حديث الأسبوع

القلق من الدواء بعد الخوف من الداء

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

أضحى واضحا اليوم أن خوف وقلق الشعوب فى مختلف أرجاء العالم لم يعد يقتصر على الوباء فقط، بل انتقل إلى التحوط والشك فى الدواء، وبذلك فإن المجتمع الدولى يواجه تحديات كثيرة تتعلق بالداء والدواء على حد سواء. فكثير من الناس لم تحسم قرارها النهائى فيما يتعلق بالتطعيم ضد الفيروس الفتاك الذى كلف المجتمع الدولى غاليا لحد الآن، بل أعداد لا بأس بها من الأفراد والجماعات قد تكون قررت عدم تلقى أى لقاح خوفا من أن يكون الدواء أكثر فتكا من الداء نفسه. ولا يجد البعض أى حرج فى الدفع بنظرية المؤامرة التى ترتكز على الاقتناع بأن الفيروس من صناعة البشر فى إطار حسابات سياسية واقتصادية معينة، تندرج فى سياق الحرب الباردة التى تدور رحاها بين القوى السياسية والاقتصادية العالمية.
فى هذا الصدد كشفت دراسة دولية حديثة أنجزتها ( الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة Royal Society open Science  شملت خمس دول، وهى: المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وإيرلندا والمكسيك وإسبانيا، ما سمته « رابطا واضحا « بين المعلومات المضللة حول فيروس كورونا و»التردد فى شأن أى لقاح قد يتوفر لاحقا»، ويرى معدو الدراسة فى ضوء ذلك أن تطوير هذا اللقاح « قد لايكفى لإنهاء الجائحة، إذ قد تمنع الشعبوية المتزايدة لنظريات المؤامرة الناس من تلقى الجرعات « وفى هذا الصدد ألح باحثون يعملون فى جامعة (كامبريدج) على الحكومات والشركات التكنولوجية لـ « اتخاذ الإجراءات اللازمة فى مواجهة نظريات المؤامرة كى يؤدى نشر الجرعات إلى القضاء بنجاح على المرض فى نهاية المطاف «. وبينت الدراسة أن مجرد زيادة صغيرة فى مدى الثقة التى تحوزها نظريات المؤامرة فى إدراك الناس، ستساوى تراجعًا أكبر بما لا يقاس فى العزم على تلقى العلاج «.
وتؤكد الدراسة أن: « نظرية المؤامرة التى تعتبر الأكثر صحة فى نظر الناس فى كل من البلدان الخمسة، تتمثل فى الزعم المغلوط بأن كوفيد 19 صنع فى مختبر بمدينة ووهان الصينية، وقد صنفت تلك النظرية باعتبارها موثوقة من قبل ما يتراوح بين 22 و23 بالمائة ممن أجابوا عن أسئلة الدراسة فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية «، فى حين ارتفعت النسبة إلى 26 بالمائة فى إيرلندا، وقفزت فى المكسيك وإسبانيا إلى 33 و37 بالمائة على التوالى. وتفيد الدراسة بأن ما صنفته (زعما) يروج له معادون للتلقيح ومفاده أن الجائحة ( جزء من مؤامرة لفرض تلقيح عالمى بالموثوقية فى نظر 22 بالمائة من سكان المكسيك، و18 بالمائة فى إيرلندا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية و13 بالمائة فى بريطانيا).
ومن جهته أكد رئيس (مختبر اتخاذ القرارات الاجتماعية فى كامبريدج) الدكتور «ساندر فان در ليندن» فى هذا الشأن أن « شرائح مهمة من الرأى العام تثق باستمرار فى بعض مزاعم المعلومات المضللة، ونجد رابطا واضحا بين الاعتقاد بنظريات المؤامرة المحيطة بفيروس كورونا والتردد إزاء أى لقاح قد يتوافر لاحقا «.
والأكيد أن نظرية المؤامرة لا تقتصر على شعوب هذه الأقطار بل تنتشر فى جغرافيا العالم بصفة عامة، ولا يمكن الإنكار فى القول بأن صفة المباغتة التى ميزت ظهور هذه الجائحة، وبصفة مفاجئة استفاق العالم على وباء خطير جدا دون أن تتضح لحد الآن تفسيرات ما يمكن أن نسميه بـ (جائحة الفجأة) والسرعة المذهلة فى الانتشار والخطورة البالغة التى اكتساها، وعجز العلماء على تقديم أجوبة علمية دقيقة ومقنعة، حيث تباينت آراء ومواقف العلماء والباحثين، وسادت حالة (اللايقين ) لفترة تجاوزت السنة لحد الآن، وأيضا لانعدام تفسير لظهور الوباء فى مدينة معينة، لكنه فجأة اختفى منها دون الحاجة إلى لقاح ليعيث دمارا وتخريبا فى باقى مناطق العالم، هذه كلها أسباب واعتبارات عمقت نزعة الشكوك لدى جزء كبير وعريض من شعوب العالم حول حقيقة وطبيعة ما يجرى، ومثل تربة صالحة لاستنبات نظرية المؤامرة التى أضحت تشغل اهتمامات وانشغالات الساسة والحاكمين فى العالم، لأنه فى غياب حالة الثقة فى الدواء يستحيل القضاء على الداء، ولعل هذه من الإشكاليات المستعصية التى ستواجه الحرب الطبية ضد الوباء، والتى تبدو اليوم بموقع متخلف فى الإعداد للتطعيم ضد الفيروس اللعين، بينما تتركز الجهود حول الترتيبات المتعلقة بالتصنيع والتسويق والنقل والتعميم.