إنك ذاهب إلى البار

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يوسف رخا

تخيلتُ عملى السردى الثانى عبارة عن ثلاثة نصوص متساوية الحجم، كل واحد منها رواية منفصلة لكنها تجتمع لتخلق جسدًا. وكان المثلّث فى رأسى كالآتي:

١-العشق/الشعر: الثورة (التماسيح – ٢٠١٣)
٢-العنف/الفوتوغرافيا: الثورة المضادة (باولو – ٢٠١٦)
٣-الموت/الموسيقى: ما بعد الثورة 

كان (١) جاهزًا وتبعه (٢) بسرعة – وإن تأخر نشره لأسباب رقابية – لكن (٣) ظل معى مثل وجع أو سؤال. كان عندى إحباط فى المحيط والرفاق. لكن كان عندى أيضًا حيرة، لا أعرف ما يمكن أن يكونه (٣) سوى أننى سأكتب عن الحياة بعد الموت، ويكون تركيزى على نايف الذى مات فى (١) فى حادث سيارة على الطريق الصحراوى وهو يقتفى أثر حبيبته سنة ٢٠٠١. لكن كيف يعيش واحد ميّت فى رواية موضوعها الربيع العربي؟ 

نايف البار لا يمت لنايف التماسيح بصلة لكنى أردتُ أن أحتفظ بطريقة موته فجعلته هنا أيضًا يموت فى حادث سيارة على الطريق الصحراوى وهو يقتفى أثر حبيبه. وكانت أوحشتنى أحلى شخصيات عملى الأول كتاب الطغرى: الممسوس أمجد صلاح.

فاستعرته هو الآخر ليكون ضحية الحادث الثانية ويرافق نايف إلى البار حيث يستعيد كل منهما حياته وهو لا يدرك أنه مات حتى اللحظة الأخيرة. ومَن عساه يقوم بدور ملاك الموت الذى يستقبلهما أفضل من المرحوم إسماعيل يس؟

أما ما بعد الثورة فى الرواية فيتلخص فى نفورى من حملات التجريس والأذية التى شهدتها فترة وقوع الأحداث، بعد نحو عشر سنين من اعتصام الأيام الثمانى عشر.

فكرة الثلاثية أنها تعالج جوانب مختلفة من ثورة يناير، والثورة فى كل مراحلها عكست ما يحصل على الإنترنت من اختلاط الواقعى بالافتراضى والأخلاقى بالتجارى فضلًا عن الخاص بالعام. والآن بدا لى أن هذه الحملات التى تشن بدعوى مواصلة النضال لا تفعل سوى أنها تدمر مساحات الخصوصية والحميمية الضيقة أصلًا فى مجتمعنا. 

كان هذا أصبح هاجسًا، بعدما استورد النشطاء «مى تو» دون أن يطرحوا سؤالًا عن معناها بالقياس على احتياجاتنا واختلافها عن احتياجات الأمريكان.

وأردت أن أشتبك مع ذلك الهاجس بنفس الروح النقدية التى اشتبكت بها مع الحلم والكابوس فى التماسيح وباولو، لكنى لم أرد أن يوصم اشتباكى بالقدح فى الحراك النسوى أو تشكيك فى معاناة النساء.

لهذا جعلت الشخصية التى يقع نايف فى حبها شابًا بدلًا من فتاة. هكذا طرحت الأسئلة التى عندى بلا تشويش. 

على غير انتظار، ولأول مرة فى حياته وهو كهل، كان نايف يتعذب فى غرام شاب سميته باولو – لا علاقة له بباولو القاتل المتسلسل – بينما أمجد يعانى من ملاحقة الفضائيين له وسيطرتهم على حياته... وإسماعيل يس يكشف لهما الحقيقة وهما يشربان. وكنت أنا أريح ضميرى من مشروع له عشر سنين لم يكتمل من خلال نص نحيف أصغر حجمًا من النصين السابقين لكنه ربما أيضًا أصفى وأطرب.