عملية اغتيال السيردار « لى ستاك » .. رصاصة فى صدر سعد باشا زغلول !

السيردار «لى ستاك » - رسم يشرح كيف تمت عملية الاغتيال - سعد باشا زغلول
السيردار «لى ستاك » - رسم يشرح كيف تمت عملية الاغتيال - سعد باشا زغلول

شهدت الساحة السياسية عام 1924 ذروة الاحتقان بعدما تكرر الصدام بين رئيس الوزراء سعد باشا زغلول وجلالة الملك فؤاد الأول ، كانت المسألة السودانية هى الإطار الخلفى لهذا المشهد وكانت الجماهير الغاضبة فى السودان وقتها تهتف بوحدة مصر والسودان ، ولهذا تألفت حركة وطنية بالسودان لدعم موقف سعد زغلول فى مواجهة المحتل البريطانى للبلدين ، وحملت الحركة اسم «اللواء الأبيض» بقيادة الضابط السودانى على عبداللطيف ، وتقول مجلة « اللطائف المصورة » إن الأزمة  بين سعد زغلول الذى رفض فصل مصر عن السودان من جانب وبين الملك والاحتلال من الجانب الآخر ، دفعت سعد إلى تقديم استقالته للملك فى 29 يونيو 1924، لكن الملك رفضها ، وتم اعتقال على عبداللطيف بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم وأودع المعتقل ، وتقول المجلة إن الحدث الأكبر الذى هز مصر وبريطانيا معا هو نجاح محاولة اغتيال السير « لى ستاك » سردار « قائد » الجيش المصرى وحاكم السودان فى 23 نوفمبر 1924 وقد وقع الحادث الجلل فى الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الأربعاء 19 نوفمبر بعدما خرج سردار الجيش المصرى وحاكم السودان من مكتبه بوزارة الحربية قاصدا بيته فى الزمالك بعد انتهاء عمله تربص له خمسة أشخاص فى شارع « الطرقة الغربية » - تغير اسم الشارع فيما بعد إلى شارع إسماعيل باشا أباظة - وألقوا قنبلة بالقرب من سيارته وأطلقوا 7 رصاصات أصابت السردار بجرح خطير فى بطنه ‏، وإصابة الياور والسائق بإصابات خطيرة ، وتوفى السردار منتصف الليلة التالية للحادث .. وكان الجناة قد فروا وتم القبض على سائق السيارة التى كانت تنتظرهم . 


نشرت الصحف تفاصيل الحادث ونص بيان سعد باشا زغلول ‏الموجه للأمة الذى وصف فيه الواقعة بأنها من أشد الفظائع وأشنعها ومن أسوئها أثرا على سمعة البلاد وشهرتها ، وقد وضع الحادث حكومة سعد زغلول فى مأزق مما دفعه لأن يدلى بتصريح يدين الحادث ويقول فيه : « إن أسفى شديد جدا لهذه الجناية الفظيعة ، ولا أدرى إلى أيّة غاية رمى الجناة ، ولا إلى أيّة طبقة من طبقات الأمة ينتسبون ، ولا إلى أيّة هيئة سياسية أو حزب سياسى ينتمون ، ولكنى على كل حال أعتقد أن الذين ارتكبوا هذا الإثم الفظيع لم يرموا إلّا إلى الإخلال بأمن هذه البلاد و راحتها » ، وناشد المصريين بأن كل من يعرف شيئا عليه أن يقدمه إلى إدارة الأمن العام ، وليعلم كل فرد أن هذه تعد عملا وطنيا وخدمة جليلة للبلاد‏..‏ ويعلمون أن الالتجاء إلى العنف والإجرام أكبر خيانة للوطن ولقضيته المقدسة‏ ، وتم القبض على سائق السيارة الأجرة التى كان يستقلها الجناة الذى ذكر أنهم ركبوا بصفتهم ركابا عاديين‏ ،‏ ونوه بيان النائب العمومى بشجاعة جندى كان قريبا من موقع الحادث وطارد مرتكبى الحادث الذين أطلقوا عليه النيران فأصابته رصاصتان فى يده ورأسه‏ ، وتابعوا سيرهم إلى شارع موصل إلى دائرة السيدة زينب حيث تفرقوا‏ ، و قال سعد باشا فى تصريح له : « إنّ الرصاصات التى قتلت السردار، هى رصاصات فى صدرى » ، وكان لمصرع السردار دوى هائل فى بريطانيا ومصر والسودان، فصدرت الأوامر لكل الإنجليز المقيمين فى مصر أو الزوار منهم بعدم السير فى الشوارع بدون سيارات ، وأصبح المحتلون فى قلب القاهرة وكأنهم فى ميدان قتال ليل نهار يتوقعون هجوما بين الحين والآخر، وتقول مجلة « اللطائف المصورة » إن المندوب السامى البريطانى « اللورد اللنبى » توجه بعد تشييع جثمان السير « لى ستاك » فى جنازة رسمية ، إلى رئاسة مجلس الوزراء فى مظاهرة عسكرية ، يتقدمها 500 جندى بريطانى والتقى بسعد باشا وقدم إليه إنذارا مهينا ينص على ان تقدم الحكومة المصرية الاعتذارات الكافية عن الحادث ، وأن تعمل بلا إبطاء على القبض على المنفذين وإنزال أشد العقوبة بهم دون النظر إلى أعمارهم ، وأن تمنع من الآن فصاعدا أى مظاهرات سياسية وتقمعها بشدة ، وأن تدفع إلى الحكومة البريطانية «غرامة» قدرها 500.000 جنيه مصرى فداء لرأس السردار، وأن تصدر خلال 24 ساعة الأوامر بعودة كافة الضباط المصريين ووحدات الجيش المصرى من السودان ، وأن تعدل مصر من الآن فصاعدا عن أى معارضة لرغبات الحكومة البريطانية فيما يتعلق بحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وكان رد رئيس سعد باشا زغلول دبلوماسيا فقال إنه يقبل بثلاثة شروط فقط هى : الاعتذار، ودفع الغرامة ، والبحث عن الفاعلين لكن الطرف الإنجليزى لم يقبل فقدمت الحكومة المصرية استقالتها وقبلها الملك ، وترأس الوزارة الجديدة أحمد باشا زيور، وحمل فيها إسماعيل صدقى باشا‏ حقيبة وزارة الداخلية التى اعلنت عن مكافأة 10 آلاف جنيه للإرشاد عن أى من المنفذين ، وتم إلقاء القبض على ثمانية أشخاص حكمت عليهم المحكمة بالإعدام شنقا ، وكان اول المشنوقين عبد الحميد عنايت الذى اعتلى آلة الإعدام رابط الجأش مالكا حواسه على رغم حداثته وقال : « انا مايهمنيش حاجة ، قمت بعملى أحسن قيام ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ربى أدخلنى جنة النعيم» ، اما المشنوق شفيق منصور فكان فى منتهى الضعف ولما أدخل غرفة الإعدام أخذ يزعق ويعربد وقال:  ياباشا اعمل معروف عاوز اشوف اختى ، والمشنوق الثالث ابراهيم موسى قال: «إن قلبى مطمئن بالإسلام » وكان رابط الجأش ، وكان المشنوق الرابع على ابراهيم محمد هادئا ثابتا واوصى بأن يتمسك أهله بالدين وان يتبرأوا ممن يخالف دين النبى ثم نطق بالشهادتين.  

اما الخامس فهو راغب حسن الذى  اكثر من الصياح قائلا: انه لم ينظر ابنه وانه مظلوم ، وقال وهو على آلة الإعدام « أنا ذنبى فى رقبة كل من ظلمنى »  ، وجاء بعده محمود راشد الذى كانت الابتسامة لاتفارقة وقال:  « الله يعلم انى برئ» وطلب ان يدفن مع والده، وقال:

«أسألكم السماح ، أسألكم السماح» ، اما السابع  والأخير فهو محمود اسماعيل الذى اعتلى المشنقة ثابتا وقال:

 «أنا قوى وشديد يمكننى اطلع المشنقة إن دمى على رأس الذى ظلمنى ، انا وابنى واهلى فداء لمصر وليسقط الظلم» وكان منظر الراية السوداء مرفوعة على باب سجن الاستئناف اثناء تنفيذ الإعدام فى المحكوم عليهم فى قضية مقتل السردار ، وقد بدئ تنفيذ الإعدام فى الساعة السادسة صباحا وسمحت الحكمدارية آنذاك  لإدارات الصحف لترسل مندوبيها لحضور تنفيذ الأحكام وقد راجت جرائد المساء لتهافت الناس للاطلاع على تفاصيل تنفيذ أحكام الإعدام .
« للطائف المصورة»  - 31 أغسطس 1925