الموقف السياسى

أمن مصر.. أولاً وأخيراً

محمود بسيونى
محمود بسيونى

المتابع لما يجرى فى الشرق الأوسط، والأوضاع تتدحرج من سيئ إلى أسوأ كبرميل بارود يستعد للانفجار يدرك أن معضلة أى حكومة قادمة فى مصر هى الأمن والمحافظة على الاستقرار، وهو ما جاء بشكل واضح فى خطاب تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسى للدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل الحكومة الجديدة.

الأغلبية العظمى من التحليلات المصاحبة للقرار المنتظر ذهبت إلى المطالبة بعلاج التحدى الاقتصادى، وتحسين الأوضاع المعيشية، وهى اصوات معتبرة تعبر عن مطالب الشارع، لكن الحفاظ على محددات الأمن القومى هى السلعة الأغلى ثمنا فى اقليم يتفكك وينفجر، بدون أمن واستقرار تصبح التنمية بعيدة والحياة نفسها مستحيلة.

المسألة لا تحتاج إلى تذكير بتجارب مجاورة، ولا إلى إشارات تخويف مما هو قادم، ولكنها حقيقة اثبتتها الأيام، الاستقرار مرادف للأمن، ومرتبط بتوفير الحياة الكريمة للإنسان وهنا يتساوى العالم المتقدم مع العالم النامى فكلاهما يسعى لحماية أمنه القومى من أجل الوصول إلى درجة الاستقرار التى تشجع قدوم وبقاء الاستثمار وتوفير فرص العمل واستدامة الخدمات المطلوبة للناس وبدونها يصبح من الصعب تحقيق أى تقدم وتتحول الدولة أو ماتبقى منها إلى عبء على من يجاورها.

والحقيقة إنه لا توجد دولة فى العالم يرتبط أمنها واستقرارها بأمن واستقرار المنطقة من حولها كما هو الحال مع مصر ومن أجل ذلك لا تملك مصر رفاهية أن تغمض عينيها عما يجرى على حدودها و تكبدها لفواتير الصراع الفلسطينى الإسرائيلى مع كل محطة من محطات الصراع وبرغم كل الضغوط الاقليمية الصعبة والتحديات العالمية إلا أن مصر لم تتنازل عن ثوابتها فى التعامل مع القضية الفلسطينية والقائمة على رفض تصفية القضية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وهو موقف اتفقت عليه مصر حكومة وشعباً، وهو الحل الوحيد لأزمة الشرق الأوسط.

لا اعتقد أن الأمر يحتاج إلى إعادة تعريف لنظرية الامن القومى بقدر الاحتياج للتحلى بالمرونة الكافية واللازمة فى حركة الدولة من أجل الاستعداد لكل الاحتمالات خاصة فى ظل وجود حكومة متطرفة تسيطر على تل أبيب و تمارس التحرش العسكرى ضدنا على أمل جر مصر إلى قلب الصراع واستنزافها مرة أخرى .

الأمر يتطلب أن نستعد لتمدد خريطة الميليشيات المسلحة فى الإقليم، واحتمالية اندماجها مع الجماعات الإرهابية وما قد ينجم عن ذلك من خسائر اقتصادية فادحة مثلما هو الحال فى البحر الاحمر مما أدى إلى انخفاض إيرادات قناة السويس.

وأن ننتبه إلى التوسع فى استخدام المرتزقة الأجانب ضمن منظومة للحروب بالوكالة كبديل للمواجهات بين الجيوش النظامية، وخطورة عملها تحت مظلة شركات عالمية عابرة للدول لا تخضع للقانون.

وأن ننتبه لتطور مفهوم حروب الجيل الرابع القائمة على تدمير الدولة لذاتها من خلال صناعة تناقض حاد بين الدولة والمجتمع إلى استخدام أدوات التضليل من أجل تحويل الإنجاز الوطنى إلى حالة جدل عبثية تعمى الأبصار عن نتائجه الإيجابية.

وأن تتوافر اليقظة فى مواجهة الحروب السيبرانية وما قد تسببه من خسائر أمنية واقتصادية.

ألا ننسى خطر جماعة الإخوان الإرهابية وأوهام سيطرتها على مصر، وأنها توظف الآثار السلبية للتحديات الاقتصادية لخدمة خطابها الفوضوى المضلل وتستخدم أذرعها الإعلامية واستثماراها العابرة وخلاياها المنتشرة فى عواصم غربية لفرض وجودها بعدما نجحت مصر فى كسر شوكتها.

كان قدر الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال سنوات القيادة والإنجاز العشر أن يحقق المعادلة الصعبة للبناء والتعمير تحت قصف متواصل للشائعات والأكاذيب، ومواجهة شرسة مع التنظيمات التكفيرية ولا أبالغ إذا قلت أن أرواح شهداء الواجب هى الحارس الأمين للجمهورية الجديدة.

اختار الرئيس السيسى الطريق الصعب، قرراللحاق بكل ما فات مصر من مشروعات كبرى وعظمى، وسعى لتوظيف إمكانيات الدولة لحمايتها وتحصينها بشكل ذكى وعصرى عبر مشروعات الرقمنة والحفاظ على ذاكرة الدولة وقواعد بيانها.

ووقع على عاتق حكومة الدكتور مصطفى مدبولى تحدى إدارة المخاطر مع تكرر الأزمات العالمية وتخفيف وطأة وصول الصدمات المتكررة إلى المصريين، ظهر ذلك فى إدارة أزمة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأخيرا تأثيرات حرب غزة، تم اتخاذ قرارات صعبة وشجاعة لا مفر منها جنبت مصر مخاطر عديدة وأنعشت الاقتصاد المصرى بصفقة رأس الحكمة فى وقت شديد الصعوبة.

الملاحة فى بحر العواصف الإقليمية والدولية تحتاج إلى شعب موحد خلف القيادة، الاصطفاف الوطنى هو صمام الأمان الوحيد للنجاة فى تلك الظروف الدقيقة، ولذلك وضع الرئيس السيسى قضايا الأمن القومى والإصلاح الاقتصادى على مائدة الحوار الوطنى الجامع لكل التيارات من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لضمان أكبر قدر من المشاركة فى صنع القرار والتشارك فى حل الأزمات المستعصية.

أمن مصر القومى أولوية اولى وأخيرة لأى حكومة قادمة، فالأمن مرادف للاستقرار والتنمية، وهو عمل جماعى ومسئولية معلقة فى رقبة كل مصرى.