مصنع الأكسجين وبالوعة امتصاص غازات الاحتباس الحراري

حكايات| «التشجير».. أكبر سلاح لمواجهة تغير المناخ | تفاصيل

صورة موضوعية
صورة موضوعية

لا يقتصر دور النباتات على تنقية الهواء وتحسين جودته فحسب، وإنما تلعب دورًا قويًا فى مواجهة تغير المناخ، وتعد من أهم الأسلحة الطبيعية لذلك، مما جعل الحكومة تولى اهتمامًا كبيرًا بتشجير الشوارع في مختلف المحافظات للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى وخفض الغازات المنبعثة من الملوثات.. فى هذا التحقيق، تناقش «آخر ساعة» أهمية التشجير وكيف يحسِّن حالة الغلاف الجوى وما تسعى لتحقيقه المبادرة الرئاسية لزراعة «100 مليون شجرة» ومدى نجاح التجارب التى تمت بالفعل على أرض الواقع.

◄ البيئة: «100 مليون شجرة» ستخفض 170 ألف طن من الانبعاثات

◄ نحتاج 14 شجرة للقضاء على انبعاثات سيارة واحدة

الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، يقول إن التشجير يعد أهم وأرخص وسيلة للتخلص من الاحتباس الحرارى فهو مصنع الأكسجين وبالوعة امتصاص ثانى أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحرارى، وبالتالى فإن الشجرة فى حد ذاتها تشكل منظومة للتخلص من غازات الاحتباس الحرارى المسببة لظاهرة الاحتراق، وعليه فإن أرخص وسيلة للتعامل مع هذه الأزمة هى توافر مزيد من زراعة الأشجار، ولكن للأسف هذا عكس ما يحدث على مستوى العالم حيث انتشرت حرائق الغابات بنسبة أكثر من ٣٨٪ من المساحات الخضراء مما يشكل فقدانا حقيقيا لها، وأزمة مناخية جديدة. 

◄ التحول للأخضر
وتغير المناخ يشكل ظاهرة خطيرة تقلل من قدرة البشرية على تحقيق الأمن الغذائى، لذا إذا لم يتم التحول للأخضر بمعنى أن كل النظم المتعلقة بالتنمية تتحول لاقتصاد صديق للبيئة وحفظ المياه والحد من غازات الاحتباس الحراري ـ ستصبح المسألة كارثية، لأنه إذا حدث ارتفاع فى درجة حرارة الكرة الأرضية بما يزيد على 1.5 درجة عام 2050 سيسبب ذلك أزمة كبرى هى ضياع الغطاء الأخضر لسطح الكرة الأرضية وقلة توفير الغذاء.

ولمواجهة هذه المخاطر يجب على قطاعات (الطاقة والصناعة والنقل والزراعة والإسكان والسياحة) التى تستخدم وسائل تُزيد من غازات الاحتباس الحرارى، أن تتحول للأخضر بحيث تكون صديقة للبيئة من خلال استخدام وسائل توليد الطاقة طبيعيا، فمثلا، يجب التشجيع على استخدام أسطح المنازل - كما يحدث فى ٢٧ مدينة جديدة ـ فى توفير مسطحات الطاقة الشمسية عليها لجمع أشعة الشمس واستخدامها كسخان للمياه دون استخدام الأجهزة الكهربائية المخصصة لذلك. لافتا إلى أن التحضر للأخضر يتمثل فى  توفير مساحات أكبر للحدائق والحفاظ على الغابات واتساع الطرق للتخفيف من انبعاثات العوادم، وزيادة نصيب الفرد فى المساحات الخضراء والتى تشكل نسبة بسيطة فى كثير من المدن، فهى لا تتعدى المتر الواحد فى محافظة القاهرة، وقد تزيد على مترين فى المدن الأخرى التى تحدد ٣٠٪ من مساحة العمران للمساحات الخضراء.

ومن جانبه، يؤكد الدكتور محمد فهيم، مستشار وزير الزراعة، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أن غازات الاحتباس الحرارى التى يتم ضخها فى طبقات الجو العليا فى الغلاف الجوى تستقر فى طبقة الستراتوسفير، وهذه الطبقة هى المسئولة عن تشكيل مناخ الأرض، وعندما يتم ضخ كمية كبيرة من غازات الملوثات بنسبة تتعدى الـ50 مليار طن من ثانى أكسيد الكربون سنويا من جميع الدول، يحدث زيادة فى مستوى حبس حرارة الكرة الأرضية ويترتب عليه زيادة متوسط حرارة الكوكب إلى ما يقرب من 1.1 درجة عن الطبيعى، مما أدى لحدوث تغيرات فى الظواهر المناخية، وما يتم السعى إليه حاليا هو عدم وصول درجة حرارة الكرة الأرضية إلى 1.5 درجة.

◄ اقرأ أيضًا | «الحديقة اليابانية» .. رئة حلوان الخضراء

◄ بيئة مناخية دقيقة
وتعد الأشجار والمسطحات الخضراء والغابات أكبر ثانى وسيلة بعد سطح المحيطات التى تستوعب وتمتص وتخزن ثانى أكسيد الكربون، وبالتالى يحدث تخفيض لحجم الغازات وتقليل التلوث وتكوين ما يسمى بـ«بيئة مناخية دقيقة» التى يخفف من خلالها الكثير من ظواهر تغير المناخ، فعلى سبيل المثال تساعد غابات الزان على امتصاص أربعة أطنان من الغبار الموجود فى الغلاف الجوى سنويا، لذلك كلما كانت المساحات المزروعة أكبر كانت نسبة امتصاص ثانى أكسيد الكربون أعلى مما يعنى تقليل الأضرار الناتجة عنه.

وقد بات العالم كله مطالبًا بالتشجير وتوسيع المساحات الخضراء للقضاء قدر الإمكان على ما تسهم به كل دولة من انبعاثات تضر البيئة، فإذا تم حصر كميات هذه الانبعاثات، تأتى الصين ضمن القائمة الأعلى حيث تساهم بنسبة 30% من انبعاثات الغازات، أما الولايات المتحدة فتساهم بنسبة 15%، وبالنسبة للاتحاد الأوربى وروسيا والبرازيل وكندا والهند فنسب المساهمة بها تتراوح بين 8-10 %، أما مصر فتعد من أقل الدول إصدارا للانبعاثات حيث إن النسبة بها لا تتعدى الـ0.5%، ورغم ذلك تولى الدولة اهتماما كبيرا بالتشجير وزيادة رقعة المساحات الخضراء، علما بأن عدد الأشجار المختلفة الموجودة فى مصر يتجاوز أكثر من 100 مليون شجرة مختلفة، وتستهدف الدولة من خلال تدشين المبادرة الرئاسية للتشجير، زراعة 100 مليون شجرة إضافية لمضاعفة نصيب الفرد من المساحات الخضراء على مستوى الجمهورية وتحسين نوعية الهواء وخفض غازات الاحتباس الحرارى.

◄ 100 مليون شجرة
ومن جانبه، يوضح الدكتور مصطفى مراد، رئيس قطاع نوعية الهواء بوزارة البيئة، أن الوزارة قامت بزراعة العديد من الأشجار فى جميع محافظات الجمهورية وتشجير الطرق الرئيسية والمدارس والجامعات والمعاهد ومراكز الشباب والمساجد والأديرة، خلال الفترة من 2019 إلى  2023 بإجمالى 4 ملايين شجرة لتصل كمية الكربون التى تم إزالتها إلى نحو 2.48 مليون طن.

وأشار إلى أن وزارة البيئة شاركت فى المبادرة الرئاسية (100 مليون شجرة) بزراعة حوالى 1.3 مليون شجرة فى جميع أنحاء الجمهورية خلال العام الأول من المبادرة، حيث تم توفير 500 ألف شجرة تمت زراعتها بجميع المحافظات فى إطار مبادرة (حياه كريمة) بمرحلتيها وتم تشجير المدارس والجامعات والمعاهد والمساجد والكنائس والأحياء والجمعيات الأهلية على مستوى الجمهورية بعدد لا يقل عن 550 ألف شجرة بالإضافة لتشجير الطرق الرئيسية (الطريق الدائرى ـ طريق وادى العلمين وادى النطرون بطول 20كم) وغيرها، بالتنسيق مع الهيئة العامة للطرق والكبارى بعدد 100 ألف شجرة وشتله والمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني في زراعة حوالى 150 ألف شجرة بمحافظات الجمهورية. وأوضح أن زراعة 100 مليون شجرة خلال 7 سنوات سيكون لها الأثر الكبير على الدولة، حيث ستكون لها عوائد اجتماعية تتمثل فى مضاعفة نصيب الفرد من المساحة الخضراء حيث تبلغ حاليا 1.2م بالإضافة لعوائد بيئية تتمثل فى خفض انبعاثات غاز الاحتباس الحرارى بحوالى 170 ألف طن سنويا تكافئ 20% من إجمالى الانبعاثات السنوية بمصر وتحسين نوعية الهواء.

◄ تجربة واقعية
وفي هذا الصدد، ألقى اللواء أحمد جودة عبدالسميع، رئيس حى شرق مدينة نصر، الضوء على تجربة زراعة الأشجار في بعض أحياء مدينة نصر، وذلك ضمن مبادرة “100 مليون شجرة”، حيث تم الحصول على أنواع عديدة من الأشجار يصل عددها إلى 1000 شجرة مقسمة على شوارع الحى الرئيسية، ومن بينها أشجار مثمرة، حيث تم التواصل مع وزارة البيئة للحصول على الشجيرات، ليتم التوجيه بعد ذلك لفرع التشجير التابع لهيئة النظافة والتجميل للقيام بإعداد خطة تنسيق لتوفير الحملة اللازمة لمعاينة الأماكن التى تصلح للزراعة والتأكد من توافر بها مصدر للمياه لرى النباتات، ثم تتم الزراعة مباشرة فى حالة توافر جميع الإمكانيات، أو وضع الشتلات داخل المشاتل التابعة لهيئة النظافة للعناية بها لحين توفير جميع المتطلبات ثم تتم الزراعة فورًا.