حكايات| «مستودع بيع الكلى».. قرية كل سكانها يعيشون بـ«كلية واحدة»

تجارة الأعضاء البشرية في نيبال
تجارة الأعضاء البشرية في نيبال

عندما يطرق الفقر الباب، يهرب العقل من الشباك، ولأن الفقر أبا الجرائم فإن الجهل أمها، وما أن تشتعل شرارة الفقر على أعتاب مدينة، إلا وتحرق نارها الأخضر واليابس لتخلف خلفها رماد اليأس والحسرة، وفي قرية هوكسي بمقاطعة كافريبالانتشوك في نيبال جنوب آسيا، كان الفقر والجهل يحوطان القرية دون أقفال أو أسوار، لتنال بمنتهى الجدارة لقب «مستودع بيع الكلى» لأن الأغلبية المطلقة لسكانها يعيشون بكلية واحدة بعد بيعهم للثانية بسبب الفقر، في ظل رواج تجارة الأعضاء البشرية في تلك المنطقة.

 

ولأنه ليس من شيء في العالم كله أخطر من الجهل الصادق، والغباء حي الضمير، استغلت عصابات الاتجار في البشر الجهل والفقر الذي تغرق فيه قرية هوكسي، وأوهموا سكان القرية بأن الكلية المنزوعة ستنمو مرة أخرى بعد عدد من السنوات، كما أن رؤية الآخرين الذين مروا بنفس التجربة يعيشون بكلية واحدة، سهل على مثل تلك العصابات إقناع المزيد من الأشخاص على بيع قطع من أجسادهم مقابل أموال ضئيلة، حيث يستغل التجار فقر وسذاجة القرويين لشراء كليتهم مقابل 200 ألف روبية نيبالية أي ما يعادل ألفين دولار.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، ومنظمة النزاهة الدولية، فإن ما يقرب من 7 آلاف كلية يتم بيعها سنويا في نيبال لوحدها، ويتم إجراء عملية زراعة كلى كل ساعة تقريبا، فيما تدر هذه التجارة أكثر من مليار دولار سنويا.

اقرأ أيضا| حكايات| الفيلم الذي قتل نجومه.. اللعنة في سيناريو

الفقر وبيع الكلى

د. محمد نعيم الكاتب والمحلل السياسي، قال في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة الهندية نيودلهي، إن سكان قرية هوسكي بجنوب نيبال يعيشون في فقر مدقع وليس لديهم مصادر للرزق، لافتا إلى أن الزلزال والفيضان الذي اجتاح القرية وخلف ورائه 8800 قتيل، و23 ألفا جريح على الأقل، علاوة على مئات الآلاف من المشردين، كان سببا رئيسيا في زيادة فقرهم ومعاناتهم، مبينا أنه دمر بيوتهم وأتلف زراعتهم ما أصابهم حالة من اليأس مؤلمة جدا، كما أنه عندما حل موسم الشتاء لم يجدوا ما يحميهم من صقيع الطقس.

 

وأوضح نعيم، أنهم حين لم يجدوا معين لهم، جنحوا إلى بيع كليتهم في ظل زيادة ورواج بيع الأعضاء البشرية في تلك الفترة، ووسط تشجيع المجرمون القائمون على مثل تلك العمليات سواء في نيبال أو خارجها، ورواج مثل تلك العمليات غير القانونية، وحين سلطت الصحف والقنوات التلفزيونية الضوء على هذه الظاهرة، تحركت السلطات الهندية للحد من تلك الجرائم التي تشهدها القرية، وقامت بدورها بإلقاء القبض على الضالعين في تلك الجرائم وقامت بمعاقبتهم بأحكام رادعة.

اقرأ أيضا|  حكايات| «الحطيب».. قرية تعانق «السحاب» أهلها نزحوا للسماء

الفيضان والفقر

وأرجع نعيم، أسباب اتجاه سكان القرية إلى الاستغناء عن إحدى كليتهم مقابل بعض المال الزهيد، إلى أنهم يعيشون في فقر دون دعم أو مساندة من الحكومة، بخلاف أن الفيضان أتلف كل ما يملكون فلم يجدوا أي أسباب للزرق ومكافحة ما يعانون من مستوى معيشي صعب.

وأشار نعيم، إلى أنه كان هناك عناصر ضالعة من القرية نفسها وكذلك بعض أنصار المستشفيات في المناطق المختلفة في الهند، الذين يرغبون في مثل هذه الأعمال غير القانونية والبشعة، بخلاف بعض العصابات التي تقف خلف هذه العمليات، وأنهم هم من قاموا باستقطاب السكان لـ«بيع الكلى»

 

عصابات لبيع الكلى

واتفق د. وائل عواد خبير الشؤون الآسيوية، مع د. محمد نعيم، وقال في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة الهندية نيودلهي، إن هذه الجرائم تحدث منذ فترة طويلة في قرية هوسكي، وأنه كان ورائها عصابات تقوم ببيع الكلى بعمليات غير شرعية، لافتا إلى أن هذه الجريمة المنظمة كان يقودها أحد الأطباء في نيبال الذي افتتح مستشفى هناك، وبدأ في التجارة في الأعضاء البشرية وبيع الكلى للأغنياء، ولكن السلطات ألقت القبض عليه.

 

وأوضح أن هذه الشبكة كانت منظمة بشكل كبير، حيث نجحت في إجراء العديد من هذه العمليات غير الشرعية، لذلك هذه القرى هي كبقية معظم القرى والأحياء الفقيرة في الهند، ضحية للمغريات المادية التي تعرض على الطبقات الفقيرة لبيع إحدى كليتيهم والمتاجرة بها، مبينا أنه أجريت العديد من التحقيقات في هذا الإطار، والشرطة تقوم بمطاردة كل من له علاقة في هذه العملية غير الشرعية لتضعهم في السجون.

اقرأ أيضا| حكايات| قصة حقيقية.. فضائيون هبطوا الأرض لممارسة الجنس 

الهجرة.. سوق سوداء

أما عن دور الأوساط الطبية، والدور الذي يقع على عاتق منظمة الصحة العالمية لمكافحة التجارة في الأعضاء البشرية، قال د. فؤاد عودة، رئيس الرابطة الأوروبية الشرق أوسطية، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة الإيطالية روما، إنهم يكافحون مثل تلك الجرائم منذ سنوات، خاصة في إطار الهجرة غير الشرعية والأطفال أقل من 18 عاما، لأن في أوروبا كل عام هناك 20 ألف مهاجر غير شرعي يختفون ضمن عمليات الاتجار بالبشر، لذلك نحن ضد السوق السوداء لبيع الأعضاء البشرية، مشددا على ضرورة أن تقوم منظمة الصحة العالمية بمكافحة مثل تلك الجرائم، لأن السوق السوداء تباع فيها الكلى دون عمل دقيق لتشخيص المريض المتبرع بالكلى، بخلاف أن المريض المستقبل للكلى حين يتم زراعتها بجسده يصبح لديه العديد من المشاكل الصحية لأن جسمه قد لا يتقبل الكلى أو أن الكلى نفسها بها مرض غير مكشوف أو لديه نقص دم أو سرطانات.

 

ولفت رئيس الرابطة الأوروبية الشرق أوسطية، إلى أن السوق السوداء تعد جريمة خطيرة أولا لأنها غير شرعية، ثانيا لأنه يضع خطورة كبيرة على حياة الشخص الذي يًزرع به الكلى، لذلك نحن ضد هذه السوق وكل مثل تلك الجرائم، مبينا أن بداية القضاء على ذلك هو مكافحة الهجرة غير الشرعية لأنها تمثل أحد العناصر الأساسية للسوق الأسود في بيع الكلى والأعضاء البشرية.

أرقام وحقائق

ووفقًا للتقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015، فإن هناك أكثر من 10 آلاف عملية بيع وشراء للأعضاء البشرية بالسوق السوداء سنويا، وما بين 5 إلى 10% من جميع عمليات زراعة الكلى على مستوى العالم تتم عبر عمليات الاتجار والتهريب عبر الحدود، وتحقق أرباحًا سنوية تتراوح بين 600 مليون دولار و 1.2 مليار دولار، في حين ترفعها تقديرات أخرى إلى 8 مليارات دولار سنويا.

اقرأ أيضا| حكايات| أقبح قصة حب سجلها التاريخ.. وفاءً لحبيبته عاشر جثتها 7 سنوات