شفيق يا راجل.. الإعجاز العلمى فى الفجالة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

محمد إسماعيل عمر

شارع الفجالة لمن لا يعرف تاريخه، هو نموذج لتطور مصر فكريًا وحضاريًا. والمتابع لتحول الشارع تحولًا تدريجيًا، يجد تطابقاً مثيراً بين مسيرته ومسيرة الوطن العزيز.
فكل محلات هذا الشارع من ثلاثين سنة كانت مكرسة لخدمة الرأس، حيث كانت به كبرى المكتبات الدراسية التى عكفت على تعليمنا لأجيال وأجيال. كما كان به أيضًا بعض الخمارات التى طالما اعتنت برؤوس البعض بطريقة أخرى. إلى أن بدأت المحال فى تحويل نشاطها إلى التواليتات حتى فنيت المكتبات واحترقت البارات.
وفى صباح يوم قريب صحبت عاطف السباك معى فى تاكسى عندما احتاج مستلزمات من الفجالة. تبادل مع السائق عبارتى مجاملة وسيجارتين بينما احتميت أنا بصمت وقور لتفادى الرغى. مع أول ظهور للجبل الأصفر على طريق الأوتوستراد، قال السائق لعاطف بلهجة العالم بالأفيال:
- الجبل ده مليان تعالب!
- الحمد لله انهم تعالب مش ديابة. حكم الديب ده أقوى حيوان فى الدنيا.
- أقوى من الخرتيت يعنى؟
- خرتيت مييييين؟! عارف انت الديب، والقيامة بتقوم هايخاف ويمسك فى الجبل بإيديه وسنانه. والناس تفضل تشد فيه، ياللا ياعم.. وهو حدييد ماحدش هايعرف يطلعه.
هنا لم أستطع كتمان امتعاضى من تزايد الهرتلة فسألته:
- ناس مين اللى هتشد الديب علشان يتحاسب؟ وهو فى حيوان بيتحاسب؟ وفى حد هيشوف أهوال القيامة ويدور عالديب؟
سحب الرجل نفسًا طويلًا من سيجارته المليئة بالنشارة وهو يتفرسنى مبحلقًا بعد أن جهرت بهذا الكفر البواح.
- هو أنا باجيب من عندى ماهو الكلام ده كله مذكور!
- هو إيه ده اللى مذكور يا عاطف؟
- مكتوب أن الديب بعد مايلاقى الناس كلها مش قادرة عليه هايقول ده أنا لو أعرف إنى جامد كده ماكنتش أسيب الأسد يبقى ملك الغابة.
حاولت أمسك أعصابى بالعافية وأنا أسأل
- وده مذكور فين بالظبط؟
- وأنا إيش عرفنى هو أنا باعرف أقرا؟!
تذكرت الذئب فى رائعة محمد عبد البارى فقلت:
ستقول ألسنة الذباب قصيدة.. وسيرتقى ذئب الجبال المنبرَ
أجابونى فى نفس واحد:
«صدق الله العظيم»
انتابنى الذهول مما سمعت فعدلت نظارتى وتقمصت شخصية المدرس وقلت:
- أولًا ده شعر مش قرآن، ثانيًا الديب مذكور فى سورة يوسف وكان الناس بيفتروا عليه وملبسينه قضية ظلم زى ما بتعمل انت كده دلوقتى.
التقط سائق التاكسى طرف الحوار مكملًا:
- الباشا بيتكلم صح على فكرة، سورة يوسف فيها حكاية الديب دى وحكاية الستات أُمّات سكاكين.
عدت لقصيدتى الحبيبة فزدتهم من الشعر بيتًا:
اخلع سوادك فى المدينة نسوة.. قطعن أيديهن عنك تصبرا
كرروا فى خشوع:
«صدق الله العظيم»
أجبتهم بصدق:
حسبى الله ونعم الوكيل
أخيرا وصلت شارع الفجالة، وحقيقى أننى حسدت هذا الشارع على مرونته وتفتحه للتغيرات. 
وعدت أسأل نفسي: «حد شاف شارع تانى فاهمنا كده»!!