كامل الشناوي يرثي أحمد زكي أبو شادي.. حكاية «الشاعر الطبيب»

الكاتب الصحفي كامل الشناوى
الكاتب الصحفي كامل الشناوى

بقلم:  كامل الشناوى

حزنت لوفاة الشاعر الطبيب الدكتور أحمد زكي أبو شادي، مات بغتةً وهو أشد ما يكون حيوية ونشاطًا، وقد ترك بنتين وولدًا، وعددًا كبيرًا من دواوين الشعر باللغة العربية، ومجموعةً من الشعر باللغة الإنجليزية، وبحوثًا كثيرة فى البكتريولوجيا والنحالة.

وقد هاجَرَ أبو شادى إلى أمريكا هو وأسرته فى عام ١٩٤٩ وأقام بها، وأعلن فى ثورة غضب ممَّا لقيه فى مصر، أنه لن يعود إلى بلاده، ولن يكتب حرفًا باللغة العربية، ولكنه لم يكد يقيم فى أمريكا، حتى استأنف نشاطه الأدبى باللغة العربية، فأعَدَّ للطبع ديوانَيْن من الشعر هما: "الإنسان الجديد" و"النيروز الحر"، وكان قد أصدر فى مصر دواوين: "أنداء الفجر"، و"الشفق الباكي"، و"الينبوع"، و"فوق العباب"، و"أطياف الربيع"، و"عودة الراعي"، و"من السماء".

ولم يستطع أبو شادى طيلة إقامته فى أمريكا أن يقطع صلته بمصر، لقد عاش فيها بفكره وقلبه، وكان يحس آلامها ويعبِّر عنها بقصائد نُشِرت فى الصحف، التى تصدر فى أمريكا باللغة العربية، ونقلتها عنها المجلات الأدبية فى مختلف بلاد العرب، وردَّدَتْها محطاتُ الإذاعة. وقُبَيْل قيام الثورة المصرية، أذاع أبو شادى قصيدةً فى إحدى محطات الإذاعة هَزَأ فيها بفساد الحكم، وسخر من طغيان فاروق. ولقد كتب أبو شادى عن سبب هجرته لمصر، فقال:

إن الرجعيين والناقمين بدأوا يعرقلون جهودى، ويسعون لمطاردتى فى عملى الحكومي، وأخذ الناشرون يرضون الرجعيين بالإعراض عن نشر كتبي.

وقبل أن يهاجر أبو شادى إلى أمريكا تُوفيت زوجته، وكانت سيدة إنجليزية فضلى شاركته الحياة منذ عام ١٩٢٢، ثم اصطدم بالمسئولين فى جامعة الإسكندرية، وكان يعمل أستاذًا فيها.

ولقد كانت حياة أبو شادى العلمية والأدبية صراعًا عنيفًا بينه وبين خصومه العديدين، بعض هؤلاء الخصوم كانوا على خلافٍ معه فى الرأى، فحاربوه بأسلحةٍ شريفة، وبعضهم كانوا حاقدين عليه، فاستعملوا ضده أسلحة الدسِّ والكيد والغدر، وحاربوه فى رزقه وسمعته، حتى اضطر أن يبيع مطبعته فى السيدة زينب، وكان يُقِيم فى هذه المطبعة حيث يحرِّر مجلة " أبولو " الشهرية، ومجلة " الإمام " الأسبوعية. وقد أسَّس جمعية أبولو لخدمة الشعر، وأسند رياستها لأحمد شوقي، فلما مات شوقى أسند رياستها لخليل مطران، وكان أبو شادى فى الواقع "دينامو" الجمعية وطاقتها الكبرى، وكان ينظِّم اجتماعاتها، ويتولَّى شئون أعضائها، وأكثرهم احتلوا مكانةً مرموقةً فى الشعر، وأكتفى هنا بذكر أسماء مَن فارقونا إلى العالم الآخر، بعدما تركوا آثارًا فنية باقية وهم: " الدكتور ناجي، على محمود طه، ومحمد الهمشرى، وعبد الحميد الديب ". وقد باع أبو شادى كل ما كان يملكه عن أبيه المحامى محمد أبو شادى، زميل سعد زغلول فى الدراسة والمحاماة ؛ باع كل ما يملك وأنفقه على الكتب، والدواوين والمجلات الأدبية التى أصدرها، وقد دخل أبو شادى عدة معارك أدبية فى وقتٍ واحد، حاربه أنصار القديم ؛ لأنه كان مجدِّدًا، ولم يقف إلى جانبه أنصار الأدب الحديث، فقد كانوا شيعًا مختلفة، وكان يحارب بعضهم بعضًا بسبب انتساب فريق منهم إلى الوفد، وانتساب فريق آخر إلى الحزب الوطنى، وانتساب فريق ثالث إلى حزب الأحرار الدستوريين! وكانت هذه الفرق كلها تناصب أبو شادى العداء، وتحمل عليه حملات شعواء قاسية!

وقد هاجَمَه أحد الكتَّاب فقال: "إن الأطباء يعدُّون أبو شادى شاعرًا، والشعراء يعدُّونه طبيبًا"!

وكان رحمه الله يضيق بهذا الأسلوب فى الهجوم. ولقد عرفت زكى أبو شادى فى عام ١٩٣٢، ودعانى إلى زيارته فى جمعية أبولو، ونشر لى قصيدة فى مجلة أبولو، وقد خالفته فى آرائه، كان يرى أن يتحرَّرَ الشعر من قيود القوافي، وكنتُ أرى أن القافية شيء مقدَّس، كان فاقهًا وكنت جاهلًا، فقد أصبحتُ أميل إلى تحطيم قيود القوافى، وما هو أكثر من القوافي! وقد حملت عليه فى بعض الصحف الأدبية، وداعبته بنظم شعر على طريقته، طريقة القافية الحرة، وكان يلقانى فيعاتبنى بحرارة، وكان يظننى عدوًّا، والواقع أنى ما كرهته، ولا ناصبته العداء، ولقد أدرك حقيقة فهمى له وموقفى منه فى عام ١٩٤٤، وتكرَّرَ لقائى له وتبادلنا الزيارة. ولقد كان أبو شادى صاحب آراء سديدة فى الشعر، ولكنه لم يستطع أن يعبِّر عن هذه الآراء بشعره، فقد كان برغم دعوته إلى التحرر من قيود الشعر، كثيرًا ما ينظم على طريقة القدامى، ويتخذ نفس تعبيراتهم وطريقتهم، كأنما يريد أن ينفى عن نفسه تهمة العجز عن التقعُّر فى اللغة. وكانت موهبته سليمة، ولقد ظلَّ أبو شادى حتى آخِر رمق من حياته يكتب، ويؤلِّف، ويذيع فى صوت أمريكا، إن أبو شادى العالم الأديب الشاعر سيظل شيئًا كثيرًا، وسيبقى طويلًا فى تاريخنا الأدبي.