فواصل

‫ جسر الفشل الأمريكى

أسامة عجاج
أسامة عجاج

لست من أصحاب التعامل مع أمريكا على انها (سوبرمان ) ، تأمر فتطاع، وأميل الى مدرسة (عدم التهويل من قدرتها، أو التهوين من امكانياتها) ، هى فى النهاية دولة كبري، تتصدر المشهد الدولي، لها مصالح بطول وعرض الكون ، ولكنها تواجه تحديات من دول أخرى قادمة وبشدة للمنافسة، الصين وروسيا،  وتتعرض لاخفاقات وانتكاسات، هزيمة فى فيتنام ، خروج مذهل من افغانستان، وصراع على البقاء فى العراق ، وعدم القدرة على تنفيذ أجندتها فى منطقة الشرق الأوسط، أمام جماعات مقاومة وعناصر مسلحة فى عدد من الدول العربية.


ولعل مشروع الجسر أو الميناء البحرى امام شواطئ غزة، يمثل أحد أبرز أوجه (الفشل البين) فى الآونة الأخيرة، للسياسة والامكانيات والقدرات الأمريكية، فالفرق شاسع بين الحملة الإعلامية، التى قامت بها واشنطن للتبشير بالمشروع الذى سينهى الأزمة الانسانية فى قطاع غزة ،منذ اليوم الأول لخطاب لرئيس بايدن فى السابع من مارس الماضي، حيث وصف المشروع بأنه ( سيؤدى الى زيادة عظيمة، فى حجم المساعدات الانسانية الداخلة الى غزة كل يوم) وبدأ العمل فى المشروع فى الخامس والعشرين من ابريل الماضي، والتكلفة ٣٢٠ مليون دولار، وسط تشكيك كبير فى الأهداف المخفية منه، فالبعض تحدث عن ان  المشروع مرتبط بفكرة التواجد الأمريكى فى المنطقة، وسرقة الغاز فى المياه الخاصة بالقطاع، بعد المسح الذى تم فى عام ٢٠١٠ ،وكشف عن انها تعوم على بحر من البترول والغاز، بما يفوق ٢ ونصف تريليون متر مكعب من الغاز، وربطه ايضا، بدعم أمريكي، لمشروع بناء قناة بن جوريون، التى تخطط إسرائيل وإدخال جزء من سواحل القطاع داخله، وهناك اعتقاد واسع، بأنه تم استخدامه فى التحضير وانطلاق عملية الافراج عن اربعة أسرى إسرائيليين فى مخيم النصيرات، والذى نتج عنها مذبحة ضد سكان المخيم سقط فيها المئات منهم.


ومهما كان الأمر، فقد استغرق البناء حوالى شهرين، وبمشاركة ١٠٠٠ جندى أمريكي، وخلالها فشل الجسر فى مواجهة الأمواج العاتية أمام شاطئ غزة ، مرتين خلال شهرى مايو ويونيو الماضيين، وتم تفكيكه وإعادة تجميعه فى ميناء اشدود الإسرائيلي، ولم يتم استخدامه سوى ١٢ يوما فقط ، وفى فترة التشغيل كانت المساعدات تلقى على الشاطئ، لعدم وجود شاحنات لتوزيعها على المخازن، فى غياب الأمن، كما سقطت (خرافة) المساهمة فى الاغاثة الانسانية، فقد اعترف الجيش الأمريكي، بأنه لم يوفر سوى أقل من واحد فى المائة من احتياجات الفلسطينيين، والمطروح الآن وفقا للعديد من التقارير، التراجع التام عن المشروع ، وإن كان المتحدث باسم الوزارة الجنرال باتريك رايدر خفف من وقعها، وتحدث عن عدم اتخاذ القرار النهائى للمهمة، لوقف أو استمرار المهمة ، وسط تقييمات تتحدث عن أنه نموذج لاساءة الحسابات ،ووصل الأمر الى ان رئيس لجنة القوات المسلحة فى مجلس النواب الأمريكى مايك روجرز، طالب إدارة بايدن بإغلاقه، باعتباره مضيعة للمال ومحفوفا بالمخاطر وغير فعال، وأخيرا نحن أمام فشل جديد، وتخلٍ مذل من البنتاجون عن مشروع غابت عنه الرؤية الاستراتيجية والدراسات الضرورية.