آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: لا عذاب ولا ثواب بلا حساب!

حامد عز الدين
حامد عز الدين

نقطة أساسية تكررت مع كل الحالات التي تناولها الطبيب الفيلسوف الدكتور رايموند مودي، لهؤلاء الذين عادوا من الموات، وهو التعبير العربي لوصف الموت القصير خلال الجراحات الكبيرة في القلب، أو الحوادث، هي أن أحدا منهم لم يشعر بالخوف أو بالرهبة، بل إن مشاعر الراحة والهدوء والطمأنينة كانت هي التي رافقتهم في جميع المراحل. وأنهم عندما شاهدوا النور شديد الإضاءة في نهاية النفق المظلم الذي مروا به والذي وصفوه بأنه نور شديد لكنه لا يؤذي العين، شعروا بالأمان بالفعل. وفي مرحلة أخرى صوروا النور وكأنه على هيئة ملاك، وطبقا لتخيلهم الثابت طبقا لملتهم، وأنهم وهم يشاهدون شريطا لحياتهم بسرعة كان يتم التركيز على أحداث بعينها بين المواقف الطيبة والمواقف غير ذلك، لكن من دون شعور بأي قصد من تلك أو من الأخرى. وعندما بدأوا يشاهدون بعض معارفهم وأقاربهم الذين ماتوا قبلها بزمن وجدوهم جميعا بوجوه مطمئنة يرحبون بهم، وكأنما أتوا لاستقبالهم بحب ومحبة. 

ولأن الذين عادوا من الموات، عادوا جميعهم إلى الحياة فقد اتفقوا على أنهم بعد عودتهم لم يعودوا يخشون الموت، وأصبحوا أكثر هدوءا واطمئنانا، وقدرة على فهم ما يقصده الآخرون أو ما يشعرون به تجاههم في الحياة الدنيا دون جهد. وكأنهم أصبحوا أكثر شفافية .   

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوي سؤالا واضحا: هل هناك عذاب في القبر؟  فكان رده ببساطة وتلقائية: وهل يمكن أن يكون هناك عذاب قبل الحساب؟. وأكد الشيخ محمد متولي الشعراوي، ردا على سؤال الفرق بين عذاب القبر وعذاب الآخرة، إنّ القبر ليس فيه عذاب، لأنه لا عذاب إلا بعد حساب، والحساب يكون في الآخرة، قائلا: «لا يوجد عذاب في القبر، لأنه لا عذاب إلا بعد حساب، والحساب هيبقى في الآخرة، إنما القبر بس شُروة الحياة مُنعت من النفس، وشاف نفسه مجندل في التراب، فيعرض عليه عذابه في الآخرة، إن كان صالحًا يعرض عليه العذاب، وإن كان مؤمنًا يعرض عليه الثواب، يقوم طول ما هو شايف الحاجة الحلوة يبقى في سرور، وشايف الحاجة اللي بتنتظره في الآخرة يبقى فيه عذاب. وأضاف الإمام الشعراوي خلال حواره: «يبقى كده عذاب القبر عرض لمنازل الآخرة، ولذلك اقرأ قول الله سبحانه وتعالى في (قوم فرعون) في الآية 46 من سورة غافر: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ). 

الزمن بالنسبة للإنسان يبقى إيه؟ حياته، مماته، وبعثه، هم في الحياة معرضوش على النار آل فرعون، خلاص، إذن لم يبق إلا زمنان اثنان، زمان الموت اللي هو البرزخ، وزمان الآخرة، أما زمان البرزخ فقال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا)، ولما زمان الآخرة، ويوم تقوم الساعة، قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، يبقى هنا عرض وهنا إدخال، وهذا الفرق بين الاثنين، بحسب تصريح الشيخ الراحل. 

ولأنه لا حساب إلا بعد البعث. فإن الله سبحانه وتعالى أمهل إبليس إلى ذلك اليوم كما ورد في قوله تعالى في سورة الأعراف: قَالَ «قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15)» . وقال العلماء: وهذا الإنظار رمز إلهى على أن ناموس الشر لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا، وأن نظامها قائم على التصارع بين الخير والشر، وبين الأخيار والأشرار. بل إن كفار قريش كانوا يستعجلون الله سبحانه وتعالى، فيرد بأنه أجل مسمى كما ورد في الآية 53 من سورة العنكبوت: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). 

والغريب أن معظم الأخبار المخيفة عن عذاب القبر وما يشبهها من أحاديث الثعبان الأقرع، إنما هي أخبار ثبت كذبها، واعتبرت من الإسرائيليات المدسوسة في الكتب الصفراء التي تستهدف دس ما يسيء إلى الإسلام، وما يخيف هؤلاء الذين يقبلون على محاولة فهم الإسلام، وتقع أيديهم على أحاديث مثل تلك التي تتعلق بتارك الصلاة وهي من الباطل والمنكر ومن الأمور المبتدعة في الدين ومن القول على الله بلا علم، وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أن ذلك من أعظم الذنوب، فقال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) «الأعراف: 33». فليتق الله عبدٌ يسلك هذه الطريقة المنكرة وينسب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يصدر عنهما، فإن تحديد العقوبات وتعيين الجزاءات على الأعمال، إنما هو من علم الغيب ولا علم لأحد به إلا من طريق الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في الكتاب ولا السنة الصحيحة شيء من ذلك البتة. 

ولعل المتابع عبر عشرات المنازلات والخناقات عبر الإنترنت في وسائل التباغض الاجتماعي وما يجرى بين قراء الكتب الصفراء ومن الذين يفتون في الدين بغير علم، يعلم حجم الكارثة التي وصلنا اليها، بعدما هجرنا كتاب الله القرآن الكريم، وصرنا نتفاخر بصنع المعارك فيما بين الجهلة والأفاقين ومدعي العلم وأصحاب المذاهب. اللهم ثبتنا على دينك وتوفنا مسلمين لك وأحسن خاتمتنا يا أرحم الراحمين.

وإلى الأسبوع المقبل بمشيئة الله، إن كان في العمر بقية.