حكايات| ديوميد الكبرى والصغرى.. هنا يعبر الزمان بين قارتين

حكايات| ديوميد الكبرى والصغرى.. هنا يعبر الزمان بين قارتين
حكايات| ديوميد الكبرى والصغرى.. هنا يعبر الزمان بين قارتين

متكئا على قارب، أو مادًا ذراعيك سابحًا وسط الماء، أو حتى ماشيا على أقدامك، تستطيع أن تعبر الزمان بنحو يوم كامل في دقائق تتجاوز الساعة أو بضعها، من أبعد نقطة في قارة آسيا إلى أقصاها بنظيرتها أمريكا الشمالية.. أنت هنا في مضيق بيرينج الفاصل بين جزيرتي الغد والأمس «ديوميد الكبرى والصغرى». 

 

فقط مع وجود التصاريح القانونية اللازمة تستطيع أن تعبر من سيبيريا في روسيا إلى ولاية ألاسكا الأمريكية في مسافة لا تزيد على 3.8 كيلو متر، فإذا كنت في نهاية الأسبوع «الجمعة» على جزيرة ديوميد الصغرى داخل أمريكا، فلا يفصلك عن بدايته «السبت» سوى أن تعبر إلى جارتها الكبرى بروسيا.

 

الخط الدولي.. السر

 

مفارقة اجتمعت فيها ظاهرتان جغرافيتان لا تجدها سوى في مضيق بيرينج الذي يصل بين بحر بيرينج والمحيط المتجمد الشمالي، وبين حدود روسيا أقصى نقطة شرقاً في قارة آسيا مع ألاسكا أقصى نقطة غربًا بأمريكا، في نقطة يمر فيها خط الوقت الدولي الذي وضعه العلماء ليكون فاصلا بين نهاية يوم وبداية آخر.

 

اقرأ حكاية أخرى| أكل المخاصي «حرام».. ماذا لو كان رأي «أبو حنيفة» صائبًا؟

 

خط التوقيت الدولي يتبع خط الطول 180 في معظم امتداده، ووضعه الجغرافيون لحل مشكلة الدوران حول الأرض، ليبدأ اليوم من ناحيته الغربية، وينتهي من الشرقية، فإذا عبرت ذلك الخط غربا تجاه أمريكا فعليك تعديل توقيت أجهزتك وتزيدها 24 ساعة، أمّا إذا عبرته شرقا ناحية روسيا تقوم بالعكس. 

 

 

القوى العظمى تحرك الزمان

 

علماء الجغرافيا وضعوا خط التوقيت الدولي ليكون مستقيما يقسم الكرة الأرضية شرقا وغربا، لكن دولتي روسيا وأمريكا اضطرتا إلى تحريف ذلك الخط لتجاوز ظاهرة اختلاف التوقيتات بشكل كبير في سائر أراضيهما، فالأولى حركته 10 درجات ليمر من شرق سيبريا، والأخرى حركته غربا في ألاسكا  ليعاود استقامته بجزر فيجي.

 

بالعودة بالزمان نحو 151 عامًا، وتحديدا سنة 1867 ميلادية، فإن الروس كتبوا حينها نهاية تواجدهم في قارة أمريكا الشمالية وانتهاء سيادتهم على أراضي ألاسكا التي تضم جزيرتي ديوميد الكبرى والصغرى، بعد أن عرضها الروس للبيع على الأمريكان، احتياجا للمال، وخوفا من وقوعها تحت سيطرة المملكة البريطانية دون مقابل.

 

اقرأ حكاية أخرى| بـ«True Caller» والقانون.. حرب نسائية على المتحرشين «إلكترونيًا»

 

8 سنوات ظلت أمريكا تبحث فيها عن الصفقة، حين عرض الإمبراطور الروسي ألكسندر الثاني ألاسكا للبيع على الرئيس الأمريكي أندرو جونسون في عام 1859، لينهي الصفقة السفير الروسي بواشنطن، «لويس بيدلال» مع وزير خارجية أمريكا «ويليام سيوارد» مارس من عام 1867، بـ7 ملايين و200 ألف دولار، بمعدل 1.9 سنت للفدان. 

 

 

صفقة «حماقة» سيوارد

 

الصفقة التي أطلق عليها الأمريكان حينها «حماقة سيوارد» فصلت الجزيرتين لتتبع ديوميد الكبرى روسيا التي تبعد عن اليابسة 40 كيلومترًا، وتصبح الصغرى ملكا للأمريكيين، وبعد الحرب العالمية الثانية نقل السكان الأصليون للكبرى خارجها، لكنهم لم يعودوا إليها بعد انتهاء الحرب؛ حيث تحولت إلى قاعدة لقوات حرس الحدود الروسية. 

 

من روسيا إلى أمريكا؛ حيث ديوميد الصغرى التي تحولت إلى مدينة صغيرة يقيم فيها نحو 170 فردًا من البحارة المهرة، ولا يخدمهم من المرافق الأمريكية الرسمية سوى مكتب بريد ومدرسة وكنيسة ومتجر واحد فقط، وتفتقر لأي شبكات اتصال، ليكون السبيل الوحيد للتواصل مع العالم الخارجي خطوط هواتف الأقمار الصناعية.

 

الهليكوبتر مدد للحياة

 

ولا تزال ديوميد الصغرى تبوح بأسرارها، حيث تعد الطائرة الهليكوبتر الوسيلة الوحيدة للوصول إليها في معظم أيام السنة، وفي بعض الأحيان في فصل الشتاء يتجمد البحر بما يكفي لهبوط الطائرات على الجليد جالبة معها الإمدادات اللازمة لسكان الجزيرة، فهي تعد المكان الوحيد في أمريكا الذي يتم تسليم بريده بالهليكوبتر والذي يصل مرة واحدة أسبوعيا.

 

وبالاقتراب أكثر من الجزيرتين الكبرى والصغرى، بوصفهما الجغرافي، حيث يتميزان بأنهما مسطحتان ومنعزلتان تماما بسبب مياه البحر الهائجة، وتبعد كل منها عن اليابسة نحو 40 كيلو مترًا، من ناحية سيبيريا بروسيا، وألاسكا في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنهما شديدتا الانحدار، ويمكن الوصول إليهما عبر القوارب لكنه ليس خيارا جيدا.

 

اقرأ حكاية أخرى| «ممنوع الرجال».. جزيرة في فنلندا للنساء فقط

 

ليس هذا فحسب؛ بل إن هناك جسر طبيعي لكنه موسمي تنصبه الطبيعة، ففي فصل الشتاء تتحرك قطع من الجليد في مياه البحر المفتوحة فتشكل جسرا جليديا يربط بين الجزيرتين، ليمكن اجتياز خط الوقت الدولي الموازي لخط الطول 180 الذي يمر بين الحدود الدولية بين روسيا وأمريكا، ثم يتم المشي سيرا على الأقدام من قارة آسيا إلى قارة أمريكا الشمالية.  

 

لم يكن خيار العبور بين الجزيرتين مقتصرا على القوارب أو السير على الأقدام فقط، بل هناك محاولات عديدة لاجتياز المياه شديدة البرودة في مضيق بيرنج الفاصل بينهما بالسباحة،آخرها نجاح السباح الفرنسي مبتور الذراعين والساقين، السباحة بين أمريكا وروسيا، مستعينا بأجهزة تعويضية في رحلة استغرقت نحو ساعة و15 دقيقة.

 

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي