شىء من الأمل

لسنا مجتمع فيرمونت

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

بسبب شُح المعلومات الصحيحة والسليمة يتمادى البعض فى إطلاق المعلومات المغلوطة، والأخطر فى ترويج الاستنتاجات الخاطئة.. وقضية الاغتصاب الجماعى التى عرفت باسم قضية فيرمونت ينطبق عليها ذلك للأسف !.. فرغم صدور بيان من النائب العام حولها إلا أن جانب الإثارة الذى توافر فيها دفع البعض للأسف الشديد، فى ظل عدم توافر كل المعلومات الصحيحة الخاصة بها، إلى إطلاق استنتاجات خاطئة، بدأت باتهام أبناء كل رجال الاعمال الأغنياء بالفساد الأخلاقى، ووصلت إلى درجة اتهام مجتمعنا كله بأنه غارق فى الفساد الاخلاقى، وضياع القيم الأخلاقية فيه، حيث يتورط أبناء الأغنياء فى ارتكاب جرائم الاغتصاب الجماعى فى الفنادق الفاخرة، بينما يمارس أبناء الفقراء زنا المحارم فى البيوت المكتظة بهم !.. وهكذا قاموا بتعميم جريمة حدثت فى أحد الفنادق على المجتمع المصرى كله، وكأن مجتمعنا صار غارقا فى هذا الفساد الأخلاقى ولا يشغل أبناءه سوى الجنس الحرام الممزوج بالعنف والشذوذ فقط !
وبالقطع هذا ظلم بيّن لمجتمعنا الذى يتسع اليوم لأكثر من مائة مليون مواطن أغلبهم شباب.. ومعظم هؤلاء الشباب مشغولون إما بمصارعة ظروف اقتصادية صعبة لكى يضمنوا مستوى معيشيا مقبولا لهم ولأسرهم ولكى يستمروا فى التعليم الجامعى الذى رغم أنه مجانى إلا أن تكاليفه تفوق قدراتهم ، أو أنهم مهمومون بتحقيق ذواتهم فى ابتكارات علمية وتكنولوجية ينافسون بها أقرانهم فى العالم كله، ويحرزون نجاحات لافتة للانتباه فى هذا المضمار، أو أنهم منخرطون فى عملية تنوير للمجتمع ونشر القيم الإيجابية فيه، قيم الحق والخير والجمال والمواطنة والمساواة، لينجو مجتمعنا من التطرّف الدينى والتعصب بمختلف أنواعه الذى يهدده بعنف بغيض وإرهاب بشع
لكننا لا نرى هؤلاء الشباب الذين يمثلون الأغلبية الساحقة فى مجتمعنا، ولا يقتصرون فقط على ابن بائع فريسكا أو ابنة بواب لعمارة تفوقا فى الثانوية العامة.. والسبب أنهم لا ينالون ما يستحقون من الاهتمام المجتمعى منا، خاصة الاهتمام الإعلامى والصحفى بهم الذى يسلط الضوء عليهم ويقدم للناس النماذج المكافحة والناجحة منهم، وهى كثيرة وتدعو للفخر، وفى العديد من المجالات.
أما تلك الحفنة من الشباب المتهمين فى قضية فيرمونت فإن عددهم لا يذكر إذا ما تمت مقارنتهم بأعداد شبابنا الناجح والمكافح والمستقيم والملتزم بالأخلاق والقيم الإيجابية.. ومجتمعنا لا ينفرد وحده بمثل هذه الجرائم المنسوبة لشباب قضية الفيرمونت والتى مازالت محل تحقيق النيابة حتى الآن.. كل المجتمعات تشهد فسادا أخلاقيا وانحرافات اجتماعية، حتى تلك التى تسمح بالحرية الجنسية وأيضاً التى تقر وتعترف قانونا بالشذوذ الجنسى.. فليس مجتمعنا بدعة فى هذا الصدد.. ولذلك لا يصح تعميم تلك الاتهامات على المجتمع كله وعلى شبابه كلهم.. ولا يستقيم أن ندين مجتمعنا بهذا الاتهام البشع، وهو اتهام الفساد الأخلاقى.
وإذا كنّا حريصين على سمعة مجتمعنا الأخلاقية فإن ذلك لا يتحقق بالتشهير الظالم به، وإنما يتحقق بالإفصاح الكامل عن جرائم الفساد الاخلاقى وتوفير المعلومات الصحيحة والسليمة عن كل قضية فساد أخلاقى دوما دون تأخير لقطع الطريق على مروجى الشائعات وهواة الاستنتاجات، والاهتمام ألمجتمعى بالنماذج الناجحة والمكافحة من شبابنا فى مختلف المجالات والبحث عنها واكتشافها وتقديم الدعم اللازم لها، وقبل ذلك كله المضى قدما فى تحقيق الإصلاح الاجتماعى الذى يعلى قيمة العمل وأهميته فى المجتمع، وينبذ الكسب السهل السريع الذى يشجع من يمارسونه وأبناءهم على السلوك غير القويم، فضلا عن أنه يتناقض مع العدالة الاجتماعية التى نسعى لتحقيقها.