«كفافيس».. من أهم شعراء الشعر الغربي الحديث

كفافيس
كفافيس

تعج شوارع مصر بالكثير من الأسرار التي احتفظت بالكثير من الوقائع والأحداث وكانت شاهدة على تاريخ الوطن.

وتعد الشوارع كتابا مفتوحا يروي تاريخ المدينة والأحداث التي وقعت بها، وتعد اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع هي صفحات الكتاب.

ولأسماء شوارع مصر تاريخ معروف، حيث إنه قبل عهد محمد علي باشا كانت الأحياء والمناطق تحمل اسم القبيلة التي عاشت فيها في البداية أو منطقة يتجمع فيها أرباب حرفة معينة بينما البعض الآخر يحمل اسم صاحب قصر بني بهذه المنطقة.

وقرر حينها محمد علي أول حاكم لمصر إصدار مرسوم بتحديد أسماء الشوارع وتركيب لافتات تدل عليها وأرقام لكل مبني.

اقرأ أيضا| حكاية شارع| حسن الإسكندراني.. «أمير البحار» في حرب القرم

وتصحبكم «بوابة أخبار اليوم» في جولة لأهم شوارع الإسكندرية وأشهرها وتاريخها، من بينها شارع قسطنطين بتروس فوتياديس كفافيس.

مولده ونشأته:

ولد الشاعر "قسطنطين بتروس فوتياديس كفافيس"، الذي اشتهر باسم "كفافيس"، بأحد منازل شارع شريف بالإسكندرية في 29 إبريل عام 1863. وكان والداه "بتروس"، و"خاريكليا" أو "هاركليا" المنحدران من عائلة "فوتياديس" قد هاجرا من إسطنبول إلى الإسكندرية. 

كلمة "كفافي" تعود إلى أصل تركي ومعناها "الإسكافي" أي صانع الأحذية، وفقا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

كان والد كفافيس تاجرًا كبيرًا بالغ الثراء، ويقال إنه أول من أدخل صناعة حلج القطن في مصر، وكان له مصنعان في كفر الزيات، ومتاجر في منيا البصل، ومكتب حاصلات زراعية في زيزينيا بالإسكندرية، ومكتب آخر في الموسكي بالقاهرة.

كان صديقًا للخديو إسماعيل، الذي أهداه "الوسام المجيدي" في افتتاح قناة السويس، كما كان الخديو "سعيد" أيضًا صديقًا لهذه العائلة اليونانية. ويقال إنه كان ينفق 4 آلاف جنيه في العام، وذلك في القرن التاسع عشر.

وقد أنجب والد كفافيس من الأبناء 9 أصغرهم "كفافيس" الشاعر، وكان لكفافيس أخوان يمارسان الرسم كهواية.

ولم تكن صلة كفافيس بأبيه كبيرة، ولم يكن الأب يكترث بصغيره كثيرًا؛ فقد ولد له بعد 8 من الأولاد شبع من تدليلهم، وكان الأب في سنواته الأخيرة غارقًا في مشاكله منصرفًا إلى تدبير أمور معاشه، فبعد أن كان قد جنى ثروة كبيرة من أعماله التجارية تدهورت أحواله المالية في أخريات أيامه فمات تحت وطأة الحسرة، ولم يترك لأسرته ثروة تذكر.

كان كل من الأب والأم زوجين متحابين متفاهمين، انحدرت الأم من أسرة يونانية ثرية، وكان الأب إلى جانب ثقافته بارعًا في شئون التجارة والمال، نزح إلى الإسكندرية عام 1845 في الثلاثين من عمره، واستقر بها يمارس تجارة المنسوجات والأقمشة التي كان يستوردها من أخيه بإنجلترا، ثم اشتغل أيضا بتجارة الحبوب والمحاصيل، وأنشأ كثيرًا من محالج القطن، وامتلأت حياته بالأعمال والمشروعات والصفقات، وحقق من كل ذلك ثروة كبيرة، وفي عام 1848 عاد إلى أسرته بالآستانة وتزوج.

الأم كانت ابنة لتاجر ماس تزوجت الأب وهي في سن الرابعة عشرة، وقد ظل كفافيس يحتفظ بذكرى أمه على الدوام في أعماقه، كانت امرأة جميلة أنيقة، وكان كفافيس يهيم بها حبًا، ولم تستطع امرأة أو فتاة أن تصل لمكانة أمه في نظره من ناحية الجمال وغيرها، وكانت الأم تبادله الحب، وإلى جانب هذا كانت امرأة ولودًا، أنجبت 9 أبناء في أقل من خمسة عشر عامًا.

وحينما بلغ كفافيس السابعة من عمره توفي والده في 10 أغسطس 1870، عن 55 عامًا، ودفن بمدافن الأسرة في الشاطبي.

وكانت أمه في السادسة والثلاثين حين مات زوجها، ولم تنجب الأم غير ابنة واحدة هي أخته "هيلليني"، التي لم تعش طويلًا، وجاء هو في أعقابها، وقد تعلم القراءة والكتابة في المنزل، وكانت له مربية ومدرس خاصان يقيمان في بيتهم بشارع شريف.

وقد ظل كفافيس حبيس البيت يحيا حياة الترف حتى السادسة عشرة من عمره، على أنه لم يكن يريد التحرر من نفوذ أمه، فلم يكن يطيق الابتعاد عنها. 

وقد التحق بالمدرسة التجارية بالإسكندرية، التي التقى فيها بشخصية أثرت فيه كثيرًا. ناظر المدرسة "قسطنطين بابازي"، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التاريخ والفلسفة من الجامعات الألمانية.

ولم يحصل كفافيس على شهادة جامعية، ولم ينتظم في تعليمه لكنه استكمله بنفسه فيما بعد من خلال قراءاته الخاصة، وكان كفافيس يجيد إلى جانب لغته اليونانية، الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، واهتم في دراساته بالتاريخ اليوناني والكلاسيكيات والأدب الأوروبي بوجه عام.

أما عن أسفاره فقد أمضى بعض سنوات طفولته في إنجلترا، كذلك زار فرنسا، لكنه لم يزر "أثنيا" إلا لفترة زمنية قصيرة بين عامي 1900 و1901، وكان ذلك للمرة الأولى في حياته، أي عندما كان في حوالي السابعة والثلاثين من عمره.

وقد رأى كفافيس في صباه غزو الإنجليز للإسكندرية وقذفها بالقنابل عام 1882؛ فكان على خلاف كثير من أجانب ذلك العهد، تألم لضرب مدينته ولم تطاوعه نفسه، عندما شب عن الطوق، على الهجرة من الإسكندرية الحبيبة رغم الدعوات التي وُجِّهت إليه للإقامة في أثنيا.

واضطر للسفر مع أمه وأسرته إلى الآستانة بعد الاعتداء على الإسكندرية، وأقاموا عند جده، ثم عاد عام 1885. 

كانت آخر أسفاره عام 1932، عندما مرض بسرطان في الحنجرة، وسافر إلى اليونان للعلاج ثم أصر على العودة إلى الإسكندرية، لكنه كان قد فقد القدرة على الكلام.

وظائف كفافيس

استطاع كفافيس الحصول على وظيفة متواضعة في وزارة الري بمكتبها بالإسكندرية في عام 1889، وتدرَّج في سلم الوظيفة، فأصبح في إبريل 1892 كاتبًا بمرتب قدره 7 جنيهات، ثم بلغ مرتبه 24 جنيهًا في يناير عام 1913.

وفي شهر أبريل 1922 استقال من عمله وخلد إلى العزلة، فقد ماتت أمه عام 1899، وفارق من بعدها إخوته وأحباءه وأحس بالوحشة، لكنه ظل ملتصقًا بمدينته لا يغادرها رغم الدعوات الكثيرة التي وجهت إليه من الأوساط الأدبية في أثينا.

لم يكن كفافيس يحب ثرثرة الناس، ولا العقول الجوفاء؛ لهذا كان يعتكف في صومعته خافتة الضوء، إذا زاره ضيف يحبه أضاء له شمعة ثانية، فإذا ضاق بالضيف أطفأ الشمعة إيذانًا بانفضاض الجلسة.

بداياته الشعرية:

بدأ كفافيس نظم الشعر منذ فترة مبكرة، ربما بعد عودته من الآستانة عام 1885 وعلى وجه التحديد عام 1886، ونشرت أول قصيدة له عام 1891 في مجلة اسمها "المساء ESPEROS"، ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية حياته لم يتوقف عن تأليف الشعر، وكتابة المقالات والملحوظات النقدية والدراسات المتنوعة في المجلات والدوريات التي كانت تصدر في الإسكندرية، وإستانبول، وأثينا، وغيرها من العواصم الأوروبية.

وكان أول ناقد يقدمه إلى القراء في أثينا هو عضو الأكاديمية "جريجوريوس كسينوبولوس"، وذلك في مجلة "باناثينا" في 40 نوفمبر 1903.

 كما أشار إلى عبقرية كفافيس الناقد الإنجليزي "فورستر"، الذي كتب عنه عام 1919: إن كفافيس بالغ القوة وبالغ العظمة، وهو واحد من البارزين في الحركة الفكرية والثقافية.

وفي الواقع أن كفافيس استمد موضوعات قصائده من التاريخ بعصوره المختلفة، وبخاصة من تاريخ الإسكندرية في العصر الهيللينستي، وتاريخ العصور البيزنطية، وتاريخ العصر الكلاسيكي القديم لحضارة اليونان، كما أنه استمد كثيرًا من موضوعات قصائد من الحياة المعاصرة ومن وقائع حياته الشخصية.

وإلى جانب ما نشره كفافيس في المجلات والدوريات، وما أصدره بنفسه في كتيب عام 1904 يحتوي على 14 قصيدة أعاد نشرها من جديد عام 1910 مع سبع قصائد أخرى، كان ينشر عادة قصائده متفرقة بعد أن يتم نسخها على وريقات توزع باليد على مريديه ومحبيه، ومن أجل هذا السبب بالتحديد يصعب أن نجد قصائده محفوظة بذات العنوان أو الصورة من التأليف، إذ كان يقوم بتعديلها أو تقييمها كل فترة، أو يقوم بطبعها ثم نشرها مرة أخرى.

وفاته

بعد أن أمضى كفافيس حوالي 30 عامًا في الإسكندرية، سافر إلى أثينا لأنه أصيب بمرض السرطان في الحنجرة، وخضع للعلاج فترة، ثم رجع إلى الإسكندرية، لكن حالته ازدادت سوءًا فدخل مستشفى الجالية اليونانية بالإسكندرية. 

وفي 29 إبريل 1933 فاضت روحه إلى بارئها، عن عمر يناهز 77 عامًا.

وقد تحول بيت كفافيس في الإسكندرية، الذي يقع خلف مسرح سيد درويش في محطة الرمل لمتحف، كان قبلها فندقًا يسمى "بنسيون أمير"، واشترته القنصلية اليونانية في الإسكندرية وحولته لمتحف عام 1991.

ديوان كفافيس:

كانت أول طبعة كاملة من قصائده، هي الطبعة التي أصدرتها مجلة "الفن السكندري Alexandrine Techne" عام 1935، وهي مجلة بدأت في الانتشار منذ عام 1926، وهو العام الذي حصل فيه كفافيس على وسام "النخلة الذهبية" من حكومة "البنغال".

ويتألف ديوان كفافيس، من حوالي 154 قصيدة، بالإضافة إلى عدد ما يقرب من 20 قصيدة أخرى لم تكن منسوبة إليه، وأعيد نشرها بعد وفاته على يد عدد من النقاد والباحثين.