دروس من الماضي لمعالجة آثار الحاضر.. متي يجب تطبيق مبادئ اقتصاد الأزمات؟

بقلم مهند عدلي
بقلم مهند عدلي

بقلم.. مهند عدلي

حين اندلعت الحرب العالمية الثانية كانت اقصي تقديرات للساسة البريطانيين والفرنسين أنها مجرد عدة أشهر يمكن لاقتصاديات دولهم تحملها ولكنها امتدت على غير المتوقع إلى ستة سنوات تالية شهدت فيها العديد من الدول أزمات طاحنة ومعاناة إنسانية هائلة وظهرت لأول مرة مصطلحات ونظريات اقتصاديات الحرب واقتصاد الأزمة في شكلها الحديث وبقواعدها الجديدة التي شهدت تطورات تالية على مدار السبعين عاما الماضية.

فالمتتبع لتاريخ الحرب العالمية الثانية سوف يجد أن معظم الأهداف العسكرية كانت ذات أبعاد أو أسباب اقتصادية حتي أن الهزيمة القاضية للألمان وفشل خطه بارباروسا لغزو روسيا كانت بسبب اقتصادي في جوهرها حين صمم هتلر على عدم مواصلة الهجوم الي موسكو للسيطرة على اأوكرانيا أولاً حيث منابع البترول والحديد وهو ما اعطى الفرصة للروس لالتقاط الانفاس والرد بهجوم مضاد واسع وصولا إلى برلين وهزيمة هتلر هزيمة قاضية.

ودرس آخر من روسيا ايضا حين غزت أفغانستان بأهداف سياسية معلنة لا تخلو من اطماع اقتصادية في موقعها الجغرافي المهيمن علي طرق التجارة العالمية وثرواتها الاقتصادية البكر في حرب امتدت لما يقرب من عشرة سنوات تم فيها استنزاف الاقتصاد الروسي وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو وتحرر دول أوروبا الشرقية وانتهاء عصر الحرب الباردة في تأكيد لشكل جديد معاكس لعلاقة النزاعات المسلحة بالانهيار الاقتصادي للدول أطراف النزاعات التي لا تستطيع تطبيق مفاهيم ونظريات اقتصادية مختلفة تناسب ما تفرضه النزاعات المسلحة من متغيرات قاسية فاقتصاد الحرب ليس فقط مجرد تسخير الموارد لأهداف عسكرية ولكنه في الحقيقة مفهوم اوسع من ذلك بكثير يأخذ في اعتباره كافه الابعاد والأاثار المحتملة على كافه القطاعات الاقتصادية وأثارها التبادلية على بعضها البعض.

ومن السياق التاريخي إلى النزاعات الراهنة منذ 2022 اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية لتكون أول حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ثم حرب السودان في أبريل من العام الماضي ثم حرب غزة منذ أكتوبر الماضي وما صاحبها من مناوشات مسلحة مع لبنان وحزب الله وايران وضربات حوثية للسفن العابرة إلى أسرائيل من باب المندب في اكبر تهديد لمسارات التجارة العالمية منذ حرب أكتوبر 1973 ومع طول امد هذه النزاعات وفي ضوء هذه الخلفية التاريخية يصبح التساؤل المطروح هو هل تحتاج الدول المجاورة والمتأثرة تأثيرا مباشرا أن تدير اقتصاداتها وفق مفاهيم مختلفة تستلهم نظريات اقتصاد الحرب أو مبادئ اقتصاد الأزمات على اقل تقدير؟.

فمن المسلم به أن الدول أطراف الحرب مثل روسيا واكرانيا والسودان واليمن يجب أن تبتعد عن السياسات الاقتصادية العادية وتلجأ إلى تطبيق مبدأ اقتصاد الحرب.. هذا قولا واحدا.

أما الدول المتأثرة بهذه النزاعات المسلحة بشكل غير مباشر مثل دول أوروبا الشرقية في محيط أوكرانيا ومثل دول الشرق الاوسط فهل تحتاج هي الأخرى إلى استلهام مبادئ وأنظمة اقتصاد الأزمات لمواجهة التحديات التي تفرضها هذه النزاعات واثارها السلبية في الضغط علي الموارد وتقليص العوائد والايرادات وتراجع الاستثمارات وزيادة معدلات الانفاق.

فكل ذلك مع طول مده النزاعات ودون وجود لحلول قابله للتنفيذ في الأفق القريب يجعل من المنطقي التأكيد علي طرح سؤال هل من الضروري أن تعمل هذه الدول سريعا علي تعديل خططها واهدافها الاقتصادية وبنود موازنتها العامة بما يناسب حقيقة الازمات المستمرة بعيدة عن التفائل المفرط وبما لا يسمح بتفاقم الأزمات التي تنتجها بالتبعية هذه النزاعات المجاورة؟.

ومن البديهي، أن الإجابة على هذه التساؤلات ترتبط ارتباطاً مباشراً بالظروف الاقتصادية لكل دولة ومدى تأثرها بالأزمة ومدى قدرتها على التعاطي مع متغيراتها السلبية وقدرتها علي استغلال أو استثمار ما قد يلوح في الأفق من فرص بديلة بما يضمن الحد من الآثار السلبية المحتملة وتعظيم الفرص والعوائد المتوقعة مع ضرورة أن يخضع ذلك لمفهوم واسع يستلهم الدروس التاريخية وتجارب الدول السابقة لتحقيق أقصي استفادة ممكنة وتحييد معظم العناصر غير الإيجابية إلى أكبر حد ممكن في مخطط استراتيجي يستلهم من الماضي لفهم الحاضر وقراءة المستقبل.