حفريات| اكتشاف علمى جديد لجامعتى القاهرة والوادى الجديد

«عروسة بحر» داخل ورشة رخام

عرائس البحر من الثدييات البحرية التى لاتزال تعيش حتى الآن
عرائس البحر من الثدييات البحرية التى لاتزال تعيش حتى الآن

بينما كان محمد بركات، صاحب إحدى ورش الرخام بمنطقة شق الثعبان، يقوم بتقطيع رخام الحجر الجيرى الذى تم نقله من منطقة الجلالة بطريق العين السخنة، إذ لفت انتباهه وجود عظام داخل شرائح الرخام، وهى مكون يتسبب فى ضعف الأحجار، بحيث لا يمكن استخدامها، ولكنه كان من الوعى ليدرك أن تلك القطعة من الحجر، وإن كانت غير مفيدة تجاريا له، لكنها تحمل قيمة علمية كبيرة.

لم يفكر بركات طويلًا، إذ تواصل على الفور مع د.محمد قرنى عبد الجواد، أستاذ مساعد الحفريات الفقارية بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة القاهرة، والمشرف على معمل الحفريات الفقارية بقسم الجيولوجيا، الذى انتقل على الفور إلى الورشة بصحبة الباحث المشارك بالدراسة أحمد ممدوح، والذى كان لا يزال فى مرحلة البكالوريوس، ليكتشف الاثنان أنهما أمام قطعة قد تحمل قيمة علمية كبيرة، وهو ما تأكد لاحقا عندما قاما بنقلها إلى معمل الحفريات الفقارية بقسم الجيولوجيا بالكلية، حيث تبين بعد فحصها ودراستها أنها بقايا لهيكل عروسة بحر، عاشت خلال العصر الأيوسنى الأوسط منذ أكثر من 40 مليون سنة داخل مياه البحر التيثى القديم، الذى كان يغطى مساحات كبيرة من مصر خلال هذا العصر.

ويقول عبد الجواد، إن «العينات المكتشفة كانت عبارة عن فقرات وأجزاء من الضلوع لعروس البحر، وتم توثيق هذا الاكتشاف، الذى كان مشروعًا لتخرج الباحث أحمد ممدوح بمرحلة البكالوريوس، فى دراسة نشرت مؤخرًا بدورية (بروسيدنجز أوف ذا جيولوجيست أسوسيشن)».

اقرأ أيضا| رفع 240 طن مخلفات بمنطقة شق الثعبان 

ومن جانبه، يبدى رمضان القهاوى، المدرس بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة القاهرة، والمشارك بالدراسة، سعادته بالمشاركة فى هذا العمل الفريد من نوعه، قائلا إن «اكتشاف أحد أنواع عروس البحر خلال فترة الأيوسين الأوسط ( 40 مليون سنة)، بمنطقة المحاجر الجيرية بطريق العين السخنة، يُعَدّ الأول من نوعه فى هذا السياق الزمنى». 

ويوضح جبيلى عبد المقصود أبو الخير، مدير مركز الحفريات الفقارية بجامعة الوادى الجديد، والمشارك بالدراسة، أن عرائس البحر من الكائنات المهمة التى تواجدت بكثرة خلال عصرى الأيوسين المتوسط والعلوى بجوار شواطئ البحر التيثى القديم، وخاصة بجبل المقطم ووادى الحيتان وشمال بحيرة قارون، وتم اكتشاف الكثير منها عن طريق البعثات الأجنبية أوائل القرن الماضى. 

ويقول أبو الخير بأن «عرائس البحر من الثدييات البحرية المهمة التى تزامنت مع الحيتان القديمة، والتى عاشت بجوار الشواطئ تتغذى على النباتات البحرية، وتتميز بأن لها القدرة على البقاء لفترات طويلة فى قاع البحر متحدية قانون الطفو وذلك لقوة وثقل ضلوعها».

وانقسمت عرائس البحر إلى عرائس بدائية وعرائس أرقى قليلًا من سابقتها حسب التطور الزمنى والوظائف التشريحية لكل نوع، وتعد منطقة قصر الصاغة بالفيوم واحدة من أبرز المواقع التى تتركز فيها أحافير عرائس البحر، حيث تم اكتشاف أكثر من مائة هيكل، وتم توثيقها فى دوريات علمية، لكن مثل هذه الاكتشافات نادرة فى منطقة الصحراء الشرقية، كما يكشف أبو الخير.

ويضيف: «هذا هو التسجيل الثانى للثدييات البحرية من الصحراء الشرقية، والأول لعروس البحر من شمال الصحراء الشرقية بمصر فى رخام الحجر الجيرى».

ويقول عبد الجواد: إنه لن يكون الأخير من نوعه فى الصحراء الشرقية، قائلا: « توجد عينات أخرى من الصحراء الشرقية فى معمل الحفريات الفقارية، وسيتم الإعلان عنها فور الانتهاء من دراستها».