خدعوهم فقالوا «الأرض الموعودة»

النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب

منذ صدور «وعد بلفور» عام 1917، الذى يوصف فى الأدبيات السياسية العربية بـ «المشؤوم»، تعيش منطقة الشرق الأوسط فى حروب دموية، منذ أكثر من 75 عامًا، وكان آخرها العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.

وبمرور الزمن، تبيّن أن الشق الأول من الوعد هو إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، تم تنفيذه على الأرض، بينما ظل الشق الثانى، وهو عدم الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف «غير اليهودية المقيمة» فى فلسطين.

وبعد إطلاق هذا الوعد، ظن معظم اليهود حول العالم أن  فلسطين العربية المحتلة هى «الأرض الموعودة»، ورفضوا مشروع بريطانيا وقتها لإنشاء وطن قومى لهم فى أوغندا، ظنًا منهم أن فلسطين كما قالوا «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»!

تضمن هذا الشعار كذبتين مفضوحتين، الأولى:  هى نفى الوجود التاريخى العريق للفلسطينيين فى أراضيهم، إذ إنه من الثابت حسب الاكتشافات الأثرية، أن اليبوسيين العرب الذين سماهم اليهود القدماء «شعب الجبارين» كما جاء فى القرآن الكريم هم أول من سكن فلسطين، وذلك فى الألف الثالث قبل الميلاد، أى قبل ظهور النبى يعقوب (إسرائيل) عليه السلام بعدة قرون، بل قبل وجود النبى إبراهيم عليه السلام نفسه.

أما الكذبة الثانية، فهى زعم اليهود الصهاينة آنذاك أن فلسطين كانت خاوية من السكان إلا قليلًا، وهو ادعاء مفضوح أيضًا، حيث يقول المؤرخون والباحثون إن الأرض المحتلة كانت مأهولة بما لا يقل عن 800 ألف عربى فلسطينى، قبل أن تبدأ الحركة الصهيونية حملتها المستمرة للتهجير القسرى والتطهير العرقى. 

وكان عدد السكان الفلسطينيين عام 1948، وهو «عام النكبة» مليونًا و415 ألف نسمة، وهو عدد كبير بالنسبة لمساحة فلسطين التاريخية آنذاك، التى بلغت 27 ألف كيلو متر مربع، ما يعرى هذه الكذبة الصهيونية، ويكشف زيف الدولة العبرية منذ البداية.

والحقيقة أنه بعد مرور أكثر من قرن على أعمال التنقيب الأثرى، لم يُعثر على أثر واحد يرتبط بما ورد من حكايات وأساطير فى «العهد القديم».

ومن المسلّم به أن شعار «شعب بدون أرض لأرض بلا شعب» إنما هو استمرار للفكر الاستعمارى الأوروبى، الذى يعتبر سكان بلد ما غير مؤهلين لتحقيق التحضر والتقدم، لذلك ظنت الحركة الصهيونية العالمية أن سكان منطقة الشرق الأوسط سيستقبلونهم بحفاوة، بوصفهم طليعة «الحضارة الأوروبية» التى تحمل رسالة الحضارة والتقدم إلى العالم، وكانت أوروبا وقتها - ومازالت- تعتبر نفسها مركز إشعاع حضارى عالمى.

غير أن اختلاق أكذوبة «إسرائيل القديمة» لم يُسكت أبدًا التاريخ الفلسطينى، فالنصوص التوراتية المنحازة وتواريخها المتصدعة، وحتى «منطق القوة» الذى كانت تفرضه إسرائيل على المنطقة قبل عملية «طوفان الأقصى»، لا يمكن أن ينكر المكان والزمان على التاريخ الفلسطينى. 

ومهما طال الزمن، ستبقى إسرائيل مجرد حركة احتلال نجحت فى بسط القوة والإرهاب على الشعب الفلسطينى، بسبب «وعد بلفور»، والدعم المتواصل من القوى الغربية، غير أن تلك الأفكار المغلوطة سوف تسقط يومًا ما، كما أسقط «الطوفان» أسطورة الدولة العبرية التى لا تُقهر، وأكد أن مصير دولة الاحتلال إلى زوال.