قضية ورأى

مستقبل إسرائيل فى الإقليم

د. طارق فهمى
د. طارق فهمى

د. طارق فهمى

فقد ثبت جديا أن إسرائيل غير قادرة على التواجد فى محيط مقبول، أو أنها قادرة على دفع ثمن للسلام

وفقا لرؤية موضوعية تناقش فى الدوائر الأكاديمية الرصينة فى إسرائيل، فإن السؤال اللافت والمهم الذى يثار فى الوقت الراهن هل لإسرائيل وجود فى الشرق الأوسط، أو أن الدولة العبرية لن يكون لها دور أو حضور، وستتعرض فى الفترة المقبلة لمزيد من المخاطر، والتى تدفع إلى إضعاف إسرائيل، وإنهاك قدراتها السياسية والاقتصادية نتيجة ما يجرى من استهدافها من الجبهات المعادية، وأن إسرائيل وبرغم ما يجرى فى مسألة غزة، والبحث عن صيغة جديدة  للتعامل، ومواجهة ما يجرى من تطورات إلا أن وجودها بات إلى 100 عام مشبوب بحذر كبير، وتخوفات حقيقية من اليوم التالى وتحول قدرات إسرائيل إلى قوة عقيمة، وليس قوة ذكية أو خشنة إضافة لما تمتلكه إسرائيل من قوة ناعمة فى العالم كانت قادرة على التأثير والإقناع بقوة الدولة العبرية فى محيطها الراهن، ووسط دول ما تزال معادية برغم عملية السلام مع مصر والأردن إضافة إلى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، إلا أن هذا السلام يحتاج وفقا لمقاربة إسرائيلية للمراجعة والتجاوب مع ما يطرح عربيا فى إطار المشروع العربى للسلام.


وتراهن الكثير من الدوائر البحثية والأكاديمية على أن إسرائيل تواجه لحظة فارقة فى عمرها فى الإقليم، وأنه ما لن يتم اتخاذ إجراءات وتدابير حقيقية فإن الأمر سيزداد ترديا فى ظل تعلية خيار القوة والعنف، واتباع استراتيجية إقصاء ورفض الآخر، والمضى قدما فى اتجاه خيارات صفرية لتأكيد قوة إسرائيل ومكانة جيشها الذى تعرض لحالة غير مسبوقة قد تدفع إسرائيل، ومؤسستها العسكرية لتبنى استراتيجية القوة فى كل الخيارات وعدم التهدئة، وبما تملكه إسرائيل من وفرة عنصر القوة، والتى قد تستخدمها إسرائيل فى التعامل والمواجهة مع كل ما يحيط بها من مخاطر، وتحديات، ولهذا فإن بقاء إسرائيل فى الإقليم كدولة مقبولة يحتاج إلى مقومات ومعطيات حقيقية وليس فقط الحديث عن معاهدات سلام تم اختبارها فى الفترة الماضية، وثبت أنها هشة، وغير مؤثرة فى ظل ما قامت به إسرائيل من خطوات وإجراءات غير مسبوقة وفى ظل الحرب على غزة وبعد أن استردت أربعة من المحتجزين لدى حماس.


ولهذا فإن المطروح، وفى دوائر قادة الدولة السابقين -وبعضهم شغل مواقع عليا فى أجهزة  المعلومات- ما يجعلنا نتوقف أمام خطواته، خاصة أن ما يتردد يحمل بالفعل توجها مختلفا وقلقا بالغا على الدولة العبرية، وبقائها كدولة مقبولة خاصة أن التخوف على مصير الدولة يتطلب الذهاب إلى سيناريوهات مختلفة تتجاوز عقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين، أو الإقرار بحقهم فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى العمل على خيارات أخرى متعلقة بتهديدات حزب الله، وإسكات صوت المدافع فى الضفة الغربية، وعدم تعرض الدولة، ومصالحها فى الإقليم لخطر حقيقى واستهداف مباشر فقد ثبت جديا أن إسرائيل غير قادرة على التواجد فى محيط مقبول، أو أنها قادرة على دفع ثمن للسلام المقترح فى ظل تزايد العنف فى المجتمع الإسرائيلي، وزيادة الصراع الداخلى فى شرائح المجتمع، واستحداث أنماط جديدة للتعامل مع مواطنيها ولعل ما جرى فى الضغط فى تجنيد الحريديم/ المتدنيين ما يثير الكثير من الإشكاليات المتعلقة للخطر الكبير على الدولة فى ظل عودة توظيف القدرات الذاتية  فى التعامل برغم استمرار الدعم الغربى اللامحدود لإسرائيل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو ما يؤكد أن القوى الغربية لن تسمح بتدمير إسرائيل، أو إخراجها من الإقليم أو القبول بدولة فلسطينية تعيش إلى جوار الدولة العبرية برغم الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، والتى نتجت عن حالة الزخم الكبيرة التى خلفتها الحرب على غزة، وإن كان الأمر يحتاج إلى تدابير وإجراءات  أخرى من داخل الأمم المتحدة ذاتها، وبتوافق مع دولة الاحتلال على تحديد حدود الدولة الفلسطينية ومهامها وتخومها ومعطياتها الراسخة، وهى أمور لا يمكن أن تتم من جانب واحد، وتحتاج إلى تنسيق إسرائيلى فلسطينى حول قضايا حق العودة والقدس والمستوطنات والموارد والتسليح.


وبرغم ما يطرح فى الداخل الإسرائيلى من هذه الرؤى التى تنطلق حرصا على بقاء الدولة فى الإقليم، إلا أن الإشكالية الرئيسة مرتبطة بالفعل بتقبل ما يطرح فى مجتمع قائم أصلا على الكانتونات، والعمل فى جذر منفصلة برغم ما يجمع الجمهور الإسرائيلى من مقومات حقيقية تقوم على الصهر والاندماج والعمل معا، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة فى ظل الدعوة لتغيير أسس المشروع الصهيونى وصياغة مشروع بديل، وإعادة ترتيب الأولويات فى الفترة المقبلة من أجل بناء مناعة وطنية جديدة فى ظل التغيرات الجارية حول إسرائيل.