ماهر فرغلي: «30 يونيو» قضت على مخطط بتر أطراف الوطن | حوار

 ماهر فرغلى خلال حواره مع «الأخبار»
ماهر فرغلى خلال حواره مع «الأخبار»

الباحث في شئون جماعات الإسلام السياسى:

السيسي أعاد مكانتنا الخارجية

مشروع تمكين الإخوان بدأ عام 1995

 القضاء على 28 تنظيماً مسلحاً هو نجاح أمنى كبير

 

انعكست عزلة الصعيد فى التسعينيات على الكثير من شبابه، فخواء ربوعه من الأنشطة الرياضية وتصحره من كل أشكال الفكر والثقافة جعلته مرتعا للجماعات الجهادية لتبث سمومها فى عقول أبنائه.. كان ماهر فرغلى خريج كلية التربية ومدرس اللغة العربية أحد شباب الصعيد الذين انضموا لتلك الجماعات ولكنه -حسب قوله- كان يسير معهم بلا وعى فهذا كان السبيل الوحيد لالتقاء الشباب مع بعضه..  8 سنوات قضاها فرغلى مع تلك الجماعات وكانت النتيجة السجن، ليقرر ماهر بعد ذلك تغيير مسار حياته، فاستقال من التربية والتعليم حيث كان يعمل فى وظيفة إدارية وجاء إلى القاهرة، لكنه ما لبث حتى عاد من جديد إلى الصعيد، ولأنه يمتلك موهبة أدبية فقد عكف على الانتهاء من مؤلفه: (الخروج من بوابات الجحيم) وقد ساعده ذلك على تجاوز فترة الإحباط الشديد التى عاشها.. جنى ماهر فرغلى ثمار صبره وإصراره على تحقيق هدفه ونجح كتابه وحقق مبيعات عالية خاصة فى فترة حكم الإخوان، حيث إنهم منعوا تداول الكتاب فساعدوا فى نشره بين الناس سرا، وبدأت رحلة ماهر فرغلى فى فضح مزاعم وأفكار الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها.. وفى هذا الحوار نكشف الكثير من خفايا الجماعة الإرهابية ومخططاتها المسمومة لهدم الوطن.

 

 بداية، ونحن فى أجواء الاحتفاء بذكرى ثورة 30 يونيو ومكتسباتها..كيف نجحت هذه الثورة فى أن تكون علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث؟
- نحن كنا أمام مشروع ضخم جدا فجاءت ثورة 30 يونيو لإيقافه، بمعنى أن الغرب انتهى إلى أن كل الحلول التقليدية فى القضية الفلسطينية قد فشلت: الحرب فشلت فى إنهاء القضية، وكذلك السلام واتفاقية كامب ديفيد أيضا، لذلك فكروا فى حل جديد جاء فى مؤتمر هرتزل حيث أعلنوا يهودية الدولة وطرد كل الفلسطينيين من أراضى الدولة اليهودية، وعمل تبادل أراض، بمعنى تنازلهم عن أراضى غزة وجزء من الضفة وجزء من أريحا على أن يضموا إليها جزءا من سيناء ليُسكنوا بها الفلسطينيين ويكون هذا هو الحل.
لكن السؤال كان من الذى سيفعل ذلك؟ لا الجيش المصرى ولا الجيش السورى كانا سيوافقان على ذلك، ففكروا فى الإسلاميين لأنهم هم الوحيدون القادرون على تنفيذ هذه الفكرة بالقوة والدين، والدليل أنه أثناء وجود الإخوان فى الحكم لم يكن لديهم مانع أن يتركوا حلايب للبشير فى مقابل أى مكسب من السودان، كذلك كانوا يرون أنه لا مانع من إعطاء جزء من سيناء إلى الفلسطينيين لأنهم أولا: مسلمون، وثانيا: لكى «يخلصوا»هذه القصة، ولا أحد ممكن أن يقول كلمة «نخلص» سوى الإخوان والإسلاميين.
بداية المؤامرة


 متى ارتأى الغرب قدرة الإخوان والإسلاميين على تنفيذ مشروع تقسيم الشرق الأوسط؟
- فى 1995عندما بدأت حوارات الغرب مع الإخوان، البداية كانت فى بروكسل ثم فى نيويورك، وكان عصام العريان حاضرًا فى ذلك اللقاء، أما أخطر لقاءاتهم كانت فى النادى السويسرى بالقاهرة والذى كان يحضره جميع قيادات الإخوان ومن بينهم مختار نوح قبل أن ينشق على الإخوان..هنا عرف الغرب أن الإخوان لديهم القدرة على حل مشكلة القضية الفلسطينية فاتخذوا قرارا أن الإخوان لابد وأن يحكموا المنطقة، بالإضافة إلى أن تجربة أردوغان بالنسبة لهم كانت تجربة ناجحة، لأنه نجح اقتصاديا فى تركيا، ونجح أيضا فى التعامل مع إسرائيل وتحقيق أكبر تبادل اقتصادى معها، وكذلك أكبر تبادل اقتصادى مع الغرب، ونفذ الأجندة الغربية بحذافيرها. أردوغان كان يمثل لهم الرجل الإسلامى الناجح الذى يحكم حكما عصريا، وبالتالى الإخوان يمثلون التيار الإسلامى المعتدل الذى سيقضى على التيار المتشدد كتنظيم القاعدة واحتواء كل التيارات المتطرفة، والدليل عندما استلم مرسى حكم مصر فتح حوارًا مع أيمن الظواهرى، وذهب عصام الحداد ومحمود عزت إلى بنى غازى فى ليبيا لفتح حوار مع الجماعات المتطرفة هناك، ونتذكر الحوار الذى تم مع الجماعات فى سيناء عندما قال: «الحفاظ على القاتل والمقتول».. إذن ثورة 30 يونيو أوقفت مشروع «بتر» جزء من سيناء وجزء من الجنوب لينضم إلى السودان، كما أنها أثبتت فشل الإسلاميين فى إدارة الدولة وعدم قدرتهم على التحول من إدارة جماعة إلى إدارة دولة فأداروها بعقلية الجماعة من مكتب الإرشاد، كذلك فشل فى الإعلان الدستورى، وفشل على المستوى الاقتصادى، وفشل فى انهيار الاحتياطى النقدى، وفشل على المستوى السياسى.. 30 يونيو كانت كاشفة على فشل الإخوان الذريع فى كل المجالات.


عودة قوية
 كيف ترى الإنجازات التى تحققت فى السنوات السبع السابقة من حكم الرئيس السيسى؟
- أبرز ما أراه فى 7 سنوات لحكم الرئيس السيسى إرجاع قدرة مصر الخارجية. أول مرة نرى مصر فى جيبوتى للتوقيع على اتفاقية عسكرية مع جيبوتى، وإنشاء قواعد فى جنوب السودان، مصر حاضرة فى السودان بدعمها للحكومة السودانية. أما فى العراق فالمحور الاقتصادى بين مصر والأردن والعراق يسحب العراق من إيران. سيطرة مصر على المياه فى شرق المتوسط وإنشاء منظمة للغاز فى مصر مما يترتب عليه أن كل الدول المطلة على البحر المتوسط ستأتى إلى القاهرة، و كل هذا النجاح أجبر أردوغان على التراجع فاضطر للتنازل عن الإخوان فى مقابل الغاز. كل هذه انتصارات خارجية ضخمة، هذا فضلا عن قوة وقدرة الجيش بسلاحه ورافاله وغواصاته الألمانية وقواعده العسكرية.
كما كانت مصر قادرة على حل المشكلة الليبية وضرب الجماعات الإرهابية فى سرت ودرنة وفى الجنوب، وعمل مراكز أبحاث فى الساحل والصحراء من أجل الإرهاب الموجود فى الجنوب، مصر عينها أيضًا على مالى والنيجر وتشاد وبوركينافاسو. مصر تعود بقوة وهى اليوم فى محيط ضخم جدا، لذلك أرى أن هذه هى أبرز إنجازات الرئيس السيسى منذ توليه الحكم.


تغيير المعادلة
 عودة الدور الإقليمى لمصر أثار غضب الجماعة الإرهابية بشدة خاصة مبادرة مصر فى إعمار غزة.. ما تفسيرك لهذا الغضب؟

أول مرة مصر لا تدير الملف من الخارج بل تدخل إلى غزة لتكون فاعلة. مصر بدأت تتحرك وإذا نظرنا إلى المنطقة نرى 4 مشاريع تعمل بها: المشروع الإسرائيلى، والتركى، والإيرانى، والمصرى. خلال الـ 10 سنوات السابقة لم يكن المشروع المصرى موجودا، وكانت الثلاثة مشاريع تتصارع على السيادة فى المنطقة وبقوة. بمعنى أحيانا تركيا تتحالف مع إيران فى ملف اليمن مقابل أن تترك لها إيران الشريط الحدودى فى سوريا، وإسرائيل تلعب مع الاثنين. لكن اليوم مصر دخلت المعادلة فنراها اليوم تدخل غزة ونراها فى العراق وسنراها فى سوريا وهى تأخذ من نصيب المشروع التركى والإيرانى والإسرائيلى، وقد علق منذ أيام قليلة رئيس الوزراء الإسرائيلى على ما خرج عن الزيارة المصرية للعراق قائلا إنها ستحدث خللاً فى ميزان القوة بالمنطقة!..مصر تصعد وتأخذ من قدرات الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين فى إدارة الملفات فى منطقة الشرق الوسط وهذا يعد نجاحا كبيرا جدا لا يلقى قبولا لدى الإخوان.


 كيف ترى ما حققته مصر حتى الآن فى ملف القضاء على الإرهاب؟
نجحت مصر نجاحًا كبيرًا فى هذا الملف لأنه كان فى مصر بعد 30 يونيو 28 تنظيما مسلحا، منها: «المقاومة الشعبية، العقاب الثورى، ولع، مولوتوف، مجموعات الألتراس، وأجناد مصر، بيت المقدس، جند الله، جند الإسلام، أنصار الإسلام، أنصار الدين، وأنصار الشريعة، والحركة الإسلامية لتطبيق الشريعة، غير جماعات حسم ولواء الثورة وغيرها، كل هذا اختفى عدا بؤر بسيطة موجودة فى سيناء نظرا للظروف القبلية وطبيعة المنطقة الجبلية هناك لكن تأثيرها محدود جدا.. هذا يعد نجاحا أمنيا. الناس تسير إلى المساجد وإلى الكنائس اليوم فى أمان، هذا عامل مهم ويؤدى إلى تطور الاقتصاد المصرى.


مشكلة طائفية!
 عندما استشعر الضمير الجمعى الخطر خرج معلنا رفضه لحكم الجماعة بعد عام واحد فقط.. إلى أى مدى كانت الجماعة الإرهابية تشكل خطرا على الهوية المصرية؟

الإخوان لديهم مشكلة كبيرة فى مسألة الهوية، وكان يشكلون تهديدا وجوديا لها ولعل فتح الملف الشيعى هو الأخطر فقد حاولوا إدخال الشيعة إلى مصر لكى تحدث مشكلة طائفية ، فلنتصور الحال إذا دخلت إيران البلد لمدة 3 أو 4 سنوات كنا سنبدأ المعاناة.


محطات جديدة
 إلى أين ستكون وجهة جماعة الإخوان الإرهابية بعد أن تخلى عنهم أردوغان.. وهل تتوقع أن تكون لهم قنوات إعلامية جديدة؟
- جزء منهم ستكون محطته إيران، ولهم محطة فى جنوب أفريقيا سيتوجه إليها البعض وجزء إلى أوكرانيا، وكوريا الجنوبية، وكندا التى تمثل لهم محطة كبيرة، وإسبانيا، أما العدد الأكبر منهم فهو فى البرازيل وهم مسيطرون هناك جدا، وكل المراكز الإسلامية هناك تابعة لهم، يلى ذلك الأرجنتين، وموجودون فى دول بعيدة كدولة ماليزيا.. هم يتنقلون بين تلك المحطات والإعلام التليفزيونى لا يمثل لهم شيئا الآن، المهم لديهم الآن هى وسائل التواصل، هذا هو الإعلام الجديد فهم موجودون على تطبيق «كلوب هاوس»، وكل يوم ينظمون ندوات ولقاءات يتابعها خمسة أو ستة آلاف شخص على تطبيق واحد، وهم لا يحتاجون أكثر من ذلك. التنظيم سيعتمد على سياسة «السوشيال ميديا» الإعلام الجديد لأنه إعلام غير مكلف وينتشر بسرعة.


الأوراق المحروقة
 إلى أى مدى لا تزال الجماعة الإرهابية موجودة بالشارع.. وما الرهان الذى ترتكز عليه فى الفترة المقبلة؟
- الجماعة داخل مصر فقدت أكبر قدراتها فى القوة، وفقدت قدرتها على حشد الجماهير، وفقدت قدرتها على ضم عناصر جديدة، وفقدت قدرتها على نسج تحالفات داخل مصر. كل القدرات التى فقدتها جماعة الإخوان أدت إلى تراجعها الشعبى بشكل ضخم جدا، هذا التراجع هو الذى يدفعها إلى أن تلعب بأوراق محروقة مثل محمد على وغيره.. كلهم ناس لن يسمع لهم أحد ولن يستجيب لهم أحد. المواطن المصرى «تعبان» فى معيشته، ولكنه يرى أن الرئيس السيسى يعمل ولا ينام.. الشعب المصرى واع ويرى نجاحات تتحقق فى ملفات خارجية وملفات اقتصادية، وبالتالى لن ينساق وراء أى دعوات إخوانية.


 هل ترى أن الدور التثقيفى من خلال الدراما التليفزيونية والسينمائية قد نجح فى زيادة وعى الشارع والتأريخ لجرائم الجماعة الإرهابية؟
- بالتأكيد،هذه خطوة مهمة وطالما ناشدنا وطالبنا أن توثق الدراما وترصد ما حدث.. فجاء الاختيار، والاختيار 2، وهى محاولات جادة وجيدة ونحتاج إلى المزيد منها لأن الدراما سريعة الوصول ويتابعها عدد كبير من الجماهير وتوصل الرسالة بسرعة. مكافحة الإرهاب العنيف تتطلب مشروعا لعلاج المتطرفين، ومشروعا لوقاية الناس قبل أن تقع ضحية التطرف، بالإضافة إلى مشروع تفكيكى أمنى. نحن كنا نشتغل على المشروع الأمنى فقط لكن مشروع العلاج والوقاية يحتاجان إلى خطة كبيرة تتضافر فيها جهود الثقافة والإعلام والمدارس والشباب الرياضة والمؤسسات الدينية.. هى خطة مجتمعية منسقة بشكل واضح وواحد.. فهل هذا موجود؟ ما نراه اليوم هى محاولات فردية، بمعنى أن وزارة الشباب والرياضة تعمل بجهد وتقف، وكذلك وزارة الثقافة تعمل بجهد وتقف.. لكن لو هناك خطة مدمجة زمنية لسنوات ستكون الأمور أفضل كثيرا.


 وأخيرًا.. ماذا عن الجديد فى إسهاماتك الأدبية خلال الفترة القادمة؟
- أوشكت على الانتهاء من كتابة رواية عن متطرف تحول إلى انتحارى يفجر نفسه، وأشرح الأسباب التى أوصلته إلى تلك النهاية، وعلاج هذه المشكلة من خلال الرواية.. وأعكف أيضا على إعداد كتاب كبير عن التنظيم الدولى للإخوان يضم المراسلات السرية، وهو قراءة فى أكثر من 3 آلاف ورقة وسيكون مجلدًا كبيرًا، وأعتقد أنه سيكون محطة للباحثين وللقراء ليتعرفوا على أشياء ستنشر لأول مرة.