الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد

صورة تعبرية
صورة تعبرية

أسماء‭ ‬سالم‭  ‬ــ‭  ‬محمد‭ ‬عطية‭ ‬

 لك أن تتخيل أن بظهور الذكاء الاصطناعي اختفى الدليل، اصبحنا نعيش داخل ثورة معلوماتية رهيبة، بدأ يظهر نوع جديد من الجرائم المعروفة باسم الجرائم الإلكترونية أو المعلوماتية، والتي تتم عبر السوشيال ميديا أو الإنترنت بشكل عام؛ فبدأنا نرى استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في انتحال هوية شخص طبيعي أو صنع فيديو مفبرك له، سواء لابتزاز صاحبه أو النصب على معارفة أو سواء استخدامه في غيرها من الأفعال التي يجرمها القانون، تفاصيل أكثر إثارة سوف نسردها لكم داخل السطور التالية.

على مدار الايام السابقة اكتشف العديد منا عمليات نصب واحتيال إلكتروني والتي استخدم الذكاء الاصطناعي فيها، وهو ما شاهده الكثير منا عن طريق تركيب أصوات على صور أقارب وأصدقاء، الضحية التي يتم الاتصال به يطلب منه النصاب على سبيل المثال تحويل مبلغ مالي محدد على رقم ما من أجل ظرف صعب، سريعا وبكل تأكيد وبعدما ترى صورة أو صوت احد اقاربك أو اصدقائك ستجرى له تحويلا فورًا دون تفكير ثم تكتشف بعد ذلك انها عملية نصب وأن تطبيقًا إلكترونيًا بالذكاء الاصطناعي هو الفاعل لكن خلفه نصاب أو مزور أو مبتز في بعض الأحيان.

تطور مرعب

حقيقة الأمر أن تلك التطبيقات تطورت بشكل مرعب للغاية، بل أصبحت ليست وسيلة نصب سريع فقط، لكن في بعض الأحيان وصلت لبرامج مسابقات وهمية والربح عن طريق الإنترنت أو السوشيال ميديا؛ وبالفعل قدمت إحدى منصات المراهنات فيديوهات مفبركة باستخدام الذكاء الاصطناعي للترويج لألعاب المقامرة الخاصة بها مستغلين أسماء مشاهير لإثارة انتباه الناس وتحقيق مشاهدات عالية، بل وخداع المزيد من الضحايا بأن هؤلاء النجوم من رواد منصتها، لم يصل الأمر فقط إلى تعديل أو إنشاء مقاطع فيديو فقط، بل استخدمت تلك المنصة تقنيات الذكاء الاصطناعي لسرقة أصوات المشاهير وجعلها مطابقة لصورهم الحقيقية واستخدامها دون موافقتهم في أعمال أخرى بهدف الاحتيال أو تشويه صورتهم.

في الوقت نفسه احترف المحتالون والنصابون استخدام الذكاء الاصطناعي في تزييف الصور والمقاطع المصورة؛ فأصبح من السهل التعديل في الصور الحقيقية وتزييف بعض تفاصيلها، بل وصل الأمر لإنشاء صور مزيفة بالكامل من خلال منصات الذكاء الاصطناعي والتي تقدم بعضها خدماتها بشكل مجاني للمستخدمين، فللاسف الشديد أصبحت عملية تزييف المحتوى البصري أكثر سهولة بل وفي معظم الاحيان أكثر إقناعًا، فلم تعد محادثات الفيديو دليلا كافيا على أن المكالمة مع الشخص المقصود حقيقة فمن الممكن أن تكون مجرد نسخة رقمية مزيفة يتحكم فيها أحد النصابين باستخدام منصات الذكاء الاصطناعي لجعل حركات النسخة المزيفة أكثر واقعية، بل استخدام بعض المنصات لإنشاء نسخة أكثر طبيعية من صوت الشخص فبالتالي تكون محادثة الفيديو مقنعة أكثر، لك أن تتخيل أن بظهور الذكاء الاصطناعي اختفى الدليل.

كوكب الشرق

لم ننس التريند الذي هز صفحات السوشيال ميديا بعدما فوجئ الملحن عمرو مصطفى بتسجيل اغنية بصوت ام كلثوم من كلماته وألحانه باستخدام الذكاء الاصطناعي، وانقسم وقتها رواد التواصل الاجتماعي بين مؤيد للفكرة وبين معارض معتبرين ذلك تزييف لتاريخ كوكب الشرق.

وبالفعل تقدم ورثة ام كلثوم بدعوى قضائية ضد عمرو مصطفى لانتهاكه واستغلاله لصوتها وانتهى الأمر بمبادرة عمرو مصطفى وذهابه لمحامي العائلة لإنهاء الخلاف معهم.

خطف وهمي

فيما استخدم المحتالون الذكاء الاصطناعى في أول جريمة خطف في أمريكا؛بتجميع مقاطع صوتية لاحدى الضحايا ثم استنساخ صوتها وذلك لتلفيق عملية خطف وطلب فدية؛ حيث تلقت والدة الضحية مكالمة هاتفية من محتال استنسخ صوت ابنتها للتظاهر بأنه خطفها، ثم تلقت بعدها مكالمة اخرى من رقم غير معروف وعندما أجابت سمعت صوت ابنتها البالغة من العمر 15 عامًا تبكي وتطلب النجدة، في وقت كانت الابنة خارج المدينة في رحلة تزلج مع أصدقائها، واستكمل المكالمة رجل يقول إن لديه ابنتها ويريد مبلغ مليون دولار لإعادتها، وبعد أن قالت له إنها لا تملك هذا المبلغ، تم تخفيضه إلى 50 ألف دولار، إلا أنه تم ضبط الجناه وبإجراء التحقيقات ذكرت الأم أنها لم تشك ولو لثانية واحدة في أنها ابنتها فكان صوتها بالفعل، كما ذكر الجناه أنهم استخدموا صوتًا أنتجه الذكاء الاصطناعي مطابقًا لصوت الفتاة.

شهادات جامعية

في الوقت ذاته ومع استهداف وزارة الداخلية الجرائم الإلكترونية؛ تمكن رجال الشرطة من تتبع إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وقد زعم القائمون عليها بقدرتهم على استخراج شهادات جامعية موثقة باستخدام الذكاء الاصطناعى، بإجراء التحريات وجمع المعلومات اللازمة، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد الصفحة كما تمكنت من تحديد عدة صفحات أخرى وتم تحديد القائمين على إدارتهم وتبين أنهم تشكيل عصابى مكون من 3 أشخاص يقيمون بمحافظة كفر الشيخ.

وعقب تقنين الإجراءات وإعداد عدة كمائن ثابتة ومتحركة تم ضبطهم، وقد عثر بحوزتهم على هواتف محمولة وبفحصها تبين احتوائها على آثار ودلائل تؤكد نشاطهم الإجرامي كما أمكن حصر عدد من عمليات التحويل المالى على المحافظ الإلكترونية الخاصة بالمتهمين، أيضا أمكن رصد صفحة أخرى تروج لذات النشاط على موقع السوشيال ميديا «فيس بوك» وتم تحديدهم وضبط القائم على إدارتها، بمواجهتهم اعترفوا بارتكاب تلك الجرائم وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتولت النيابة العامة التحقيق. 

الحبس والغرامة

تواصلت «أخبار الحوادث» مع أحمد يعقوب «المحامي»  ليبدأ حديثه قائلاً: إن التطور التكنولوجي الملموس لدينا في العديد من المجالات أدى إلى ظهور ما يسمى ثورة الذكاء الاصطناعي وأن له حديه الايجابي والسلبي، وأن الحد الايجابي منه غني عن التعريف لما له من دور في الحياة العملية والعلمية أما الحد السلبي أدى إلى ظهور ما يسمى التزييف العميق وله العديد من الصور ومنها استخدام تطبيقات صنع مقاطع صوتية أو فيديوهات مفبركة لإحدى الشخصيات سواء كانت معروفه أو لا، وذلك من أجل الحصول على مكاسب غير مشروعة مما أدى ذلك إلى انتشار العديد من الجرائم سواء جرائم الأشخاص أو جرائم  الأموال.

هذه الجرائم  تمثل اعتداءً صارخًا على العديد من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون وعلى رأسها الحق في السلامة وحرمة الحياة الخاصة والشعور بالأمان، لذلك فقد جَرم القانون تلك الأفعال وحدد لها عقابًا رادعًا، فالمشرع المصري لم يقف ساكنًا نحو ذلك الفعل الإجرامي بل حزمه بأشد العقوبات بحيث نصت المادة ٣٢٧ من قانون العقوبات «أن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف يعاقب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب مادي».

ليستكمل قائلًا: ووفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، في المادة 23 يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أي جريمة من هذا النوع، أما لو كان الغرض من هذا التزييف هو الحصول على أموال تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما في حال استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه، كما نصت المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبار أو صورا وما في حكمها ، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه ، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة ووفقًا للمادة 26 من نفس ذات القانون فيعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه لا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين وذلك من أجل الحد من الجرائم الالكترونية .

عمليات اختراق

ليستكمل الحديث اللواء محمود الرشيدي مساعد وزير الداخلية الاسبق لشئون مكافحة الجرائم المعلوماتية قائلاً: لا يمكن أن ننكر جهود الثورة التكنولوجية والتي أثرت بشكل جذري في جميع المجالات، فنحن حاليًا في التحول الرقمي فأصبحت التكنولوجيا هي اغلى سلعة والدول تتصارع من اجل الحصول على المعلومات التي هي اخطر سلاح اليوم، بل أصبح الذكاء الاصطناعي المتقدم هو الذي يستمد معلوماته من الإنترنت ورغم مميزاته إلا أن له خطورة فهو ينفذ ما يطلبه المستخدم على سبيل المثال انتحال الصفة بإنشاء حسابات وهمية والتي من خلالها يستطيع أن يخترق أي حساب شخصي أو يستخدم الجاني الذكاء الاصطناعى في العديد من الجرائم مثل النصب والاحتيال وذلك باستغلال الصوت والصورة لضحايا من اجل سرقتهم  فسواء على مستوى فردي أو مستوى عالمي، فقد يستخدم الذكاء الاصطناعي في اختراق المعلومات لمعرفة اهتمامات ونقط ضعف الضحية لإيذائه، فمن الممكن أن ينتحل صفة ويتخاطب مع شخص مستهدف ليقنعه بالانتحار أو يقنعه بأفكار عدوانية أو يرسل له اخبارًا مضللة، بالاعتماد على ارسال الضحية صور وفيديوهات مزورة، ويعتقد الضحيه أنه يعلم مع من يتحدث، بالإضافة إلى خطورة الذكاء الاصطناعي في استخدامه لوضع قنابل وهجمات عن بعد مثل ما قامت به الصين بعمل قنابل على شكل دبابير ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، لذلك يجب وضع تشريعات وتطوير الأجهزة الأمنية لمراقبة ومواجهة عصر التطوير اللحظي للتكنولوجيا، كما يجب توعية الأسرة فهي خط الدفاع الأول ضد مخاطر التكتولوجيا، كما يجب محو الأمية الرقمية ويجب تطوير المواد الدراسية لأهمية ومخاطر التطور التكنولوجي.

تحليل بصمات

ليضيف المهندس وليد حجاج خبير امن المعلومات: على الرغم من مخاوف الذكاء الاصطناعي في زيادة عدد الجرائم، إلا أنه ممكن أن يساعد في حل الجريمة من خلال المعطيات والمعلومات المتواجدة فعلى سبيل المثال الكاميرات التي من خلالها يسهل تحديد الشخص برسم خط سيره وتواجده خلال ايام لذلك يجب أن تتواجد الكاميرات في الشوارع؛ فالذكاء الاصطناعي يستخدم تلك اللقطات من الكاميرات ويحدد خط سير الشخص في خلال دقائق وبالتالي يستطيع أن يحدد من المجرم وتحليل البصمات في وقت قياسي، ويمكن ان يتنبأ بالجريمة قبل حدوثها من خلال اهتمامات والرسائل بين الناس، وهذه الطريقة للتنبؤ بدأت في الصين فعليًا.

خطورة مستقبلية

ليختم الحديث الدكتور ابراهيم فتحي أستاذ علم الذكاء الاصطناعي بجامعة عين شمس قائلاً: الذكاء الاصطناعي هو نظام ذكي يساعد الانسان على تنفيذ مهام من خلال كسب معرفة أو تعلم الحصول على هذه المعرفة، وللاسف أصبح الذكاء الاصطناعي يهدد الكثير من المهن فهناك مهن كثيرة سوف تندثر مثل المترجم فقد اصبح Google translate لديه القدرة على ترجمة جميع اللغات بدقة، وقد يغني عن المترجم وكذلك طبيب الاشعة فالذكاء الاصطناعي اصبح يمكن أن يخصص الأشعة ويكتب تقريرا عنها كاملا، بل ظهرت مهن جديدة يعززها الذكاء الاصطناعي بزياده الجودة وتنفيذ المهام في وقت قصير، وبالفعل وجدنا من خلال الذكاء الاصطناعي في امريكا قضاة بالذكاء الاصطناعي والذي يحكم بناء على المعلومات التي ادخلها البشر على نظام القاضي الاصطناعي فلو كانت تلك البيانات والقضايا والاحكام السابقة بها تحيز فبالتالي القرارات التي سيصدرها قاضي الذكاء الاصطناعي ستكون صارمة. 

للاسف  ادت خطورة الذكاء الاصطناعي الى اختفاء الكثير من المهام الوظيفية فبالتالي يجب على الدول أن تهتم بذلك الملف من اجل تحضير البديل عن طريق تعليم دبلومات متخصصة بالتعليم الرقمي مثل ما تفعله الآن وزارة الاتصالات، ولكن يصبح بشكل اكبر في جميع المهن لتجهيز مهن تواكب العصر الحديث التكنولوجي، كما أنصح جميع المؤسسات بتأهيل العاملين بجميع المهن للتعامل مع الذكاء الاصطناعي لزياده قدرتهم، باستخدام التكنولوجيا من اجل الاستفادة، من مخاوف الذكاء الاصطناعي هو التطوير من اجل إيذاء البشر مثل «chat gpt» الذي اصبح لديه معرفة فقد تم امداده بالعديد من المعلومات في جميع المجالات من عام 2017 الى عام 2021 فاذا تم ادخال بيانات غير صحيحة عليه سيصدر معلومات غير صحيحه للمستقبل والجيل القادم، بل هناك من يستخدم الذكاء الاصطناعي في ايذاء الآخر مثل الاحتيال والنصب ورغم أن الاحتيال الرقمي موجود منذ زمن إلا أن الذكاء الاصطناعي اصبح اكثر دقة لذلك يجب التعاون بين المتخصصين في القانون والذكاء الاصطناعي لسن تشريعات تحمي من مخاطر الذكاء الاصطناعي، بجميع الاحوال ليس من الصحيح أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أن يغير نفسه أو يتحكم في البشر أو يستبدلهم بل سيساعدهم ويختلف استخدام الانسان للذكاء الاصطناعي من شخص لآخر على حسب أهدافه فكما يقال اصبح الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل معدل الجريمة فهو الآن يتدخل في التنبؤ والتوقع بالجريمة وهذا مطبق بالفعل في الامارات؛فهناك شرطة مخول لها التخصص بالتوقع بالجريمة علي سبيل المثال من خلال الرسائل بين الاشخاص، وضبط المجرمين الذين يسعون لتطوير انفسهم لارتكاب جرائمهم، الهاكر مثلا لا يستخدمون Ip بل يستخدمون مواقع الديب والدارك ويب لإخفاء Ip.

اقرأ أيضا : علماء: الذكاء الاصطناعي مهارة خطيرة تؤدي إلى «دوامة»