خواطر الأمام الشعراوي.. العلاج لا القسوة

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 226 من سورة البقرة: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

الحق سبحانه وتعالى يعلم أن النفس البشرية ذات أغيار؛ لأن الإنسان حادث له بداية ونهاية، وكل ما يكون حادثا لابد أن يطرأ عليه تغيير. فإذا ما التقى الرجل بالمرأة. كان لابد من أن يتحدد هذا اللقاء على ضوء من منهج الله؛ لأن اللقاء إن تم على منهج البشر وعواطفهم كان المصير إلى الفشل؛ لأن مناهج البشر متغيرة وموقوتة، ولذلك يجب أن يكون لقاء الرجل بالمرأة على ضوء معايير الله.

اقرأ أيضًا| العشر الأوائل من ذي الحجة.. منحة الله لغفران الذنوب

فالله يعلم أن للنفس نوازع ومتغيرات، ومن الجائز جدا أن يحدث خلاف بين الزوجين، فيجعل الله سبحانه وتعالى متنفسا يتنفس فيه الزوج للتأديب الذى ينشد التهذيب والإبقاء، فشرع للرجل إن رأى فى امرأته إذلالا له بجمالها وبحسنها، وقد يكون رجل له مزاج خاص ورغبة جامحة فى هذه العملية؛ لذلك شرع الله له فترة من الفترات أن يحلف ألا يقرب امرأته، ولم يجعل الله تلك الفترة مطلقة، إنما قيدها بالحلف حتى يكون الأمر مضبوطا.

فالحق يريد العلاج لا القسوة. فلو لم يكن الرجل مضبوطا بيمين فقد يُغير رأيه بأن يأتى زوجته، ولذلك قال الحق: «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» أى إنّ لك أيها الزوج أن تحلف ألا تقرب زوجتك أربعة أشهر لكن إن زادت المدة على أربعة أشهر فهى لن تكون تأديبا بل إضرارا. والخالق عز وجل يريد أن يؤدب لا أن يضر. فإذا ما تجاوزت المدة يكون الزوج متعديا ولا حق له.

إن الحق سبحانه وتعالى هو خالق الميول والعواطف والغرائز ويقنن لها التقنين السليم. إنه عز وجل يترك لنا ما يدلنا على ذلك، ففى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يمر عمر فى جوف الليل فيسمع امرأة تقول الأبيات المشهورة:

تطاول هذا الليل وأسود جانبه ** وأرقنى ألا خليل ألاعبه
فو الله لولا الله تخشى عواقبه ** لزلزل من هذا السرير جوانبه

معنى ذلك أن المرأة تعانى من الوحشة إلى الرجل، وتوشك المعاناة أن تدفعها إلى سلوك غير قويم، لكن تقوى الله هى التى تمنعها من الانحراف. ومن الجائز أن نتساءل كيف سمع عمر هذه المرأة وهو يسير فى الشارع، وأقول: إن المرأة تأتى عندها هذه الأحاسيس تترنم فى سكون الليل، وعندما يسكن الليل لا تكون فيه ضجة فيسهل سماع ما يقال داخل البيوت، ألم يسمع عمر كلام المرأة التى تجادل ابنتها فى غش اللبن؟

ولما سمع الفاروق كلام هذه المرأة التى تعانى من وحشة إلى الرجل، ذهب بفطرته السليمة وأَلمعيَّته المشرقة إلى ابنته حفصة أم المؤمنين رضى الله عنها، وقال لها: كم تصبر المرأة على بعد الرجل، فقالت: من ستة شهور إلى أربعة أشهر.

فسن عمر سنةً أصبحت دستورا فيما بعد، وهى ألا يبعد جندى من جنود المسلمين عن أهله أربعة أشهر. إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» سبق حادثة عمر، ثم ترك الحق لواقع الحياة أن يبين لنا صدق ما قننه لنا، ويأتى عمر ليستنبط الحكم من واقع الحياة.

«فَإِنْ فَآءُوا» أى فإن رجع الرجل، وأراد أن يقترب من زوجته قبل مضى الأربعة أشهر؛ فللرجل أن يكفر عن يمينه وتنتهى المسألة. ولكن إذا مرت الشهور الأربعة وتجاوزت المقاطعة مدتها يؤمر الزوج بالرجوع عن اليمين أو بالطلاق، فإن امتنع الزوج طلقها الحاكم، وقال بعض الفقهاء: إنّ مضى مدة الأربعة أشهر دون أن يرجع ويفىء يجعلها مطلقة طلقة واحدة بائنة. ولذلك يقول الحق: «وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ»

وحول الآية 227 من سورة البقرة «وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ « يقول الشيخ الشعراوى:
واختلف العلماء؛ هل تطلق الزوجة طلقة بائنة أو طلقة رجعية؟ ومعنى (طلاق رجعى) مأخوذ من اللفظ نفسه، أى أن الزوج له الحق أن يراجع امرأته دون إذن منها أو رضا. أما الطلاق البائن فإنه لا عودة إلا إذا عَقَد عليها عقداً جديداً بمهر جديد.

والطلقة فى الإيلاء بينونة صغرى وهى التى تحتاج إلى عقد ومهر جديدين، هذا إذا لم يسبق طلاقان. والبينونة الكبرى وهى التى توصف بأنها ذات الثلاث، فالزوجة فيها تطلق ثلاث مرات، فلا يصح أن يعيدها الزوج إلا إذا تزوجت زوجا غيره، وعاشت معه حياة زوجية كاملة، ثم طلقها لأى سبب من الأسباب، وبعد ذلك يحق لزوجها القديم أن يراجعها ويعيدها إليه بعقد ومهر جديدين، لكن بعد أن يكتوى بغيرة زواجها من رجل آخر. والحق سبحانه وتعالى يعرض هذه المسألة فيقول: «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ» فالإسلام دين واقعى يعطى الزوج المسلم أشياء تنفس عن غضبه، وأشياء تمكنه من أن يؤدب زوجته، ولكن الإسلام يحب ألا يتمادى الرجل فى التأديب. وإذا تمادى وتجاوز الأربعة الأشهر نقول له: لابد أن يوجد حد فاصل.