يوميات الأخبار

المتحرشون

ميرفت شعيب
ميرفت شعيب

(الرجولة ليست فى التحرش بالنساء إنما هى الشهامة والمروءة والاحساس بالمسئولية ، وعقوبة المتحرشين هى التجريس حتى يلازمهم العار طيلة حياتهم ليذكروا الحديث الشريف رفقا بالقوارير).

منذ حوالى عشر سنوات أو أكثر قليلا صدم المجتمع بحادث التحرش الجماعى فى إحدى دور السينما، وقتها تسابق الجميع ليبحث عن تعريف للظاهرة المخزية التى لم يعرفها مجتمعنا من قبل، وهاج الرأى العام مطالبا بمحاكمة الشباب المدان..بعدها بقليل تكرر الحادث فى المهندسين، عندما صرخ أحد الشباب مشيرا لفتاتين وقال (وليمة) وهى كلمة تلخص وجهة نظر المتحرشين بالبنات سيئات الحظ اللاتى تصادف وجودهن فى طريق شباب أهوج ميت الضمير..وبعيدا عن التحرش الجماعى يظل نموذج المتحرش الذى يندرج تحته كافة فئات المجتمع من مراهقين إلى متزوجين ولديهم أطفال  يرد على القائلين أن عذر المتحرش أنه لا يستطيع الزواج فلا يستطيع مقاومة غرائزه، ولو حاول علماء الاجتماع وعلماء النفس أن يجدوا دوافع وتفسيرات لهذه الظاهرة سيجدون انها النظرة الدونية للمرأة وضعف الوازع الاخلاقى والدينى وأخلاق القطيع التى تجعل الشبان يقلدون بعضهم حيث يكون التحرش جزءا من الطقوس الاحتفالية بالعيد، ولم يحد من هذه الظاهرة الا انتشار رجال الشرطة فى شوارع وسط البلد وأماكن التجمعات لينشروا الأمان للفتيات، ولو أنى لا أجد سببا مقنعا لتردد الفتيات على دور السينما فى الاعياد خاصة إن لم يكن بصحبة أخواتهن، وعندما يقع المحظور وتتحول الفتاة إلى وليمة للذئاب فيكون من الصعب تحديد المتهمين فيمر الحادث بدون عقاب للجناة وبالتأكيد لا تستطيع الفتاة ان تحكى لعائلتها ما مرت به من تجربة قاسية لأنها ستتعرض إلى لوم شديد من أهلها ومن المجتمع الذى يضع الخطأ على رأس الفتاة وعلى ملابسها. وهنا نتساءل هل الشباب فقد العقل ليمد يده إلى ماحرم الله من أجساد النساء؟ هذا ليس دفاعا عن الملابس اللافتة او المفتوحة وإنما هى دعوة لعودة مجتمع السبعينيات حيث كانت الفتيات يرتدين المينى جيب دون أن يتعرضن لكلمة نابية ويسرن فى الشوارع فى حماية أبناء المنطقة المستعدين لردع من تسول له نفسه معاكسة أى فتاة، وأعتقد أن التحرش يرتبط بفرصة تواجد الفتاة فى مكان متطرف أو فى مكان شديد الازدحام كالمواصلات العامة وشوارع وسط البلد فى الاعياد.
لا تظنوا أن بلاغات التحرش والاغتصاب والعنف ضد المرأة تمثل نسبة حقيقية لما تتعرض له الفتيات والنساء فى بلادنا وفى العالم، بل هى قمة جبل الجليد الذى لا يمكن التنبؤ بحجمه الحقيقى، فالضحايا لا يجدن الآذان الصاغية والتفهم للمعاناة التى مرت بهن فى تجربة بالغة القسوة وغالبا ما تترك آثارها السلبية على نفسية الفتاة ومستقبلها.. وغالبا ما تكتم معاناتها عن أقرب الناس اليها وتتحول إلى الانغلاق على نفسها وتصاب بالاكتئاب والخوف من الآخرين.. وكلما ظهرت على السطح قضايا جديدة تضاف لظاهرة التحرش تصاعد الجدل الذى يشير بأصابع الاتهام إلى المجنى عليها باعتبارها مسئولة عن إغواء الجانى الذى طمع فيها لأن ملابسها أثارت غرائزه الحيوانية التى لا يستطيع التحكم فيها ! رغم ان المحجبات والمنتقبات لم يسلمن من الايذاء الجسدى والمعنوى حتى طفلة البامبرز اثارت شهوة احد الشباب ولم يرحم طفولتها البريئة، لكن للأسف القضايا الشهيرة إعلاميا تتعرض للنسيان حتى تحدث حادثة جديدة فنعود للجدل وللمطالبة بتشديد العقوبة على مرتكبيها، رغم أن تشديد العقوبة لا يمنع تكرار نفس الظاهرة فالمفروض أن يضاف اليها عقوبة التجريس والفضيحة ليظل المتحرش موصوما بالعار لأن التحرش مرتبط بضعف الوازع الدينى والاخلاقى فى الاسر التى تربى فيها المتحرش وفى مجتمع يعتبر المرأة مواطنا من الدرجة الثانية حتى أن بعض الشباب يرونها مستباحة ولو عن طريق المزاح والتسلية الحقيرة على حساب فتيات أوقعهن الحظ السييء فى طريق أوغاد معدومى الضمير.
>>>
بالنسبة للحادث الاخير فهو مليء بالمفاجآت من العيار الثقيل فالشاب المتهم خريج الجامعة الامريكية والمدارس الدولية وينتمى لطبقة عليا والمفروض أنه نال حظا من التعليم الراقى والثقافة التى تمنعه من الانحدار للمستنقع اللاأخلاقى ورغم أن سوء اخلاقه وسمعته معروفة فى الاوساط المحيطة به لكن لم يستطع احد أن يردعه ولم تجرؤ أى فتاة من ضحاياه على الابلاغ عنه سواء فى وقائع التحرش أو الاغتصاب على مدار السنوات الخمس الماضية لأن ضحاياه شعرن بالخجل وخفن من لوم العائلة ونظرة المجتمع الظالمة. وخوف الضحية من الابلاغ عن الجريمة شجع الجانى على التمادى فى شره واستخدم ذكائه فى التقرب للضحايا بطريقة مختلفة فى كل مرة ولم يقتصر على الفتيات بل كانت منهن طفلة وشاب اغتصب تحت تهديد السلاح وعلى مدار السنوات الماضية هتك عرض واغتصب حوالى خمسين فتاة تشجعن على تقديم البلاغات بعد أن بدأت الاولى وهي أكثرهن شجاعة، كما شجعهن بيان النائب العام الذى يجب ان نحييه على موقفه الداعم للضحايا الذى قطع الطريق على من ادعوا أن انتماء الجانى لطبقة المفروض أنها راقية سوف ينجيه من العقاب. كما استخدم الجانى وسائل الاتصال الحديثة للايقاع بضحاياه والتعرف عليهن ثم تهديدهن وابتزازهن ولهذا يجب على الفتيات ان يتنبهن للاصدقاء على الفيس بوك لأنه وسيلة للايقاع بهن ويجب على الاهل مصادقة الاولاد والفتيات لحمايتهن من الوقوع فى شرك الشباب المنحل اخلاقيا، والمتابع للوسائل التى استخدمها المتهم للتقرب من ضحاياه يدرك انه شديد الذكاء لهذا فليس من المنطقى الادعاء بأن المتهم مريض نفسيا، ولكن أين كان أبواه على مدار السنوات الماضية ألم يلاحظا انحراف سلوكه ؟ من الواضح أن أهالى الفتيات أيضا كانوا بعيدين فالفتاة التى مرت بتجربة التحرش او الاغتصاب خشيت أن تحكى لأمها حتى لا تلومها او تغضب منها، ولو احتفظت الأم بعلاقة صداقة مع ابنتها وفتحت لها قلبها لما أخفت الفتاة ما تعرضت له على يد شاب منحرف وله دوافع سادية فيستمتع بإيذاء الغير، وكلما نجا من العقاب راق له ان يختار ضحية أخرى. والغريب ان سلوكه الممنهج لم يلفت أنظار والديه واستمر فى اصطياد ضحاياه لمدة خمس سنوات وبلغ مجموع البلاغات التى قدمت ضده خمسين بلاغا بمعنى انه كان يسقط عشر ضحايا فى شباكه كل عام هذا لو افترضنا ان جميعهن أبلغن ضده ولم يمنع الخجل نسبة من الفتيات، والغريب انه اغتصب شابا فى منزله تحت تهديد السلاح فهو يمارس الشذوذ ايضا ويسعد كلما أوقع ضحية جديدة.
>>>
لم يكتف المتهم بالتحرش اللفظى والفعلى وانما وصل إلى الاغتصاب وهى الجريمة التى تدمر مستقبل أى فتاة او سيدة. فعلها بضمير ميت وإحساس لا يعرف الندم، وأكاد أجزم أن المتهم كان سعيدا فى كل مرة يحقق فيها انتصارا رخيصا بخداعه لضحاياه.. تحية للفتاة الشجاعة التى بدأت بتقديم البلاغ الاول للنائب العام ولم تخش من الهالة التى رسمها البعض للمتهم وأهله وتحية لكل فتاة شجاعة تقدمت بعدها ببلاغات ضده وتحية للنائب العام الذى وعد بسرية التحقيقات حتى تظل اسماء المبلغات بعيدة عن النشر، وأضم صوتى لصوت من يطالب بوجود سيدات فى مكاتب التحقيق حتى لا تجد الفتيات حرجا فى سرد ما وقع لهن فى هذه القضية الغريبة على العرف والمنطق وليست بعيدة عن التقاليد والعادات فقط، وأظن أن نشر تفاصيل التحقيقات سيكون درسا للطرفين للفتيات حتى لا يقعن فى الاخطاء التى وقعت فيها الضحايا ودرسا للشباب الذى يفكر او يحاول أن يتحرش بفتيات، وكلنا ثقة فى القضاء المصرى الذى سيصدر احكاما رادعة لمن تسول له نفسه أن يتخطى حدود العيب والادب ولمن يتصور أن الرجولة هى التحرش بالنساء او ممارسة العنف معهن باعتبارهن الطرف الاضعف. فالرجولة بمعناها الحقيقى هى الشهامة والمروءة والاحساس بالمسئولية واحترام الاطراف الاضعف كالنساء والاطفال وكبار السن وليتذكر الحديث الشريف رفقا بالقوارير فشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء بالزجاج الهش القابل للكسرالذى يحتاج للرفق واللين بعيدا عن العنف، والدين الاسلامى كرم المرأة وجعل احترامها واجبا وجعل لها ذمة مالية منفصلة عن الزوج وألغى الرق وجعل الزوجة لا تورث بعد وفاة زوجها وكأنها متاع وجعل لها دورا هاما فى المجتمع فى السلم والحرب كما كرم الام ووضعها فى منزلة تسبق منزلة الاب وجعل رعايتها اولى من الجهاد فى سبيل الله تعالى وذكرت فى القرآن فى أكثر من موضع ومن تربى فى بيت يحترم المرأة لن يتحرش ببنات الناس.
أحلى الكلام:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27).