«نتنياهو» يمضي وحده| واشنطن تنأى بنفسها.. وبايدن يحجب القنابل الأمريكية عن إسرائيل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: دينا توفيق

الخلاف بين الرئيس الأمريكي «جو بايدن» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» آخذ فى الاتساع، بعد اعتراف بايدن بأن الأسلحة الأمريكية قتلت مدنيين فى غزة، وتهديده بحجب المزيد من شحنات الأسلحة إذا شن جيش الاحتلال هجومًا كبيرًا على المناطق المكتظة بالسكان فى رفح بجنوب غزة. فيما يواصل نتنياهو حربه متحديًا تحذيرات الرئيس الأمريكي. إن تصريح واشنطن هو أحد أهم التطورات فى حرب غزة منذ بدايتها، فمن الواضح أن هناك تحولًا كبيرًا قد حدث فى سياسة الإدارة الأمريكية، وأثيرت التساؤلات حول هذا التغيير، وماذا سيؤدى خلاف بايدن ـ نتنياهو؟

◄ فريدمان: سياسات نتنياهو هى الخطر الحقيقى على اليهود وأمريكا

◄ استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية انتهاك للقانون الدولي

◄ حجب الأسلحة خطوة قديمة سبق وقام بها أوباما

بدأ الدعم القوى الذى يقدمه بايدن للكيان الصهيونى يبدو أكثر تعقيدًا بعض الشىء؛ بعد أن أوقفت الإدارة الأمريكية شحنة تضم أكثر من 3500 قنبلة إلى جيش الاحتلال. وقال بايدن لشبكة CNN الإخبارية الأمريكية، إنه سيحجب المزيد من الأسلحة الأمريكية إذا قام الجيش الإسرائيلي بما وعد به وشن غزوًا بريًا كبيرًا على رفح فى جنوب غزة. وتحافظ واشنطن على خطوط اتصال مفتوحة عبر الشرق الأوسط، فى الوقت الذى تعانى فيه الولايات المتحدة وإسرائيل من أسوأ خلاف بينهما منذ عقود بشأن الحرب فى غزة. ويشعر البيت الأبيض بقلق متزايد بشأن سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين إذا شنت إسرائيل هجومًا بريًا على مدينة رفح الفلسطينية حيث يحتمى 1٫4 مليون فلسطينى من الحرب.

ويرى الكاتب الأمريكى «توماس فريدمان»، فى مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الخطر الحقيقى هو سياسات نتنياهو التى تعرض يهود العالم للخطر وتقوض الاحتياجات والمصالح والأهداف الأمريكية الاستراتيجية الأوسع في الشرق الأوسط، أو بمعنى آخر لم يقله فريدمان بالنص وهو أن نتنياهو هو شمشون الجديد الذى سيهدم المعبد على الجميع.

وأوضح فريدمان أن أفعال نتنياهو هى مصدر التوتر الحقيقى بين واشنطن والقدس، ولا يتعلق الأمر بتمسك بايدن المؤقت بإرسال إمدادات جديدة من القنابل والأسلحة الهجومية الأخرى إلى إسرائيل. لقد نجح نتنياهو في إقناع قيادة جيش الاحتلال بخوض هذه الحرب فى غزة لأكثر من سبعة أشهر دون أى خطة لكيفية الخروج وتعزيز أى نصر عسكرى تم تحقيقه؛ وهذه نتيجة مباشرة لتشكيل نتنياهو في ديسمبر 2022 الحكومة الأكثر تطرفًا للعودة إلى السلطة وتفادى محاكمته بتهم الفساد.

ولن يسمح المتعصبون فى حكومته بتشكيل أى شراكة مع السلطة الفلسطينية غير التابعة لحماس والتى تحكم فى الضفة الغربية، خشية أن يؤدى ذلك إلى قيام دولة فلسطينية هناك وفى غزة. ويضيف الكاتب الأمريكى، محذرا من إصرار نتنياهو على فعل ما يريده، بما يتوافق مع احتياجاته السياسية، دون النظر إلى احتياجات بايدن السياسية ومصالح وأهداف الولايات المتحدة الجيوسياسية؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلى «مستعد لاستخدام أمريكا، ومستعد لاستخدام بايدن نفسه لضمان البقاء السياسي».

ومن ناحية أخرى وحسب ما ذكره فريدمان فإن مصلحة إسرائيل هى أن يكون لديها شريك فلسطينى، ونتنياهو يرفض ذلك. لذا من الخطأ الفادح التقليل من الخطر الذى تشكله حكومة نتنياهو الحالية على علاقتها بالولايات المتحدة والعالم؛ بعد ما أصبح الشريك العسكرى للولايات المتحدة فى المنطقة غارقًا الآن فى غزة، دون أى مخرج واضح، الأمر الذى يستنزف احتياطيات الأسلحة الأمريكية. فالحرب التى لا نهاية لها فى غزة، يمكن أن تؤدى أيضًا إلى زعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة الآخرين فى المنطقة.

ووفقًا لموقع «ذا ديلى بيست» الأمريكى، على الرغم من عويل الحكومة الإسرائيلية والجمهوريين فى الولايات المتحدة، فإن هذه الخطوات واستخدام النفوذ الأمريكى ليس فقط لتعزيز المصالح الأمريكية فى المنطقة ولكن أيضًا للمساعدة فى توجيه إسرائيل نحو السياسات التى تخدم مصالحها.

ويرى الكاتب والصحفى «ديفيد روثكوبف» أن تصرف بايدن ليست خطوة غير مسبوقة، حيث سبق وحجب الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» بعض شحنات الأسلحة للكيان الصهيونى.

وعلاوة على ذلك، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى «جون كيربي» الأسبوع الماضى أن شحنات الأسلحة الأمريكية الأخرى إلى إسرائيل مستمرة حاليًا. لم يظهر أى رئيس أمريكى فى تاريخ الولايات المتحدة دعمًا أكثر التزامًا لإسرائيل وتحمل انتقادات أكثر لها من بايدن.

وبينما يجادل نتنياهو بأن تهديد بايدن بحجب المساعدات عن إسرائيل، يؤدى إلى تقويض نفوذه أمام حماس، فإن الواقع هو أنه من خلال اتخاذ هذه الخطوة، يوضح بايدن أن الولايات المتحدة تريد دفع إسرائيل إلى وقف إطلاق النار كما حدث من أجل إضعاف حماس، وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإقناعها بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لديها.

ويشير هذا الإجراء إلى أن الولايات المتحدة تشعر بأنها وصلت إلى مرحلة فى المفاوضات لن يساعد فيها التهديد الإسرائيلى بالقيام بعمل كبير فى رفح فى التوصل إلى اتفاق، وأن مخاطر مثل هذه العملية تفوق فوائدها. ومع هذه الإجراءات الأخيرة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تقول لنتنياهو، «كفى، دعونا نعقد صفقة، دعونا نستعد أكبر عدد ممكن من الرهائن، دعونا نتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونعمل على ما سيأتى بعد ذلك».

◄ اقرأ أيضًا | واشنطن بوست: «اليوم التالى» خطة مؤجلة لحكومة الاحتلال

ويوضح الكاتب الأمريكى أنه من الصعب على نتنياهو قبول ذلك، سواء بسبب وجهة نظره المتطرفة ولكن أيضًا لأن وقف إطلاق النار سيجلب معه خطرًا سياسيًا حقيقيًا له. فهو سيسمح للرأى العام الداخلى بالبدء فى التساؤل عن الإخفاقات السياسية التى أدت إلى عملية 7 أكتوبر. وعلاوة على ذلك، فإن الخطر الأكبر الذى يواجهه نتنياهو الذراع الطويلة للقانون؛ لذا يريد نتنياهو أن يكون فى السلطة من أجل صرف وعرقلة وتأخير المساءلة عن جرائمه الماضية. 

ولقد تغيرت حسابات هذه الحرب؛ فإن ذلك سيعنى أن الولايات المتحدة لن تدعم بعد الآن انتهاكات نتنياهو فى غزة. وكشف التقرير الذى قدمه وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» للكونجرس مؤخرًا، عن استخدام إسرائيل للأسلحة التى قدمتها واشنطن فى غزة التى ربما انتهكت القانون الدولى، لكنها لم تنتهك شروط اتفاقيات الأسلحة الأمريكية. ولكن ظروف الحرب منعت المسئولين الأمريكيين من تحديد ذلك بشكل مؤكد فى غارات جوية محددة.

ووفقًا لموقع «ذى انترسبت» الأمريكى فإن العثور على أدلة لاستنتاج أن حليف الولايات المتحدة قد انتهك القانون الدولى فى سلوكه للحرب فى غزة يمثل أقوى بيان من نوعه من مسئولى بايدن. لقد حاول بايدن دعم نتنياهو فى حربه ضد حماس، وقد واجه احتجاجات متزايدة فى الداخل والخارج بسبب ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين وبداية المجاعة، التى نتجت عن القيود الإسرائيلية على حركة الغذاء والمساعدات إلى القطاع، ومقتل 7 من عمال الإغاثة فى منظمة «وورلد سنترال كيتشن» الأمريكية إثر ضربة جوية إسرائيلية على قطاع غزة، وتصاعدت التوترات بشكل أكبر فى الأسابيع الأخيرة بسبب تعهد نتنياهو بتوسيع الهجوم العسكرى الإسرائيلى فى رفح الفلسطينية، على الرغم من تحذير الإدارة الأمريكية.

ربما سيكون الحل فى إسقاط حكومة نتنياهو مع تراجع شعبيته ونشوب اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط حكومته وإتمام صفقة تبادل للمحتجزين ووقف الحرب، وفقًا لصحيفة «ها آرتس» العبرية، فإن نتنياهو يقود إسر ائيل إلى الفشل التام.