إنها مصر

كرم جبر يكتب.. السودان فى قلب مصر

كرم جبر
كرم جبر

لن تجد أطيب من الشعب السودانى الشقيق، يحبون مصر والمصريين، وتجرى فى عروقنا مياه النهر الخالد، وفى الأزمات لن تجد شقيقاً قلبه عليك مثل السودانيين، ولكن هناك من يحاول إفساد المحبة والتفاهم، ومسرباً دخاناً أسود فى سماء العلاقات الطيبة بين البلدين.


نحن - مصر والسودان - فى أوقات الخطر، يجب أن نوقظ كل عوامل التقارب والتعاون، ونستبعد أسباب الجفوة والخلاف، ونستدعى المخزون الاستراتيجى لوحدة وادى النيل، فبيننا رصيد رائع، وفى أمس الحاجة أن نزيح عنه الصدأ والتراب، وليكن لنا فى قيادات الدولتين أسوة طيبة، وننظر بتأمل وعمق لصورة المصافحة بين الرئيسين «السيسى والبشير» فى أديس أبابا، ففى لحظة صدق ومصارحة، وانقشعت سحب الخلافات، وسادت الأجواء شمس صافية.


لا أنسى أبداً يوم خرج السودانيين بالملايين، لاستقبال الرئيس جمال عبد الناصر فى الخرطوم، بعد هزيمة يونيو 1967، وحطموا كل الحواجز وصاحبوا سيادته حتى الفندق الذى يقيم فيه، وبعثوا برسالة قوية إلى العالم، بأن العرب لن يقبلوا الهزيمة ولن يستسلموا، وخرجت قمة اللاءات الثلاثة «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف»، متسلحة بروح الاستقبال الأسطورى لعبد الناصر.


والتاريخ لا ينسى للرئيس السودانى إسماعيل الأزهرى ورئيس وزرائه محمد أحمد المحجوب، قيامهما بالمصالحة بين عبد الناصر والعاهل السعودى الملك فيصل، وكان عبد الناصر يخشى من فيصل، بسبب الجروح التى سببتها حرب اليمن، ولكنهما تصافحا وتصالحا، وداعب فيصل عبد الناصر بأنه زعيم العرب، واكتسبت العروبة قوة جديدة، مستمدة من طيبة وأصالة الشعب السودانى الشقيق.


علينا أن نعترف أن بعض الأعمال الفنية، لم تكن فى مستوى التآخى والمحبة بين الشعبين، وأساءت كثيراً للإخوة السودانيين، وهو ما يجب أن نشجبه ونتصدى له، ولكن عمل عظيم مثل مسلسل «الخواجة عبد القادر» الذى أذيع فى رمضان منذ عدة سنوات، للرائع «يحيى الفخراني» ضمد الجراح، وأعلن المصالحة بين الشعبين فى الأعمال الفنية، وساهم فى إزالة الجفوة، وتعميق روح المحبة والأخوة، وإبراز إسلام القيم وجمال الروح، وليس الهوس والتطرف والانغلاق.


السودان كانت دائماً فى قلب مصر، وكانت حضناً آمناً يستقبل الكتاب والشعراء والأساتذة والمفكرين، فمتى تعود تلك الأيام الجميلة، حينما فتح السودانيون قلوبهم، وهم يستقبلون رفاعة رافع الطهطاوى، ومحمود سامى البارودى والدكتور محمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد، وآلاف الأسماء الأخرى، التى تؤكد أن مصر كانت حاضرة بقوة فى السودان، وأن السودان كان العمق الاستراتيجى والثقافى والتاريخى لمصر، وكذلك كانت مصر، على قدم المساواة والمحبة والتآخى.


لن يستفيد أحد من الوقيعة إلا أعداء الشعبين، فلننس خلافات الماضي، ونتطلع للمستقبل ونستعيد ذكريات الزمن الجميل، حين تآلفت القلوب على صوت أم كلثوم، وهى تغنى «أغداً ألقاك» للشاعر السودانى الكبير الهادى آدم، فى أعقاب زيارتها التاريخية للخرطوم إبان هزيمة 67، واصطحبها ملايين السودانيين من الطائرة إلى مقر إقامتها.. وكانت دائماً تقول: «دول أهلنا، إحنا وهما إخوات، لأننا إحنا الاثنين ولاد النيل».