‭ ‬روبرت‭ ‬فالزر‭ ‬الذى‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬مجد‭ ‬العالم‭ ‬الأدبى‭ ‬ليعيش‭ ‬فى‭ ‬تعاسته‭ ‬الجميلة‭ ‬ولــيكسبَ‭ ‬حياته‭ ‬الحقيقة‭ ‬عبر‭ ‬إخفاء‭ ‬هويته‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬للأمراض‭ ‬العقلية‭. ‬بل‭ ‬أغلو‭ ‬فأقول‭ ‬إنها‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬حياة‭ ‬روبرت‭ ‬فالزر،‭  ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬فى‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬العمل؛‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬الساردُ‭ ‬كل‭ ‬فقرة‭ ‬تقريباً‭ ‬بجُملة‭ ‬ثابتة‭: ‬اوضعتُ‭ ‬قبعة‭ ‬اللباد‭ ‬على‭ ‬رأسى‭ ‬وغادرت‭ ‬غرفة‭ ‬الكُــتاب‭ ‬أو‭ ‬الأرواح،‭ ‬وهى‭ ‬نفسها‭ ‬افتتاحية‭ ‬قصة‭ ‬روبرت‭ ‬فالزر‭ ‬اتـمشـيةب‭ =  ‬Der‭ ‬Spaziergang‭ (‬للقصة‭ ‬ترجمة‭ ‬عربية‭ ‬بعنوان‭ ‬مشوار‭ ‬المشي‭).‬

‭ ‬دفعتْ‭ ‬رغبة‭ ‬باسافنتو‭ ‬فى‭ ‬الاختفاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلاحظه‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬جهاز‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬وقلمه‭ ‬الجاف‭ ‬بـ‭ ‬اقلم‭ ‬رصاصب‭ (‬لروبرت‭ ‬فالزر‭ ‬قصة‭ ‬بالاسم‭ ‬نفسه‭!)‬،‭ ‬بحيث‭ ‬‬أن‭ ‬ضربة‭ ‬صغيرة‭ ‬لسنّ‭ ‬القلم‭ ‬الرصاص‭ ‬كفيلة‭ ‬بنسف‭ ‬فكرة‭ ‬الكتابة‭. ‬يفطن‭  ‬السارد‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الاختفاء‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬سيكون‭ ‬غاية‭ ‬فى‭ ‬الصعوبة،‭ ‬لكنه‭ ‬يفكر‭ ‬أيضًا‭ ‬فى‭ ‬الآلهة‭ ‬الغامضين‭ ‬المنعزلين‭ ‬مثل‭ ‬موريس‭ ‬بلانشو‭ ‬وتوماس‭ ‬بينشون‭ ‬وج‭. ‬د‭. ‬سالينجر،‭ ‬فيتوجه‭ ‬إلى‭ ‬نابولي،‭ ‬متخذًا‭ ‬اسم‭ ‬الدكتور‭ ‬باسافينتو‭ ‬ومحتفظاً‭ ‬باسم‭ ‬الدكتور‭ ‬بينشون‭ ‬كاسم‭ ‬احتياطي‭. ‬

لا‭ ‬يمـل‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الصفحات‭ ‬من‭ ‬إيراد‭ ‬أسماء‭ ‬الكّتاب‭ ‬الذين‭ ‬أَحَـــبَّهم‭ ‬وتأثّـــرَ‭ ‬بهم،‭ ‬ولحسن‭ ‬الحظ‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬طينة‭ ‬الكُتاب‭ ‬الذين‭ ‬أعاود‭ ‬قراءتهم‭ ‬والترجمة‭ ‬لهم‭ ‬أحياناً‭. ‬كاتب‭ ‬ماتاس‭ ‬الأثير‭ ‬هو‭ ‬السويسرى‭ ‬روبرت‭ ‬فالزر،‭ ‬عميد‭ ‬أدب‭ ‬الاختفاء‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬وحامل‭ ‬صليب‭ ‬الأدب،‭ ‬وكاتبه‭ ‬الأسلوبى‭ ‬المفضل‭ ‬هو‭ ‬الألمانى‭ ‬فينفريد‭ ‬جيورج‭ ‬زيبالد،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حوله‭ ‬فى‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الاختفاء‭ ‬والتلاشى‭ ‬والزوال‭. ‬ماتاس‭ ‬مولعٌ‭ ‬بـ‭ ‬زيبالد،‭ ‬المستشهد‭ ‬دوماً‭ ‬بشعرية‭ ‬الزوال‭ ‬والمتناص‭ ‬دوماً‭ ‬مع‭ ‬أعمال‭ ‬الآخرين،‭

‬وكذلك‭ ‬بموريس‭ ‬بلانشو،‭ ‬صمويل‭ ‬بيكيت،‭ ‬سالينجر،‭ ‬جوليان‭ ‬جراك‭ ‬وتوماس‭ ‬بينشون،‭ ‬إلخ‭. ‬ومثلما‭ ‬كان‭ ‬صمويل‭ ‬بيكيت‭ ‬يختفى‭ ‬وراء‭ ‬الكلمات‭ ‬المتكررة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لانهاية‭ ‬فى‭ ‬مالون‭ ‬ومولوى‭ ‬واللا‭ ‬مسمّى،‭ ‬يختفى‭ ‬ماتاس‭ ‬وراء‭ ‬الاستطراد‭ ‬المتواصل‭ ‬وإرجاء‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬نقطة‭ ‬ممكنة‭. ‬

من‭ ‬النقاط‭ ‬اللافتة‭ ‬انشغال‭ ‬ماتاس‭ ‬المتواصل‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬أسلوب،‭ ‬الرجل‭ ‬هو‭ ‬الأسلوب‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭ ‬عادةً‭. ‬فتّش‭ ‬الرجل‭ ‬طويلاً‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬الأدب‭ ‬الحقيقى‭ ‬فى‭ ‬نظره،‭ ‬وفى‭ ‬اعتقادى‭ ‬مؤخراً‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬لورانس‭ ‬ستيرن‭ ‬فى‭ ‬احياة‭ ‬تريسترام‭ ‬شانديب،‭ ‬وهو‭ ‬العمل‭ ‬الجامع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وأى‭ ‬شيء‭ (‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬خابيير‭ ‬مارياس‭ ‬قال‭ ‬الكلمة‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬حواراته‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬وجدها‭ ‬فى‭ ‬مقالات‭ ‬مونتين،‭ ‬حيث‭ ‬ابتكر‭ ‬مونتين‭ ‬ولورانس‭ ‬ستيرن‭ ‬جنس‭ ‬المقالة‭/‬الرواية‭/‬السيرة،‭ ‬وهو‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبى‭ ‬الذى‭ ‬واصلَ‭ ‬زيبالد‭ ‬تطويره‭ ‬وسـار‭ ‬به‭ ‬ماتاس‭ ‬فى‭ ‬سِكّة‭ ‬جديدة‭.  ‬

السارد‭ ‬المهووس‭ ‬بفكرة‭ ‬الاختفاء‭ ‬يستخدم‭ ‬تقنية‭ ‬الاستطراد‭ ‬اللا‭ ‬نهائي،‭

‬وهى‭ ‬استراتيجية‭ ‬تريسترام‭ ‬شاندى‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إرجاء‭ ‬النهاية‭/‬الموت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية،‭ ‬فبطل‭ ‬رواية‭ ‬ستيرن‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُولد‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يموت‭. ‬المفارقة‭ ‬الساخرة‭ ‬والمتكررة‭ ‬فى‭ ‬نصوص‭ ‬ماتاس‭ ‬ذ‭ ‬حسبما‭ ‬قرأت‭ ‬منها‭- ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الحالم‭ ‬بالهروب‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬الموت،‭ ‬والمنتحل‭ ‬لهوية‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬يسعه‭ ‬إلا‭ ‬مواصلة‭ ‬سرد‭ ‬القصة‭ (‬إن‭ ‬كانت‭ ‬ثمة‭ ‬قصة‭) ‬بضمير‭ ‬المتكلم‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬السارد‭ ‬فى‭ ‬بحثه‭ ‬عن‭ ‬طُرق‭ ‬للاختفاء‭ ‬يقتبس‭ ‬تقنياته‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬والكتب،‭ ‬الرجل‭ ‬مستغرق‭ ‬بكليته‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يُخلق‭ ‬لهذا‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭. ‬وسط‭ ‬مسار‭ ‬السرد‭ ‬يطل‭ ‬علينا‭ ‬ماتاس‭ ‬بآرائه‭ ‬حول‭ ‬الأدب‭ ‬فيتسائل‭ ‬فى‭ ‬حواراته‭ ‬مع‭ ‬بروفيسور‭ ‬مورانتي‭: ‬لِمَ‭ ‬كان‭ ‬الأدب‭ ‬الجيّد‭ ‬يتخذ‭ ‬دائماً‭ ‬شكل‭ ‬رحلة؟‭ ‬الأوديسة؟‭ ‬رحلة‭ ‬الـيوم‭ ‬الواحد‭ ‬فى‭ ‬عوليس‭ ‬ج‭. ‬جويس؟‭ ‬الكيخوته؟‭ ‬فيجيب‭ ‬بأن‭ ‬الرحلة‭ ‬هى‭ ‬الحبكة‭ ‬المثالية‭ ‬لأية‭ ‬قصة،‭ ‬لأنهم‭ ‬اكتشفوا‭ ‬منذ‭ ‬العهود‭ ‬الغابرة‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للشيء‭ ‬بداية‭ ‬ونهاية‭ ‬فهى‭ ‬الرحلة،‭ ‬كان‭ ‬للرحلات‭ ‬بداية‭ ‬ونهاية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬نسقاً،‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬قصة‭.‬

‭***‬

كان‭ ‬أرتور‭ ‬رامبو‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭ ‬غائبة،‭ ‬وفى‭ ‬ظنى‭ ‬ستـظـل‭ ‬الحياة‭ ‬غائبة،‭ ‬خلواً‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬طالما‭ ‬لم‭ ‬يضعها‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬قصة‭ ‬أو‭ ‬قصيدة،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬حضورها‭ ‬إلا‭ ‬بالتقرير‭ ‬الذى‭ ‬يكتبه‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭. ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬لأحد‭ ‬الموت‭ ‬إلا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬قصة‭ ‬تُروى‭. ‬لكى‭ ‬تغادر‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تحكى‭ ‬قصّتك‭ ‬أولاً‭ ‬ثم‭ ‬تمضي،‭ ‬كاذبة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬صادقة،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭. ‬ذات‭ ‬معنى‭ ‬أم‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المعنى،‭ ‬لا‭ ‬ضير‭. ‬قرأها‭ ‬أحد‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬يقرؤها‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬يهم‭. ‬

فى‭ ‬أدب‭ ‬ماتاس‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يعثر‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬سردى‭ (‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ ‬ملغزة‭

‬ونقطة‭ ‬النور‭ ‬فيها‭ ‬مدفونة‭ ‬أسفل‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬والشاطر‭ ‬من‭ ‬يعثر‭ ‬عليها‭ ‬مثل‭ ‬مولوى‭ ‬بيكيت‭)‬،‭ ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬الأدب‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬الحياة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يحدث،‭ ‬سيرك‭ ‬يـمـرّ‭ ‬لو‭ ‬استعرتُ‭ ‬عنوان‭ ‬رواية‭ ‬موديانو،‭ ‬أما‭ ‬عبر‭ ‬الفن‭ ‬الذى‭ ‬يتخذ‭ ‬شكل‭ ‬رواية‭/‬قصة‭/‬قصيدة‭/‬لوحة‭/‬مقالة‭/‬مقطوعة‭ ‬موسيقية‭ ‬تنفتح‭ ‬أمامك‭ ‬طاقة‭ ‬صغيرة‭ ‬تطلَّ‭  ‬منها‭ ‬برأسك‭. ‬نقرأ‭ ‬فى‭ ‬صفحة‭ ‬83‭: ‬االأدب‭ ‬يمنح‭ ‬حبكةَ‭ ‬الحياة،‭ ‬منطقاً‭ ‬لا‭ ‬تمتلكه‭ ‬الحياة‭ ‬نفسها‭. ‬يبدو‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الحبكة‭ ‬وعلينا‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬وضعها،‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬اخترعنا‭ ‬الأدب‭.‬ب‭ ‬أفكّر‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬سبب‭ ‬ارتباط‭ ‬ماتاس‭ ‬القوى‭ ‬بـروبرت‭ ‬فالزر‭. ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬الرواية‭ ‬يزور‭ ‬السارد‭ ‬فى‭ ‬صحبة‭ ‬بروفيسور‭ ‬مورانتى‭ ‬مصحة‭ ‬هريساو‭ ‬التى‭ ‬توفى‭ ‬فالزر‭ ‬فى‭ ‬أرجائها‭ ‬بعد‭ ‬سقوطه‭ ‬فوق‭ ‬الثلج‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬جولات‭ ‬المشى‭ ‬الغامضة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬سرّها‭ ‬أبداً‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬بطل‭ ‬نوفيلا‭ ‬باتريك‭ ‬زوسكِند‭ ‬الساحرة‭ ‬احكاية‭ ‬السيد‭ ‬زومرب‭. ‬السارد‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬وجوده‭ ‬الحقيقى‭ ‬فى‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬فالزر‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬منفصلاً‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬كارهاً‭ ‬للنفاق‭ ‬والابتذال،‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬كاتب‭ ‬حقيقي،‭ ‬لا‭ ‬أراجوز‭ ‬أدبى‭ ‬يـقـفز‭ ‬بين‭ ‬الموائد‭ ‬مثل‭ ‬الكرة‭ ‬الجلِد‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرغب‭ ‬بشيء‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يبوح‭ ‬بحقائقه‭ ‬البسيطة‭ ‬وأن‭ ‬يخفى‭ ‬آلامه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬فى‭ ‬الصمت،‭ ‬فالزر‭ ‬هو‭ ‬مالك‭ ‬وسيّد‭ ‬الثرثرة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬فقط‭ ‬بحسب‭ ‬كلام‭ ‬ماتاس،‭ ‬البطل‭ ‬السرى‭ ‬لمعركة‭ ‬خاضها‭ ‬بالقصص‭ ‬ضد‭ ‬العالم‭. ‬يقول‭ ‬السارد‭ ‬فى‭ ‬فقرة‭ ‬لافتة‭: ‬اما‭ ‬زلتُ‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسى‭ ‬كاتباً‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أننى‭ ‬لستُ‭ ‬مهتماً‭ ‬بأن‭ ‬أصبح‭ ‬ذلكب‭ (‬ص‭ ‬257‭). ‬الا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬العالَم‭ ‬لفهمهب،‭ ‬هكذا‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬الأبطال‭ ‬إلى‭ ‬ماتاس‭. ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬عندي‭: ‬ألن‭ ‬يقابل‭ ‬المبدعُ‭ ‬الموتَ‭ ‬راضياً‭ ‬مرضياً‭ ‬لو‭ ‬عاش‭ ‬هكذا؟‭  ‬أقوى‭ ‬المشاهد‭ ‬عند‭ ‬ماتاس‭ ‬ذ‭ ‬فى‭ ‬ذوقي‭- ‬هى‭ ‬المشاهد‭ ‬التى‭ ‬يحكى‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬يُحبها‭ ‬والكُتاب‭ ‬الذين‭ ‬يحبّهم‭ ‬والمواقف‭ ‬التى‭ ‬اختلقها‭ ‬ليقابلهم‭. ‬ففى‭ ‬كلامه‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬مصحة‭ ‬هيرساو‭ ‬لمستُ‭ ‬سرداً‭ ‬ساخناً‭ ‬متحركاً‭ ‬إذ‭ ‬قال‭: ‬اسأكون‭ ‬كاذباً‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬أن‭ ‬انطباعاً‭ ‬تولّد‭ ‬في،‭ ‬أثناء‭ ‬صعودنا‭ ‬الصامت‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬هريساو،‭ ‬بأننى‭ ‬أعيش‭ ‬المغامرة‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬بدأ‭ ‬فيها‭ ‬المستشكف‭ ‬يقترب‭ ‬أخيراً‭ ‬من‭ ‬شىء‭ ‬حقيقىب‭. ‬

نحن‭ ‬نكتبُ‭ ‬لنختفي،‭ ‬لنغيّبَ‭ ‬أنفسنا،‭ ‬هكذا‭ ‬يقول‭ ‬ماتاس‭ ‬قرب‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭ (‬ص‭ ‬229‭). ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬المفارقة‭ ‬الجميلة؛‭ ‬حينما‭ ‬يكتب‭ ‬الكاتب‭ ‬فإنه‭ ‬يغيّبَ‭ ‬اأناهب‭ ‬الظاهرة‭ ‬ويُظهر‭ ‬ظلّه‭ ‬الناطق‭ ‬باسم‭ ‬الحقيقة‭. ‬يغرس‭ ‬أناه‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الخمول‭ ‬بتعبير‭ ‬ابن‭ ‬عطاء‭ ‬الله‭ ‬السكندرى‭ ‬لـتنـبتَ‭ ‬شخوصاً‭ ‬أخرى‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬منه،‭ ‬يصرّح‭ ‬هيرمان‭ ‬هسّه‭ ‬فى‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬حَمل‭ ‬عنوان‭ ‬اطفولة‭ ‬الساحرب‭ ‬بأن‭ ‬أكثر‭ ‬أمانيه‭ ‬حماسةً‭ ‬وهو‭ ‬صغير‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬السحرية‭ ‬على‭ ‬الاختفاء‭.‬

‭>>>‬

طالما‭ ‬شغلتنى‭ ‬فكرة‭ ‬مستقبل‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬أدب‭ ‬المستقبل‭. ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يتجـه‭ ‬الأدب؟‭ ‬أجاب‭ ‬ماتاس‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬الرواية،‭ ‬ناسِباً‭ ‬الإجابة‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسى‭ ‬المحتجب‭ ‬موريس‭ ‬بلانشو‭ ‬بقوله‭: ‬ايتجه‭ ‬نحو‭ ‬ذاته،‭ ‬نحو‭ ‬جوهره‭ ‬الذى‭ ‬هـو‭ ‬الاختفاء‭.‬ب

فى‭ ‬حوار‭ ‬أُجرى‭ ‬مع‭ ‬ماتاس‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬Tin House‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬عثر‭ ‬عند‭ ‬الكاتب‭ ‬الفرنسى‭ ‬جورج‭ ‬بيريك‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬مؤداه‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬يتقدم‭ ‬نحو‭ ‬فن‭ ‬الاقتباسات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬فى‭ ‬رأيه‭ ‬توجهاً‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬شخصية‭ ‬مهتمة‭ ‬بجمع‭ ‬الاقتباسات‭ ‬النادرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬نصوص‭ ‬العالم‭ ‬وبكل‭ ‬اللغات،‭ ‬وهى‭ ‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬أحد‭ ‬تلامذة‭ ‬الروائى‭ ‬الأميركى‭ ‬الغامض‭ ‬توماس‭ ‬بينشون،‭ ‬الكاتب‭ ‬الذى‭ ‬اختفى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬ويُشكّك‭ ‬فى‭ ‬وجوده‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬برغم‭ ‬حصده‭ ‬الجوائز‭ ‬ومواصلته‭ ‬إصدار‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬من‭ ‬بقعة‭ ‬خفية‭ ‬فى‭ ‬نيويورك‭ (‬انتحل‭ ‬السارد‭ ‬ماتاس‭ ‬فى‭ ‬الصفحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬شخصية‭ ‬بينشون‭ ‬أيضاً‭!) ‬البطل‭ ‬مشغول‭ ‬بإعداد‭ ‬موسوعة‭ ‬متنقلة‭ ‬تحوى‭ ‬كافة‭ ‬الاقتباسات‭ ‬والاستعارات‭ ‬الأدبية‭ ‬المتاحة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬كتب‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬أستبعد‭ ‬تأثّــر‭ ‬ماتاس‭ ‬القوى‭ ‬بأدباء‭ ‬مولعين‭ ‬بالتناص،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬كاتب‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬ماتاس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬وهو‭ ‬الألمانى‭ ‬ف‭.‬ج‭.‬زيبالد،‭ ‬الذى‭ ‬يتشابه‭ ‬أسلوبه‭ ‬مع‭ ‬أسلوب‭ ‬ماتاس‭. ‬وإن‭ ‬اصطبغ‭ ‬الأخير‭ ‬بصبغة‭ ‬هذيانية‭ ‬استطرادية‭ ‬متطرفة‭. ‬

سُئِل‭ ‬ماتاس‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬إزاء‭ ‬الأدب‭ ‬الذى‭ ‬يكتبه‭ ‬fractal literatureت‭ (‬أدب‭ ‬الفراكتل‭ ‬أو‭ ‬أدب‭ ‬الصدوع‭ ‬والكسور‭)‬،‭ ‬فغالباً‭ ‬ما‭ ‬تظهر‭ ‬فى‭ ‬أعماله‭ ‬تفصيلة‭ ‬دقيقة،‭ ‬كـمصادفة‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬أو‭ ‬تحوير‭ ‬لغوى‭ ‬لعبارة،‭ ‬لكنها‭ ‬ما‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تكتسب‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬فتبتلعُ‭ ‬الروايةَ،‭

‬وتنزلق‭ ‬إلى‭ ‬نسيج‭ ‬العمل‭ ‬لتخلق‭ ‬شكلًا‭ ‬سرديًا‭ ‬جديدًا‭. ‬يستـمر‭ ‬هذا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬حتى‭ ‬تظهر‭ ‬تفصيلة‭ ‬أخرى‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته‭ ‬لتبتلع‭ ‬العمل‭ ‬خالقةً‭ ‬شكلًا‭ ‬سرديًا‭ ‬آخر‭. ‬وهكذا‭ ‬لا‭ ‬تتوقّف‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬مقاطعة‭ ‬نفسها‭ ‬مُــشيَّــدةً‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجميل‭ ‬الخلو‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ (‬ظاهرياً‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬كيف‭ ‬يوظّف‭ ‬الرسام‭ ‬أشكال‭ ‬الفراكتل‭ ‬والمنحنيات‭ ‬المتعرجة‭ ‬لتبنى‭ ‬لنفسها‭ ‬شكلًا‭ ‬جمالياً‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬والتناسق‭ ‬الخفي‭. ‬راق‭ ‬لماتاس‭ ‬التعبير‭ ‬وراق‭ ‬له‭ ‬وصف‭ ‬أدب‭ ‬الكسور‭ ‬والشظايا‭ ‬الذى‭ ‬يكتبه‭ ‬بـالنظام‭ ‬الجميل‭ ‬الخالى‭ ‬من‭ ‬المنطق‭. ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬وأن‭ ‬قرأَ‭ ‬وصفًا‭ ‬مُماثلًا‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬تصوير‭ ‬الطريقة‭ ‬التى‭ ‬تُشيد‭ ‬بها‭ ‬أعماله،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أنه‭ ‬أدرك‭ ‬بوضوح‭ ‬حقيقة‭ ‬دمجـه‭ ‬بين‭ ‬جنس‭ ‬المقالة‭ ‬الأدبية‭ ‬والقصة‭ ‬والسيرة،‭ ‬وأن‭ ‬الخيوط‭ ‬المفترض‭ ‬نسجها‭ ‬من‭ ‬قماش‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬التى‭ ‬يضمّها‭ ‬إلى‭ ‬هذين‭ ‬الجنسين‭ ‬السرديين‭ (‬المقالة‭ ‬والقصة‭) ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬سردى‭ ‬قريب‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬كاتب‭ ‬المقالة‭. ‬أضاف‭ ‬ماتاس‭ ‬أن‭ ‬الصوت‭ ‬المتكلم‭ ‬ليس‭ ‬صوت‭ ‬كاتب‭ ‬شبحى‭ ‬يسكن‭ ‬ثنايا‭ ‬النص‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬صوت‭ ‬المؤلف‭ ‬نفسه‭ ‬المنحدر‭ ‬من‭ ‬سلالة‭ ‬مونتانى‭ ‬والكاتب‭ ‬والمترجم‭ ‬المكسيكى‭ ‬سيرخيو‭ ‬بيتول‭ (‬وللأخير‭ ‬بالمناسبة‭ ‬ثلاثية‭ ‬قرأتُ‭ ‬عنها‭ ‬مراجعات‭ ‬ممتازة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬فن‭ ‬المذكرات‭ ‬والنثر‭ ‬والحر‭ ‬والتأملات‭ ‬الأدبية‭ ‬والقراءات‭ ‬الشخصية‭ ‬تحمل‭ ‬عنوان‭:  ‬Triology‭ ‬of Memoryوهى‭ ‬ثلاثية‭ ‬جديرة‭ ‬بانتباه‭ ‬المترجمين‭ ‬المتخصصين‭.‬

قال‭ ‬ماتاس‭ ‬إن‭ ‬غاية‭ ‬أعماله‭ ‬ليست‭ ‬صنع‭ ‬حبكة‭ ‬أو‭ ‬تتابع‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬بل‭ ‬الخروج‭ ‬بطبخة‭ ‬افيلا‭-‬ماتاسب،‭ ‬ليسمّها‭ ‬القاريء‭ ‬طريقة‭ ‬تفكير‭ ‬أو‭ ‬أسلوب‭ ‬كتابة،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أنه‭ ‬ربما‭ ‬يرجع‭ ‬ســرّ‭ ‬أسلوبه‭ ‬فى‭ ‬رغبته‭ ‬فى‭ ‬الزج‭ ‬بالخيال‭ ‬إلى‭ ‬بقعة‭ ‬عدم‭ ‬تصديق‭ ‬القاريء‭ ‬للمكتوب،‭ ‬فمتعة‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬المروية،‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬مقابلة‭ ‬المؤلف‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الروائيين‭ ‬الذين‭ ‬يسردون‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬يكتبون‭ ‬مقالة‭ ‬أدبية،‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬ذ‭ ‬والكلام‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المقابلة‭ ‬المُشار‭ ‬إليها‭- ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬مـحور‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬التغيّر‭ ‬والانزياح‭ ‬بقصد‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬اكتشاف‭ ‬المحور‭ ‬الرئيسى‭ ‬للرواية‭ ‬أو‭ ‬اكتشاف‭ ‬المحور‭ ‬الرئيسى‭ ‬للمقالة‭ ‬المَحكية‭ ‬لو‭ ‬راق‭ ‬للقاريء‭ ‬التعبير‭. ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ماتاس‭ ‬احدوتة‭ ‬لوحدهب،‭ ‬أسلوبى‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع،‭ ‬أعثر‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬حواراته‭ ‬ونصوصه‭ ‬ما‭ ‬يُغوى‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والتفتيش‭. ‬

قبل‭ ‬فترة‭ ‬عثرتُ‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬مشوقة‭ ‬له‭ ‬بالإنجليزية‭. ‬كان‭ ‬الخطاب‭ ‬الذى‭ ‬ألقاه‭ ‬بمناسبة‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬معرض‭ ‬كتاب‭ ‬جوادالاخارتفى‭ ‬المكسيك‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬تحدّث‭ ‬الرجل‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬نضوب‭ ‬الأفكار‭ ‬فقال‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬ألّفه‭ ‬كان‭ ‬يـقـرّبه‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬هجر‭ ‬الكتابة،‭ ‬مثل‭ ‬من‭ ‬يخطو‭ ‬بهدوء‭ ‬نحو‭ ‬طريق‭ ‬مسدودة،‭ ‬ثـم‭ ‬يعود‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ليسألونه‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬عادة‭: ‬وماذا‭ ‬بعد؟

يقول‭ ‬ماتاس‭: ‬اكنت‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬محسومـة،‭ ‬مررت‭ ‬بأوقات‭ ‬عصيبة‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النهاية‭ ‬الميّتة،‭ ‬لكنى‭ ‬كنتُ‭ ‬محظوظاً،‭ ‬فدائماً‭ ‬كنتُ‭ ‬أتنبّه‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬هـو‭ ‬فن‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬فجوة‭ ‬صغيرة‭ ‬يمكن‭ ‬الهروب‭ ‬عبرها‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬التى‭ ‬تحاصرنا‭. ‬وقد‭ ‬حالفنى‭ ‬الحظ‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬فى‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أصغر‭ ‬فجوة‭ ‬يمكننى‭ ‬الهروب‭ ‬منها‭ ‬لأشق‭ ‬طريقى‭ ‬نحو‭ ‬تأليف‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭.‬

ماتاس‭ ‬وأدب‭ ‬الاختفاء

فى‭ ‬الخطاب‭ ‬نفسه‭ ‬حكى‭ ‬ماتاس‭ ‬عن‭ ‬لقائه‭ ‬بأديب‭ ‬تشيلى‭ ‬روبرتو‭ ‬بولانيو‭ ‬سنة‭ ‬2001،‭ ‬وتحدّثا‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬الرواية‭ ‬والكتابة،‭ ‬فأخبره‭ ‬بولانيو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬الروائى‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الحبكة‭ ‬والسرد‭ ‬الخطى‭ ‬كان‭ ‬حاضراً‭ ‬بقوة‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬لكنه‭ ‬أيامـه‭ ‬ولَّتْ،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬ظهور‭ ‬رواية‭ ‬ااختراع‭ ‬موريلب‭ ‬لكاساريس‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للحياة‭. ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬كلمة‭ ‬بولانيو‭ ‬تأكّدتْ‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ماتاس‭ ‬فيما‭ ‬كتب‭. ‬يغلب‭ ‬اعتقادى‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬النقطة‭ ‬الميتة‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬نص‭ ‬هى‭ ‬النقطة‭ ‬التى‭ ‬خرجت‭ ‬وستخرج‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬قصة‭ ‬عن‭ ‬الاختفاء‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬انتحال‭ ‬هـويات‭ ‬الآخرين‭. ‬

المصدر : جريدة اخبار الادب

‭ ‬

‭ ‬