بأقلام الاشقاء

«الألكسو».. بيتُ ثقافةِ العرب

د. غسان محمد عسيلان
د. غسان محمد عسيلان

قبل نصف قرن بالتمام والكمال وتحديدًا فى الخامس والعشرين من شهر يوليو عام 1970م أنشئت المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» وتمَّ الإعلان عن قيامها رسميًّا فى القاهرة، ومقرها تونس الخضراء، وهى إحدى أبرز منظمات جامعة الدول العربية عنايةً بالثقافة العربية، وحفاظًا على التراث العربى الخالد والاهتمام بإحياء مجده التليد.
وتسعى «الألكسو» إلى تحقيق الوحدة الفكرية بين دول عالمنا العربى عن طريق التربية والثقافة والعلوم، ورفع المستوى الثقافى لأمة العرب حتى تشارك بفاعليَّة فى صنع الحضارة الإنسانية وتشارك بجديَّة فى مسيرة تقدمها، وفى هذا السياق تقوم «الألكسو» بدور بيت الخبرة الثقافى فى الوطن العربى، وتنهض بعدة مهام، من أبرزها: العمل على تطوير المجالات التربوية والثقافية والعلمية فى الدول العربية، وتنمية الكوادر والموارد البشرية فيها ورفع مستواها المعرفى والثقافى، والمحافظة على اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى المجتمعات العربية، لاسيما بين أوساط الشباب، إضافةً إلى مد جسور التعاون بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى فى العالم، والحرص على إنعاش الحوار الحضارى بين العرب وغيرهم من الأمم.
ولا شك أنه خلال العقود الخمسة الماضية قد جرت فى نهر الثقافة العربية والعالمية مياه كثيرة، وحدثت تطورات ثقافية بالغة التشابك والتعقيد، ليس فقط على الصعيد العربى بل على صعيد العالم أجمع، فقد انتقلت البشرية من عصر الثورة الصناعية التى هيمنت على البشر وشكلت معارفهم وحياتهم قرابة ثلاثة قرون إلى عصر ثورة المعلومات التى ألقت بظلالها على مختلف مناحى الحياة على مستوى العالم أجمع؛ وذلك نتيجةً للطفرات الهائلة والمتتالية فى وسائل التواصل الفكرى والثقافى بين مختلف الشعوب والأمم والحضارات.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتى دخلنا زمن العولمة الاقتصادية والثقافية والإعلامية، وقد عدَّ البعض ما حدث مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين وهيمنة الثقافة الغربية الرأسمالية على العالم نوعًا من الغزو الفكرى الحاد الذى بات يشكِّل تحديدًا خطيرًا للهوية الخاصة التى تمتعت بها كل أمة طوال مسيرة الحضارة الإنسانية.
ومن هنا كان طبيعيًّا أن يطرح المبدعون والمثقفون العرب سؤالًا مهمًا عن الدور الحقيقى والفعلى الذى تقوم به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» فى خدمة الثقافة العربية فى زمن العولمة التى تهدد الثقافات المختلفة بالذوبان والتحلل، وهل قامت هذه المنظمة حقًّا باحتضان المثقفين والمبدعين العرب من أدباء وشعراء وفنانين ونخب تربوية وثقافية وتعليمية وأصحاب رأى للقيام بدورهم فى تنوير المجتمعات والشعوب العربية.
وحتى نكون منصفين لابد أن نتعامل مع «الألكسو» فى سياقها الطبيعى كى لا نحمِّلُها ما لا قِبلَ لها به من مهام ومسئوليات، فهى منظمة متخصصة فى الشأن الثقافى، وتنضوى تحت جامعة الدول العربية، وتُعنى بتطوير مجالات التربية والثقافة والعلوم على المستويين القومى والإقليمى، وتهتم بالتنسيق بين الدول العربية فيما يتعلق بالشأن الثقافى من مختلف جوانبه.
وهناك مجموعة من الأجهزة الثقافية المرتبطة بـ «الألكسو» كان لها دورٌ ملموس فى خدمة قضايا الثقافة العربية على مدى عقود طويلة، من بين هذه الأجهزة: (معهد البحوث والدراسات العربية فى القاهرة) الذى يلعب دورًا بارزًا فى إعداد وتخريج أجيالٍ متعاقبة من الباحثين العرب المختصين فى كثيرٍ من مناحى العلم والمعرفة، كما يتولى إعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المهمَّة فى المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، و(المركز العربى للتعريب والترجمة والتأليف والنشر فى العاصمة السورية دمشق) الذى أصدر عشرات الكتب المؤلفة والمترجمة فى مجالات العلوم والآداب والتربية، وبلغ إنتاجه أكثر من (160) كتابًا تعدُّ من المراجع المهمة، كما أصدر أكثر من (50) عددًا من مجلة «التعريب» وهى مجلة دورية نصف سنوية تتمتع بمكانة علمية مرموقة فى هذا المجال.
وتقوم «الألكسو» بتوفير الكثير من الإحصاءات والبيانات والتقارير المنتظمة عن تطور التربية والثقافة والعلوم فى الدول العربية، ومن أهم أجهزتها كذلك معهد المخطوطات العربية فى القاهرة، ومكتب تنسيق التعريب فى مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، ومعهد الخرطوم الدولى للغة العربية بالسودان.
ويتولى إدارة «الألكسو» حاليًّا معالى الأستاذ الدكتور محمد ولد أعمر، وهو أحد أبرز رجالات الاقتصاد والفكر والثقافة والتربية والتعليم فى موريتانيا الشقيقة، وقد شهدت المنظمة فى عهده تطورًا ملحوظًا فى كافة المجالات ذات الصلة، ومن أبرز معالم هذا التطور جهود المنظمة فى مواجهة أزمة كورونا، وجهودها المكثَّفة فى متابعة تجارب التعليم عن بُعد فى العالم العربى إبان الجائحة، وعقد العديد من الندوات عبر الإنترنت لمناقشة مختلف جوانب الشأن الثقافى العربى، ومن المنتظر خلال الفترة المقبلة أن يتمَّ تحقيق المزيد من الإنجازات فى ضوء ما تتمتع به المنظمة من كوادر وإمكانات وصلاحيات.