حكايات| زكي طليمات يعالج «لدغة» فاتن حمامة في حرف الراء !

فاتن حمامة
فاتن حمامة

جاءت الطفلة المعجزة فاتن حمامة إلى الدنيا فى 27 مايو من عام 1931، أطلقت صرختها الأولى مثل كل مولود فى مدينة المنصورة، وبدأت مشوارها الفنى وهى ما زالت طفلة تملك من الجرأة انتقاد المطرب محمد عبد الوهاب الذى يتسبب فى إعادة تصوير المشاهد المشتركة بينهما فى فيلم «يوم سعيد» أكثر من مرة، وطلبت من مخرج الفيلم محمد كريم أن يستبدل عبد الوهاب بممثل آخر يستطيع حفظ دوره !

واليوم نستعيد المشهد التالى الذى حدث فى اليوم الأول من بدء الدراسة بالمعهد العالى لفن التمثيل العربى، المشهد لم يكتبه مؤلف لكنه جرى بين الأستاذ زكى أفندى طليمات مؤسس المعهد وأصغر تلميذاته فاتن حمامة فى الدفعة التى كانت تضم: نعيمة وصفى وفريد شوقى وحمدى غيث وشكرى سرحان وعبد الرحيم الزرقانى، كان الطلبة يطلقون على زكى طليمات لقب «الجرادة» لأنه عندما كان يراقب عليهم فى امتحانات القبول التحريرية كان يتنقل بينهم بقفزات الجرادة لكى يضبط من تسول له نفسه جريمة الغش.

 

وقد أراد الأستاذ المعروف عنه الصرامة والجدية أن يذيب الرهبة والجمود من نفوس تلاميذه من الحصة الأولى، فتعمد أن يتفكه معهم واحداً وراء الآخر إلى أن وقعت عينه على «العروسة» التى وصفها فى كتابه «وجوه وزكريات» بأنها كانت تجلس خلف تلميذٍ فى حجم الفيل ينمو فيه كل شيء من غير حساب، بينما هى كانت شيئاً صغير الحجم ينمو بحساب دقيق ويؤلف قطعة من فتاة وسيمة، وجه صغير بالغ الوسامة كوجه العرائس الغالية، تتحرك فيه وبلا انقطاع عينان واسعتان يختفى وراءهما قلق وفضول لا ينقطع.

 

أشار لها زكي طليمات بيده وهو يقول لها: «تعالى هنا يا عروسة»، وقفت وهى تحتج قائلة: «أنا مش عروسة يا أستاذ»، فقال مندهشاً من جراءتها: «طب ما تزعليش بكرة تبقى عروسة، اسمك إيه بقى؟»، أجابته «فاتن حمامة»، تفكه معها قائلاً «على كده بتعرفى تطيرى يا شاطرة؟»، قالت بجدية: «يعنى إيه؟».

 

فقال: «مش انتي حمامة؟»، ردت بحزم: «لأ.. أنا فاتن»، واصل تفكهه متسائلاً: «وأزاى يا فاتن أفندى يبقى نصف اسمك الثانى مؤنث؟»، ضجت القاعة بالضحك فنهر الأستاذ تلاميذه وعاد ليسألها عن سنها فلم تجب، كرر السؤال فصمتت.

◄ اقرأ أيضًا | في ذكرى ميلاد فاتن حمامة.. سر خروج ابنها من المدرسة

قال الأستاذ فى نفسه: إن الصغيرة على حداثة سنها أدركت بغريزة جنسها ما يجب أن تفعله أمام سؤال كالذى وجهه لها، فطلب منها أن تصعد إلى المنصة لتمثل أى دور مما تحفظ، وجاءت النتيجة وفقاً لتقييم الأستاذ كالتالى: «لم يكن فيما قدمته فاتن شيء من الحذق الفنى، من الصنعة فى أحسن حالاتها، ولكن كان هناك أشياء تنبئ عن فطرة سليمة، صوتها ضعيف لكنه ثاقب وساخن ينفذ إلى القلب، تحس ما تقول إحساساً عميقاً يرتسم على كل أعضاء جسمها، مثل صندوق آلة الكمان أو العود الذى يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف».

 

ولاحظ الأستاذ أن حرف الراء يتحول على لسانها إلى حرف «الغين» على طريقة أهل باريس، وهذا عيب جوهرى من عيوب النطق بالنسبة لأساتذة فن الإلقاء، للأسف العروسة الجميلة فاتن تأكد أنها «لدغاء» وعلى الأستاذ معالجة هذا العيب، لذا صرخ فيها قائلاً: «طلعى لسانك»، وجمت فاتن ثم فتحت فمها ثم أغلقته وهى تحتج على هذه المعاملة وتؤكد أن «لسانها مش ناقص حتة!».

ويقول زكى طليمات: «كنت أعرف أن لدغة فاتن لا ترجع إلى نقص فى الخلقة بدليل أن بقية الحروف تجرى على لسانها سليمة، لدغتها ترجع إلى كسل فى طرف لسانها، فهو لا يتذبذب بالسرعة اللازمة لتكوين حرف الراء ونطقه سليماً، فجعلتها تتعرض لهزات من الانفعالات والغضب التى يثور معها الدم وصحت بها: «مفيش يا فاتن غير الفرنسيين اللى عندهم اللدغة دى»، فبادرتنى بتحدٍ قائلة: «لكن أنا مصرية ومش فرنساوية» وتعمدت أن أستفزها أكثر فقلت: «طيب اسألى أبوكى»، ردت منفعلة: «أبويا مصرى وجدى مصرى».

 

واصلت استفزازها أكثر قائلاً: «طب اسألي والدتك»، وضج الطلبة بالضحك وأدركت فاتن المعنى المختبئ وراء ما قلت فانتفضت يرتجف كل ما فيها، وهنا صحت بها قائلاً: «كان لازم تخلى الجزمجى ياخد لك غرزة فى لسانك قبل ما تيجى تدرسى بالمعهد»!

 

كتب الأستاذ زكى طليمات على السبورة عبارة طويلة تحتوى على عددٍ من حروف الراء وأمر فاتن بأن تقرأها بسرعة وفى مرات متتابعة، واندفعت فاتن وهى غاضبة تنفذ ما أمُرت به ووقعت الأعجوبة، بدأت اللدغة تفقد حدتها تدريجياً ثم تلاشت، فصفق لها الأستاذ وهو يقول: «أحسنت يا فاتن، هذا التمرين تباشرينه كل يوم عشر مرات مع بقية التمارين الأخرى التى سنعالجها فى الدرس القادم»، وانتهى المشهد الذى صنع لنا سيدة الشاشة العربية وخلصها من عيبٍ أساسى فى آلة النطق على يد الصارم زكى طليمات أستاذ هذا الجيل ومؤسس أكثر من معهد للفنون المسرحية بالمنطقة العربية.