يفك رموز «كتاب الحياة»| الجينوم المصرى ثورة فى علاج الأمراض

الحضارة المصرية القديمة
الحضارة المصرية القديمة

كما أن كثيرًا من الأسرار حول الحضارة المصرية القديمة تم الكشف عنها، بعد نجاح العالم الفرنسى جان فرانسوا شامبليون فى فك رموز الهيروغليفية المصرية القديمة بعد دراسته لحجر رشيد، فإن هناك آمالًا عريضة معقودة على فك رموز «كتاب حياة المصريين»، عبر مشروع الجينوم، الذى يعد بتحقيق كنز من الفوائد، أهمها إحداث ثورة فى فهم الأمراض وعلاجها.

والجينوم، يُعرف بأنه المجموعة الكاملة من المعلومات الجينية، لذلك فإنه عادة ما يُوصف بـ«كتاب الحياة»، والذى يضم فى صفحاته، الجينات المحددة للسمات والخصائص المختلفة للشخص، مثل مظهره وسلوكه وقابليته للإصابة بالأمراض، وهذه الجينات بدورها، عبارة عن تسلسلات محددة من الحمض النووى (الدى إن إيه) أو الحمض النووى الريبى (آر إن إيه) التى تشفر البروتينات.

ويتضمن الجينوم أيضًا مناطق غير مشفرة من (الدى إن إيه) أو (الآر إن إيه)، والتى تلعب أدورًا فى تنظيم الجينات، وبنية الكروموسوم، والعمليات الخلوية الأخرى، ويتم التعرف بشكل متزايد على هذه المناطق غير المشفرة كمساهمين مهمين فى تعقيد تنظيم الجينات ووظائف الجسم.

البداية من المشروع الدولى

وتشكل عام 1990 مشروع دولى، تم الانتهاء منه عام 2003، لرسم خريطة وتسلسل الجينوم البشرى بأكمله، لكن ذلك لم يغن عن سعى كل دولة لإجراء مشروع الجينوم الخاصة بها، حيث إن لكل بلد تنوعًا وراثيًا فريدًا بها بسبب الهجرات التاريخية والعُزلة الجغرافية والممارسات الثقافية، ويؤدى دراسة التركيب الجينى لسكان البلد، إلى فهم كيف تساهم الاختلافات الجينية فى الصحة والمرض بين هؤلاء السكان.

اقرأ أيضا| فن التحنيط يعكس عظمة المصريين القدماء في الطب والكيمياء.. اعرف الحكاية

ويشرح عالم الجينات الأمريكى البارز «فرانسيس كولينز»، الذى تولى قيادة مشروع الجينوم البشرى، الاختلافات فى الجينوم بين الدول بقصيدة مكونة من أبيات شعرية، لكن يفسرها الأشخاص بشكل مختلف اعتمادًا على خلفيتهم وبيئتهم، وكما يفعل الأشخاص ذلك فى تفسير القصيدة، فإن الجينوم يتفاعل مع البيئة بطرق مختلفة، لذلك من المهم فك رموز الجينوم الخاص بكل دولة.

وانطلق قبل نحو ثلاث سنوات مشروع الجينوم المصرى بميزانية تبلغ نحو 2 مليار جنيه مصرى، ونشر أول تقرير عن هذا المشروع بدورية «نيتشر» الرائدة فى 29 أبريل الماضي، حيث كشف الباحثون خلاله سعيهم لفك رموز الجينوم الوطنى من خلال تحديد تسلسل المتغيرات الجينية لنحو 100 ألف مصرى بالغ يتمتعون بصحة جيدة، مع حوالى 8 آلاف مريض من المصابين بالأمراض النادرة والسرطانية والشائعة والوبائية، مع التركيز على الأمراض النادرة فى المرحلة الأولى، بالإضافة إلى 200 مومياء مصرية قديمة، وسيُوفِّر ذلك أول مجموعة بيانات جينومية شاملة من مصر وشمال أفريقيا.

تحسين التشخيص والعلاج

ويعطى التمويل الضخم لهذا المشروع مؤشرًا لحجم الفوائد التى يمكن جنيها منه، وأبرزها فهم الأساس الجينى للأمراض.

وتقول د.نيفين سليمان من مركز البحوث الطبية والطب التجديدى، والأستاذ بقسم طب الأطفال ومركز أمراض وزراعة كلى الأطفال بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة العلمية للمشروع: «سيُوفِّر لنا معلومات تساعد على تحديد الاختلافات الجينية المرتبطة بالأمراض، مما يؤدى إلى تحسين استراتيجيات التشخيص والعلاج والوقاية»، وتضيف أنه «من خلال دراسة الأسس الجينية للأمراض، يمكن تطوير علاجات تعتمد على الطب الشخصى».

ويتضمن الطب الشخصى معلومات حول التركيب الجينى للفرد، بما فى ذلك الاختلافات فى تسلسل الحمض النووى، وأنماط التعبير الجينى، والتعديلات اللاجينية، وهو ما يتيح تصميم العلاج المناسب، وفقًا للملف الجينى لكل مريض.

وتوضح د.نيفين، أنه من بين فوائد هذا المشروع أيضًا، التشخيص الدقيق والمبكر للأمراض النادرة، ذات الأصول الوراثية، حيث تُعد هذه الدقة التشخيصية أمرًا بالغ الأهمية للمرضى الذين يعانون من أمراض نادرة، والذين غالبًا ما يعانون من التأخير والتشخيص الخاطئ بسبب ندرة حالاتهم وتعقيدها.
تفادى الأمراض

ولا يفيد هذه المشروع فى التشخيص والعلاج فقط، لكنه يمكن أن يفيد أيضًا فى تفادى حدوث الأمراض، كما يوضح د.شريف الخميسى، أستاذ الطب الجينى، ورئيس قسم الأبحاث بجامعة شيفيلد فى المملكة المتحدة.

ويقول الخميسى، إنه يمكن أن يساعد فى تحديد الطفرات الوراثية المُسببة لبعض الأمراض، وبالتالى إذا تم العثور على تلك الطفرات عند دراسة التركيبة الجينية للمقبلين على الزواج، نستطيع تفادى حدوث الأمراض.

ويركز الخميسى أيضًا، على الفوائد التى يمكن جنيها فى مجال علاج السرطان، باعتبار أن مجتمعنا من المجتمعات ذات النسبة المرتفعة فى الإصابة المرض، ويقول إن «تسلسل الجينوم سيُساعد فى تحديد الطفرات الجينية المرتبطة بتطور السرطان، فمن خلال مقارنة جينومات الخلايا السرطانية بالطبيعية، نستطيع تحديد الطفرات الجينية التى تعزز السرطان، والجينات الكابتة للأورام، وستُساعد هذه المعرفة فى توضيح الآليات الجزيئية الكامنة وراء السرطان وتحديد الأهداف المحتملة للعلاج»، والفائدة الثالثة التى يشير إليها الخميسى تلك المتعلقة بإنتاج الدواء، ويقول: «من بين أهم الفوائد هو أن الشركات المنتجة للدواء، ستضع التركيبة الجينية فى اعتبارها عند إدخال الأدوية إلى السوق المصرى».