رسائل مبكرة في صيف الجحيم المناخي بدأت بـ"ربيع ملتهب" وموجات حرارة غير معتادة

عالم المناخ في جامعة إمبريال كوليدج في لندن لموقع "بوليتيكو"
عالم المناخ في جامعة إمبريال كوليدج في لندن لموقع "بوليتيكو"

في يوليو من العام الماضي، قال فريدريك أوتو، عالم المناخ في جامعة إمبريال كوليدج في لندن لموقع "بوليتيكو": " من الممكن أن يكون صيف 2023، هو الصيف البارد في المستقبل ما لم نسعى للسيطرة على تغيرات المناخ".

جاء تعليق فريدريك في سياق دراسة دولية شارك فيها، وخلصت إلى أن درجات الحرارة القياسية غير المسبوقة التي شهدها العالم في شهر يوليو من العام الماضي، لن تصبح غريبة بعد قيام البشر بتدفئة الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما بدأ يترجم بشكل واضح في صيف 2024، عبر رسائل مناخية مبكرة تنبئ بجحيم مناخي، بدأت بوادره بـ"ربيع ملتهب" و "موجات حرارة غير معتادة".

وإذا كانت العبارة المعتاد سماعها في السنوات الماضية، هي أن درجات الحرارة المرتفعة التي تحدث في بعض الأيام هي نتاج تغيرات المناخ، فإن تعليق فريدريك يعكس تجاوزنا هذه المرحلة، فلم يعد هذا الطقس المتطرف نتاج تغير المناخ، بل إنه صار "تغير المناخ " نفسه، كما يوضح سكوت دينينج، أستاذ علوم الغلاف الجوي بجامعة ولاية كولورادو الأمريكية، في مقال نشره بموقع "ذا كونفرسيشن".

الفرق بين الطقس والمناخ

ولفهم ما يعنيه دينينج، علينا معرفة الفرق بين الطقس و المناخ، فالطقس يشير إلى الظروف الجوية قصيرة المدى في مكان وزمان محددين، ويتضمن التغييرات التي تحدث على مدار دقائق أو ساعات أو أيام أو حتى أسابيع، بينما المناخ، يشير إلى متوسط أنماط الطقس على مدى فترة ممتدة.

ولتوضيح هذا الفارق، لنفترض أن الجو حار جدا في مدينتك يوما ما، حيث تصل درجة الحرارة إلى 43 درجة مئوية، فهذا اليوم الحار تحديدا يشبه استيقاظك وأنت تشعر بالنشاط بشكل استثنائي غير معتاد، لكن إذا كانت إذا لاحظت أن هذا الصيف قد شهد عدة أيام تصل فيها درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، فهذا يشبه شعورك بأنه أصبح لديك نمط ثابت من النشاط، وبالتالي فإن توالي موجات الحرارة يخرجها من نطاق تأثيرات الطقس إلى تأثيرات تغير المناخ، وهذا ما تشهده عده مناطق من العالم مؤخرا، ومنها مصر.

وكان متوسط درجة حرارة سطح الأرض قد ارتفع بمقدار درجة مئوية واحدة في عامي 2016 و2020 ، مقارنة بمتوسط القرن العشرين، ثم واصلت درجات الحرارة في الارتفاع، حتى وصلنا لمستوى قياسي في صيف 2023 ، ويبدو أننا متجهين لوضع ربما يكون أسوأ، كما توقع فريدريك.

وتأثرت مصر على سبيل المثال، العام الماضي بموجة طويلة شديدة الحرارة كانت في شهر يوليو ٢٠٢٣ تجاوزت مدتها ٣ أسابيع، ولكن خلال فصل الربيع الحالي شهدت تلاحم للموجات الحارة، والموجة ذاتها أصبحت طويلة وتتجاوز مدتها الأسبوع والعشر أيام.

تكرار الموجات الحارة والتحامها

وتقول  د.منار غانم، عضو المركز الإعلامي للهيئة العامة للأرصاد الجوية لـ "الأخبار"، أن هذه الظواهر لم تكن شائعة في الماضي، وتعني أننا أصبحنا في قلب التغيرات المناخية، والتي بدأت تؤدي الى التغير في أنماط التوزيعات الضغطية التي تؤثر على كل دول العالم، ومنها مصر.

وأوضحت أن الدليل على ذلك، هو أننا أصبحنا نشهد ظواهر مناخية لم نعتد عليها بشكل كبير في الماضي مثل تكرار الموجات والتحامها.

وأشارت إلى أنه في كل أسبوع أصبح هناك موجة وتكون طويلة بشكل كبير، والمشكلة ليست في قيم درجات الحرارة ، فقد سجلنا نفس المستويات خلال الأعوام الماضية، لكن المختلف هو تكرارها بشكل كبير واستمراها لفترة طويلة، وهو ما يجعل المواطن يشعر بقيم درجات الحرارة المرتفعة بشكل كبير.

وخلال الموجة الأخيرة يومي الخميس والجمعة الماضيين، سجلت محافظة اسوان قيم درجات حرارة أعلى من الطبيعي، ولكن من خلال البيانات المناخية التابعة للهيئة العامة للأرصاد الجوية، فإنه في بعض الأعوام الماضية تم تسجيل قيم درجات حرارة مقاربة لـ ٥٠ درجة مئوية في محافظات الصعيد، مثلما حدث في يوم ٦ يونيو ٢٠٠٦ ، حيث سجلت دراو في اسوان قيم درجات حرارة ٤٩.٦ درجة أي تقترب من ٥٠ درجة مئوية، وأيضا بعض المناطق في الخارجة في ٣١ يوليو ٢٠٠٢ ، سجلت قيم درجات حرارة تقارب الخمسين درجة مئوية.

وتقول غانم: " وبالتالي هذه ليست المرة الأولى التي نسجل فيها قيم حرارة أعلى في مصر، ولكن المشكلة في التكرار، فمنذ أكثر من ١٨ سنة لم نسجل هذه القيم، ولكن هذا العام في يومين فقط سجلنا هذه القيم المرتفعة".

وعن سبب الموجة الحالية أكدت غانم، أن البلاد ستتأثر بوجود امتداد لمرتفع جوي في طبقات الجو سيعمل على زيادة فترات سطوع أشعة في الشمس ويعمل على إحساسنا بارتفاع قيام درجات الحرارة ويؤدي لارتفاع قيم درجات الحرارة، وأيضا الكتل الهوائية الصحراوية معظمها قادم من صحراء شبه الجزيرة العربية ثم تتجه لجمهورية مصر العربية، وستكون هذه الكتل مرتفعة بشكل كبير في قيم درجات حرارتها.

وتتوقع غانم، أن يكون ذروة هذه الموجة من غداً الخميس وتستمر حتى السبت وقد تتراوح درجات الحرارة العظمى على القاهرة الكبرى ما بين ٤٠ إلى ٤٣ درجة مئوية خلال فترة النهار، وأيضا محافظات الصعيد ما بين ٤٧ إلى ٤٨ درجة مئوية.