فن التحنيط يعكس عظمة المصريين القدماء في الطب والكيمياء.. اعرف الحكاية

فن التحنيط في مصر القديمة
فن التحنيط في مصر القديمة

تعتبر مصر القديمة واحدة من أقدم الحضارات التي تميزت بتقنيات وممارسات ثقافية فريدة، من أبرز هذه الممارسات هو فن التحنيط، الذي يعكس عظمة المصريين القدماء في علوم الطب والكيمياء، هذا الفن ليس فقط عملية حفظ للجثث، بل هو طقس ديني معقد يعبر عن إيمان المصريين بالحياة بعد الموت.

- تاريخ التحنيط في مصر القديمة

يعود تاريخ التحنيط إلى العصور المصرية القديمة، حيث بدأت ممارسته في فترة ما قبل الأسرات واستمرت حتى العصور الرومانية. كانت هذه الممارسة جزءاً من الطقوس الجنائزية التي تهدف إلى ضمان الحياة الأبدية للميت.

- الأسس الدينية للتحنيط

اعتقد المصريون القدماء أن الحفاظ على الجسد بعد الموت هو مفتاح لضمان بقاء الروح في الآخرة، فالجسد كان يُعتبر وعاءً ضرورياً لرحلة الروح، لذلك، تم تطوير تقنيات التحنيط لضمان بقاء الجسد في حالة جيدة لأطول فترة ممكنة.

تقنيات التحنيط 

- إزالة الأعضاء: أولى خطوات التحنيط كانت إزالة الأعضاء الداخلية، حيث كانوا يقومون بإزالة الدماغ عبر الأنف والأعضاء البطنية عبر شق صغير في الجانب الأيسر من الجسد.

- التجفيف : كانت الأجساد تُجفف باستخدام مادة النطرون، وهي خليط طبيعي من الأملاح، توضع الجثث في النطرون لمدة 40 يوم لضمان التجفيف التام.

- اللف بالأقمشة : بعد التجفيف، كان يتم لف الجثث بطبقات متعددة من الكتان المشبع بالراتنجات والزيوت العطرية لضمان الحفظ والوقاية من التحلل.

الأدوات والمواد المستخدمة

استخدم المصريون القدماء مجموعة متنوعة من الأدوات مثل المناشير، الملاعق الخاصة لإزالة الدماغ، والمواد الكيميائية مثل النطرون والراتنجات والزيوت العطرية.

دور الكهنة في عملية التحنيط 

كانت عملية التحنيط تتم تحت إشراف كهنة مختصين، يُعرفون بالكهنة المحنطين، هؤلاء الكهنة كانوا يتمتعون بمعرفة عميقة بتقنيات التحنيط وكانوا يعملون على قراءة الصلوات والأدعية خلال مراحل التحنيط لضمان طهارة الجسد والروح.

المدافن والتماثيل الجنائزية 

بعد انتهاء عملية التحنيط، كان يتم وضع الجثة في تابوت مزخرف بالألوان والنقوش، ويُدفن مع الميت مجموعة من التماثيل الجنائزية والأغراض الشخصية لضمان راحته في الحياة الآخرة.

فن التحنيط في مصر القديمة يمثل علامة فارقة في تاريخ الإنسانية، حيث يعكس مدى تقدم المصريين القدماء في العلوم والمعرفة، وإيمانهم العميق بالحياة بعد الموت، ما زالت هذه الممارسات تثير دهشة العلماء والباحثين حتى اليوم، حيث يقدم كل اكتشاف جديد نافذة على عظمة هذه الحضارة الغابرة.

تاريخ التحنيط في مصر القديمة

-  فترة ما قبل الأسرات (حوالي 4500-3100 قبل الميلاد):

في فترة ما قبل الأسرات، بدأت أقدم ممارسات التحنيط في مصر القديمة، حيث اكتشف علماء الآثار بقايا جثث تم تجفيفها بشكل طبيعي بواسطة الرمال الصحراوية. لم تكن هذه الممارسات متعمدة أو منظمة بشكل واضح، لكنها تشير إلى بداية التفكير في الحفاظ على الجثث.

- الأسرات المبكرة (حوالي 3100-2686 قبل الميلاد):

مع بداية الأسرات المبكرة، بدأت ممارسات التحنيط تصبح أكثر تنظيماً. تم تطوير طرق بدائية لإزالة الأعضاء الداخلية وتجفيف الجثث باستخدام النطرون. تم دفن الملوك والنخب في مقابر تحتوي على أغراض شخصية، مما يشير إلى الاعتقاد المتزايد بالحياة الآخرة.

- المملكة القديمة (حوالي 2686-2181 قبل الميلاد):

في فترة المملكة القديمة، وخاصة خلال الأسرة الرابعة، تم تطوير تقنيات التحنيط بشكل ملحوظ. بدأت عمليات التحنيط تشمل إزالة الأعضاء الداخلية بطرق أكثر دقة، واستخدام النطرون بشكل منهجي لتجفيف الجثث. كما تم تطوير فنون اللف بالأقمشة وزخرفة التوابيت.

- المملكة الوسطى (حوالي 2055-1650 قبل الميلاد):

شهدت المملكة الوسطى تحسناً في تقنيات التحنيط وازدياد في الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة. كانت الأجساد تُحشى بالكتان أو الرمل للحفاظ على شكلها، وتم استخدام الراتنجات والزيوت العطرية بشكل متزايد لمنع التحلل والحفاظ على الجثث.

- المملكة الحديثة (حوالي 1550-1070 قبل الميلاد):

بلغ فن التحنيط ذروته في المملكة الحديثة، خاصة خلال الأسرة الثامنة عشرة. أصبحت عملية التحنيط أكثر تعقيداً ودقة، حيث تم تحسين طرق إزالة الأعضاء الداخلية وتطوير مواد جديدة للتحنيط مثل الراتنجات المختلفة والزيوت العطرية الخاصة. كما زادت رمزية التحنيط مع تزايد الاهتمام بالطقوس الدينية المتعلقة بالدفن والحياة الآخرة.

- الفترة المتأخرة (حوالي 664-332 قبل الميلاد):

في الفترة المتأخرة، استمرت تقنيات التحنيط في التطور، مع إدخال تحسينات إضافية على الطرق والمواد المستخدمة. استمر المصريون في ممارسة التحنيط بشكل دقيق، مع اهتمام أكبر بالطقوس الدينية المصاحبة لعملية التحنيط.

- الفترة اليونانية-الرومانية (332 قبل الميلاد - 395 ميلادي):

مع دخول الإسكندر الأكبر إلى مصر وبدء الفترة البطلمية، استمرت تقاليد التحنيط ولكن مع تأثيرات ثقافية جديدة. تم دمج بعض الممارسات الهلنستية والرومانية مع الطقوس المصرية، مما أدى إلى ظهور تقنيات جديدة وزيادة استخدام الأقنعة الجنائزية المزخرفة.

- التطور التقني والتحسينات:

على مر العصور، شهدت تقنيات التحنيط تحسناً ملحوظاً. أصبحت عملية إزالة الأعضاء الداخلية أكثر دقة، مع تطوير أدوات خاصة لهذا الغرض. تم تحسين طرق تجفيف الجثث باستخدام النطرون، وزادت فعالية استخدام الراتنجات والزيوت العطرية لمنع التحلل. كما تطورت طرق لف الجثث بالأقمشة وزخرفتها.

تاريخ التحنيط في مصر القديمة هو تاريخ تطور علمي وديني مستمر على مر العصور، من بداياته البدائية في فترة ما قبل الأسرات إلى ذروته في المملكة الحديثة، يعكس هذا الفن مدى تقدم المصريين القدماء في فهمهم للطبيعة والروح والآخرة، يشكل التحنيط جزءاً لا يتجزأ من التراث المصري القديم، ويظل موضوع دراسة وبحث حتى اليوم.