تساؤلات

تعظيم سلام

أحمد عباس
أحمد عباس

.. ثم إنه وفى عصور سحيقة مضت، كانت الحرب اذا حمت وحانت وأُذن لها، وبعد دق الطبول وإطلاق النفير، يتواجه الجيشان، ليخرج قائدا الجيشين ويقفا وجهًا لوجه، مرتديين خوذتين حديديتين تغطيان الوجه بالكامل، فى الأغلب هما من الفرسان الشداد، ثم لا تبدأ الحرب أبدًا حتى يظهر كلاهما للآخر على صهوة جواده، فى منطقة وسطى بين الجيشين فى ساحة المعركة، ويرفعان لبعضهما بطرف الإصبع الأوسط ذلك الجزء الذى يستر العين فقط فى الخوذة، ليعرف كل منهما من سيواجه. كانت المسألة تتعلق بسمو منزلة المواجهة، وجرأة الفارس، وشرف الخصومة، ولا يفعلها إلا السادة فقط من القوم، أما البقية فهم توابع، إما مأجور، أو تافه، أو تابع، أو منتفع، أو مُغمى، هم وقود حروب ليس إلا.. وهكذا وصل إلينا تعظيم السلام.
ولا تقوم الحروب من فرسان على أقوام ضعاف، أو ملثمين أبدًا، هؤلاء لا يستأهلون وصفها بالحرب. أما الأنذال فلا مكان لهم فى أي نزال شريف، ولا غيره. فلا تواجه نذلا، ولا تحارب خسيسًا، ولا تأتمنهما، وهذه صفات مغروسة فى أصل العرق ذاته، والعرق لا يتغير أبدًا، مهما بدا راسخًا، صدقنى الخسة فى أصله كاملة، لا ينقصها ناقص.
إذا كنت قويًا كفاية فلنواجه بعضنا بشرف، وإذا لم تجرؤ فلا تطعننى من الخلف.. دعنا نتفق على ذلك. فقط كُن خصما شريفا، ويُعرف الفارس من شهامته، والشهامة يلزمها حكمة، والحكمة يتوجب لها قوة، والفارس يفهم ذلك كله، ويعرف بالتمام قدره، لذلك لا تخض معارك أكبر منك فيبدو عجزك، ولا أقل فتنقص هيبتك.
وللنذل صفات معروف بها، لا تنقص أبدًا، منها مثلًا، أنه يعرف بالضبط كيف يمتدح شخصك، وذاتك، وأفعالك، وأقوالك، حتى تصدق، ثم يُجهز عليك بطعنة غادرة، وهذه أبشع صور الخسة، أو أنه مثلًا يفهم كيف يتزلف، ويضلل، ويكذب، ويشيع عنك فى ظهرك ما لا يستطيع قوله فى مواجهتك، تمامًا مثل هؤلاء الملثمين، فلا تأتمنه، اسمعني.. فهؤلاء الأنذال خبثاء جدا، جدا، وأنا لا أرتعد إلا منهم.
فقط كُن رشيدًا فى استخدام قوتك، وأمينًا فى نصيحتك، وحصيفًا فى حكمتك، ولا تدعو لحرب أنت أقل منها، ولا تفر من معركة وضعت نفسك بها، ولا تُكن نذلًا أو خسيسا، وتعظيم سلام لكل مُحارب يدرك شيئًا عن شرف الحروب.