صنايعية مصر| ورش الصالحية.. تلمع ببريق الفضة

محررة بوابة أخبار اليوم خلال لقائها بعمال ورش الفضة
محررة بوابة أخبار اليوم خلال لقائها بعمال ورش الفضة

◄ نرصد مراحل تصنيع سبائك الفضة إلى حلي مبدعة على يد صنايعية  المعز

◄ أصحاب الورش : نكفي احتياج السوق المحلي.. وقريبًا سنصدر للخارج

◄ صفوت: أعمل بالمهنة منذ 35 عامًا.. و«الهاند ميد» له زبونه من السياح

كتبت:هاجر زين العابدين

حين تطأ قدماك شارع المعز وتقودك لمنطقة الصالحية، ستشعر بأنك انتقلت لعالم آخر عالم تملئه الهمة والنشاط لا تتوقف ايدى العمالة به إلا بإنتاج المشغولات اليدوية المبتكرة من السبائك الخام، وكأنك سقطت في خلية نحل داخل الورش الخاصة بصناعة الفضة هنا فقط تجد الحرفي والصنايعي المبدع لكل الحلي الفضة بكل أشكالها من السبائك الخام، ظننا في البداية أننا سنجد هذه الورش تعم بالبريق واللمعان ولكن مارأينهاه كان عكس ذلك، ولكن عندما رأينا الفضة قبل تصنيعها في يد الصنايعية والحرفيين كانت أشبه بسبائك الألومنيوم.

رصدت «الأخبار المسائي» ورش صناعة الفضة للتعرف علي تلك الصناعة العريقة ومراحلها ومدي الجهد المبذول في قطعة بسيطة من الفضة الخام لتراها تلمع في عينيك عند رؤيتها بشكلها النهائي في أحد ڤاتارينات محال بيع وشراء الفضة في كل الأحياء.

استفسرنا عن أقدم الورش في منطقة  الصالحية المتفرعة من شارع المعز لصناعة الفضة أخبرنا أصحاب المحال أن ورشة صفوت هى أقدم الورش وبالوصول إليها وجدناها بالطابق الثاني من أحد المباني السكنية القديمة، وظننا أنها ورشة واحدة إلا أننا وجدنا خمس ورش تعمل معًا لأخراج  الحلي من سبائك الفضة، فكل منها مختص بجزء معين من الصناعة، هنا بورش الفضة وجدنا الكل منهمك في عمله، ولا وقت للحديث فالوقت هنا من فضة.

.. وبالإفصاح عن هويتنا لعم صفوت  صاحب أقدم ورش الفضة  قابلنا بالترحاب فهو صنايعي ابن صنايعي بات  على مشارف الخمسين من العمر، قال لنا صفوت إسحاق إنه توارث المهنة عن أجداده وأصبحت هي المهنة السائدة لدى أفراد العائلة ويعمل بها منذ أكثر 35عامًا، وهو يعتبرها مهنة الذوق الرفيع فهو يعشق تفاصيل الفضة وتصميماتها، كما أنه استطاع أن يطور المهنة بجلب أحدث الأدوات في صناعتها كماكينات الليزر، وكذلك المعدات المستخدمة في الشغل اليدوي.

ورشه صهر الفضة

ومن داخل أول ورشة لصناعة الفضة والتي تمثل المرحلة الأول للتصنيع.. أشار مينا عطا شاب ثلاثيني وصنايعي يعمل بالمهنة منذ 10سنوات، تتساقط قطرات العرق من فوق جبهته نتيجة لارتفاع الحرارة المنبعثة من الموقد، وجدناه يقوم بضبط أسطوانة الغاز على درجة حرارة معينة وكذلك ضبط ضغط الهواء بها حتي لا يحدث انفجار،  وبعدها وضع قطعة الفضة داخل طبق ثم وجه الموقد لها  لتنصهر تمامًا، ويحمل مينا الطبق بحامل عازل للحرارة لتفادي حرق يديه ويستكمل المرحلة التالية لانصهار الفضة بسكبها في «أباليك» وهو قالب على شكل مستطيل وهناك نوع آخر منه وهو قالب السلك.

وقال «عطا» إنه يترك قطعة الفضة لدقائق حتى تهدأ ويستطيع حملها بالماسك «شيفت» ليضعها في إناء به ماء لتبرد، ويتوجه بعد ذلك لماكينة «الجلخ» ليضبط السبيكة علي السمك المراد موضحًا أن الماكينة التي يعمل عليها بها مستويين فقط وهما «المبطط والسلك»، والسبيكة المستطيلة «المبططة» وهي التي تستخدم في التصميمات، بينما السلك يتم تقطيعه لحلقات مستديرة «مداور» والتي تستخدم في ربط القطع ببعضها البعض، وبعد ذلك تخرج السبيكة إما لورشة الشغل اليدوي أو الليزر.

مرحلة الشغل اليدوي

وتتبعنا مرحلة انتقال السبيكة لورشة الشغل اليدوي، وأشار أبانوب عاطف صنايعى بالورش أنه يستلم السبيكة بنوعيها السلك والمستطيل، فيقوم بتقطيع السلك لحلقات صغيرة مستديرة أو خواتم وأساور، وذلك وفقًا للمطلوب من قبل رئيس الورشة، شارحًا أنه يأخذ التصميم مطبوعا على ورقة ويقوم بلصقها علي السبيكة، مستخدمًا منشار لتفريغ الأجزاء التي بحاجة لها، وقد يستغرق أبسط تصميم من ساعة إلى ثلاث ساعات، فيستطيع خلال يومه أن ينتج ثلاث قطع فقط من الشكل المستدير الذي يحتوي على كلام عربي، وقد يستغرق وقتًا أطول في بعض التصميمات قد تصل لأيام ، فهو يعمل 10ساعات يوميًا.

وانتقلنا لورشة الليزر فوجدنا بها ماكينتين من الماكينات الضخمة تكاد تخفي من يجلس أمامها، وأوضح بشوي ماهر شاب عشريني أنه يستلم التصميم المطبوع على الحاسوب ويلصقة بالسبيكة ويدخلة الماكينة، متحكمًا في سمكه وحجمة وكذلك إخراجه بشكل بارز أم محفور، مشيرًا أن ماكينة الليزر تستغرق وقت أقل في تنفيذ التصميم فتتراوح مدة التصميم من نصف ساعة حتى ثلاث ساعات ليخرج التصميم بدقة وحرفية شديدة.

وهنا توجهنا بسؤال لـ«عم صفوت» الذي كان برفقتنا للورش، عن سبب احتفاظه بالصناعة اليدوية رغم ظهور أجهزة الليزر، وأشار أن لكل صناعه زبائنها فهناك من المصريين  يفضلون صناعة الليزر لأنه أدق وأجود وهناك من يفضل الصناعة اليدوية ومعظمهم  يكونوا من الأجانب، فهم يأتون خصيصًا من أجل شراء المصنوعات اليدوية «الهاند ميد» لأن  لديهم في بلادهم مصنوعات الليزر ولكن يأتون للصالحية لشراء الحلي المصنوع بأيد مصرية  موضحًا أنه يكفي احتياج السوق المحلي، وقريبًا سيضع خطة للتوسع وتصدير الفضة للخارج.

وبسؤاله عن أنواع عيار الفضة؟ أجاب موضحًا أن هناك عيار 600 و800 وعيار925  ويعد الأخير هو الأكثر طلبًا من الزبائن، وذلك لقوته وصموده أمام التغيرات المناخية ونقائه وهو الأجود في الشغل، أما عن الصنايعية المحترفين فقال عم صفوت إنهم باتوا على وشك الإنقراض لسوء الحالة الأقتصادية، فلم يجدوا من يقدر صنع أيديهم، موضحًا أن أجر العامل يتراوح من 500 جنيه لـ1000جنيه في الأسبوع، بعدد ساعات تتراوح من 10 إلى 12 ساعة في اليوم.

وباستكمال جولتنا وجهنا سؤالا لصاحب أقدم ورش صناعة الفضة عن سبب خسارة المواطن عند بيعه لأي حلي  للفضة رغم أنه يشتريها بسعر مرتفع؟ وأوضح ببسمة تعلو جبهته أن سعر جرام الفضة في الأساس رخيص وقد يصل لـ10جنيهات ولكن إنتاجها وتشكيلها يتطلب جهد كبير ويجعلها تمر علي أكثر من عامل لتشكيلها مما يتطلب عند بيعها مصنعية كبيرة، وفي حالة بيعها من الزبون للمحال يحاسبة صاحب المحال على سعر الجرام الأساسي.

ضبط المقاسات

واستكملنا جولتنا داخل ورش الفضة واصطحبنا عم صفوت للمرحلة الثانية التي تمر بها  الصنعة وهي مرحلة التظبيط والتعديل فوجدنا منضدة مستطيلة يجلس حولها أربعة عمال، وفيها يتم تعديل المقاسات المرتجعة من أصحاب المحال أو جعل الخاتم أضيق درجة أو اثنين، وكذلك اللحام النهائي.

وأوضح لنا صبري كرم صنايعى بالورشة وهو يطرق على أحد المصنوعات الفضية أنه يعمل منذ 8 أعوام بالصنعة، ويختص بضبط المقاس المطلوب، ويبدأ أولاً بقص الحلي «الخاتم أو الأسورة» ويضعه على «القياسة» وهي عبارة عن أنبوبة تتخذ شكل مخروط من الأضيق للأوسع، فيضع الخاتم بها ليضيقة عند المقاس المطلوب، ثم يقوم بلحامه باستخدام النار، واضعًا الخاتم بعد ذلك على قطعة خشبية «اللسان» ويطرق على الجزء الذي تم لحامه بالمطرقة «الشاكوش».

وأشار إلى أن «القياسة» بها مقاسات لكل الأعمار، فالأطفال تتراوح مقاسات إصابعهم من «9:1» والشباب من «15: 20» وهناك مقاسات مختلفة بعد ذلك حتى 36 درجة، ملمحًا أن المرحلة التالية لضبط المقاسات هي  استخدام الصنفرة ثم المبرد وأخيرًا المطرقة.

اللحام بالليزر

وأشار بولا صومائيل أحد العاملين أن هنا ورشة اللحام بالليزر، فاقتربنا منه ليخبرنا عن مهامه، فيوضح أنه يجلس على ماكينة اللحام بالليزر، وتسائلنا ما الفرق بين اللحام بالليزر وبين اللحام بالنار، أشار أن لحام الليزر أدق بكثير من النار العادية، ويستخدم في حالة الفضة الملونة والتي تحتوي على أحجار كريمة قد تتأثر بشكل سئ من النار لذا يفضل لحامها بالليزر.

ومرورًا بآخر مرحلة للتصنيع وهي تلميع الفضة وإزالة الشوائب بها، فوجدنا اثنين من العاملين يجلسون على مكن يصدر صوت خفيف يتغلبون عليه بسماع بعض كلمات الأغاني المنبعثة من هاتف أحدهم.

وقال ميشيل حلمي ذو الـ30عامًا أنه يعمل في المهنة منذ 12عامًا واعتمد عليها كمصدر رئيسي لدخله فهو يجلس على هذه الماكينة لمدة 12ساعة متواصلة يوميًا، شارحًا أنه يستخدم خمسة أنواع من الفرش «للتطويق، الجلي، صنفرة، تلميع» موضحًا أن الجلي تقوم بإزالة خشونة الصنفرة، ويوجد منها نوعين فرشاه قطيفة وأخرى ذات شعيرات.

وبعد انتهائه من تلميع القطعة، يضعها في غسالة صغيرة لغسلها من أي شحوم، وبعد ذلك يتم وضعها في غسالة أخرى للتنظيف الكلي والتلميع وفيها يتم وضع الفضة مع مسحوق للتنظيق وسط «بلي هزاز» ليصدر عن احتكاكه بالفضة لامعة لا تقاوم.

«شفيعة» تحول التراث المصري لمشغولات من الفضة