الخروج عن الصمت

هي وأبوها

محمد عبدالواحد
محمد عبدالواحد

بقلم/ محمد عبدالواحد

هي.. (س) أو (ص) من الناس، تقول فى بداية حديثها لى: أردت أن أنقل لك تجربتى وتجربة الآخرين مع ابويهم وطرق الاحتفاء بهما.


فعن نفسى أعرف أبى جيدا لأنه يمثل كل شىء فى حياتى، هو العزوة والسند، والظهر الذى أحتمى فيه، لذلك بكيت بحرقة يوم أن جعلوا له عيدا.


وفجأة وقفت تتمتم بكلمات غير مفهومة وتقول محدثة نفسها: أخيرا افتكروك.

هنا وقفت مذهولا مما فعلته وقلت لنفسى: هل هذا الرجل لم يكن له من الأبناء رجال حتى يتحدثوا عنه؟
فجأة يأتينى صوتها مرة أخرى: من غيرى أم لأبيها؟ من غيرى ينسى الدنيا بين احضانها؟ من غيرى لا تنام إلا إذا اطمأنت عليه وعرفت من حديثه هل هو.

جائع أم شبعان ولم يبق شىء إلا فعلته من اجله حتى غطاؤه أثناء النوم؟


عرفت لماذا تفعل كل ذلك؛ لأنها من تعرف قدر أبيها جيدًا فى حياتها وهو كذلك يعلم أنه لم يفتقد أمه بل مشوار حياته أصبح له معنى يوم أن رزقه الله اياها لانه سبحانه وهبه الصدر الحنون الذى يرمى رأسه من الهموم فوقه.. أما عن غيرى فقد ازعجنى هذا الصخب على صفحات التواصل المصحوب بكمية هائلة من الورود الممزوج بأرق الكلمات وأعذبها فى عشق الآباء.. لذلك قمت بزيارة سريعة لبيت من بيوت الأحباب لأتأكد بنفسى مما فعله الابناء.

فى طريقى إليه تذكرت جدران هذا البيت المملوء بالفرح ودروب الحى الذى تشع أنواره بهجة وعندما طرقت الباب فتح لى الأب ولما رآنى ذرفت عيناه ثم قال: اصيلة مازلت تتذكرين هذا البيت، قلت نعم.. طفولتى ومرحى كانت بينكما فكيف أنساكما؟! ووجدت الأم تجلس فقد أتعبها الزمن ثم أخذت أبحث عن شىء يعطى الأمل فى الحياة لهذا البيت لا شىء. فمصابيحه أغلبها لا يعمل، وجدرانه انهكتها الرطوبة والملوحة، وفرشه أصبح رثًا لم تحاول يد تغييره منذ زمن، هنا اجهشت بالبكاء وقلت: وضعوهما فى زنزانة وليس بيت وكأنهما ينتظران حكم الاعدام. وبعد أن نقلت التجربتين تقول: الأب فى حياتى مدرسة وأعتقد انها تختلف من بيت لاخر وأن جسور الاحتواء والارتقاء أيضا تختلف فكل يحب أباه على طريقته وعلى حسب ما تراه هى وما يراها هو.

جميل أن يأتى التقدير لأب من بيته قبل أن يكتب لعنوان هذا التقدير عيد.


لذلك أرجوكم أن تجعلوا الاحتفاء بهما ليس بالكلمات بل شريان حياة تجرى به الدماء بدلا من تركهما بين حطام بيت ينتظران الموت.