رئيس تحرير «ديوان الشعر المصري»: هدفنا إنصاف الشعراء المنسيين

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي

مقولات ظالمة طائشة لطالما ترددت طوال القرون الخالية تختلف صيغها، ويتفق معناها بأن الشعر العربي لم يزدهر في مصر خلال العصور الماضية، وأن بلادنا لم تكن موطنًا للأصوات المميزة في الشعر، ولكنها بدت فقط كملاذ لهم، ومحطة لرحلاتهم كـ«أبو نواس»، و«المتنبي»، وسلسلة ديوان الشعر المصري، بما حققته من نجاح، وما أحرزته من أصداءٍ واسعة في معارض الكتب، والمنتديات الثقافية، والأدبية، حيث أعادت الاعتبار إلى شعراء مصر خلال العصور المنقضية، ونفضت الغبار عن إبداعاتهم المذهلة، وقصائدهم الجميلة، وقد استطاعت إثارة العديد من الأسئلة منها: هل حقًا لم يزدهر الشعر فى بلادنا خلال القرون المتراكمة، وهل لم تنجب مصرنا شعراء أفذاذًا كسائر الحواضر العربية، وهل لم يعد الشعر العربى مقروءًا فى مجتمعنا الآن، ولماذا نجحت هذه السلسلة فى الوصول إلى دائرة واسعة من القراءة، وتحقيق رواج ملحوظ فى معارض الكتاب، وقد حملنا الأسئلة، وتوجهنا إلى المسئول عن السلسلة الشاعر الكبير أحمد الشهاوي، فدار هذا الحوار:

على الرغم من مزاعم البعض بأن «سوق الشعر» خاسر إلا أن الصدور الأول لسلسلة ديوان الشعر الصرى حقق نجاحًا ساحقًا.. كيف؟
- إذا تحققت للشعر بيئة مناسبة عبر التعريف بالشعراء ومكانتهم، وتوفرت الدعاية اللائقة، واللازمة لتقديم منتج ثقافى شعري، من المؤكد أنه سيكون فى المقدمة، إضافة إلى أمر مهم وهو «السعر المناسب»، وقد حرصت الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة د. أحمد بهى الدين، على أن يكون السعر رمزيًا مع صدور السلسلة فى معرض الكتاب وتخصيص ندوة خاصة لتقديمها، وإتاحة السلسلة للقُراء، والمتلقين فى أقاصى المدن المصرية، فهذا أمر محمود، ما جعل الطبعة الأولى منها تنفد، وتكاد الثانية أن تنفد أيضًا، وهذا أمر غير مسبوق لأن سلسلة ديوان الشعر المصرى ملأت فراغًا كان لابد ألا يكون موجودًا قبل 50 أو 60 سنة، فقد تأخرت فى الصدور على الأقل خمسين عامًا.

لماذا تخصصت السلسلة فى الشعر المصرى وحملت اسمه، وما الهدف من صدورها؟
- هؤلاء الشعراء من مصر كبار مهمون لهم تاريخهم، ولهم وضعهم الشعرى، والثقافى، ولهم مكانة كبيرة فى ذاكرة الأمة المصرية،مثل : «البهاء زهير» و»ابن نباتة المصرى»وابن سناء الملك»، ولكن لنقل أنهم أهملوا من قبل الدراسات الأكاديمية بالجامعات المصرية، ويؤسفنى أن أقول عندما كنت أبحث عن أسماء الشعراء الذين سيكونون محور السلسلة خلال الألف سنة من العصر الإخشيدى إلى أربعينيات القرن العشرين، وجدت أن أغلبهم كاد يختفى أثره، فمنهم مَن طُبعت كتبه مرة واحدة، ونفدت، ومنهم مَن لم تُطبع له دواوين، وهناك دراسات كثيرة تناولت شعر هؤلاء خارج مصر، ولكن الموجود منها داخل بلدنا نسبة قليلة، وهناك شعراء كبار فى التصوف لا يعرف المتلقى عنهم شيئًا، وأرى أن هذا دور كان ينبغى على أساتذة الجامعات المصرية أن يهتموا به، فنحن درسنا خطأ، لأننا لم ندرس الشعرى المصرى، فهو غير موجود بالمناهج التعليمية، والكُتب التى درست الأدب المصرى نادرة ومحدودة، ومنها كُتب لم تُطبع مرة ثانية.
لذلك تقدم السلسلة مختارات من شعر هؤلاء المشاهير المنسيين، فهم مشاهير فى زمانهم ولكنهم منسيون لا أحد يذكرهم، نسيان تراثنا الشعرى المصرى على مدار العصور جعل العرب يزعمون أن مصر لا يوجد فيها شعر، وأنها بلد الرواية، وإذا وجد فيها الشعر فهو بالعامية.

البحث عن الشعراء المنسيين مهمة شاقة.. فكيف تصل إليهم؟
- تركت كل شئ فى حياتى، وتفرغت لهذا المشروع القومي، وبدأت بالعمل بمفردي، وبعدما تأكدت أن هذا المشروع سينجح جرى تكليف عدد من المتحمسين من كبار النقاد، والشعراء، والأدباء المهتمين بفكرة الشعر المصري، فهذا شعر مكتوب بالعربية فى مصر ونحن أهملناه، فعندما نقدم الشاعر الصوفى «ابن الخيمى»، فنحن نكشف عن شاعر صوفى عظيم، وأيضًا الشعر بشكل عام، فهؤلاء موجودون.. منهم مَن لم تُطبع كتبه، ومنهم مَن طُبع ديوانه مرة واحدة، واكتشفت أن أساتذة الجامعات لديهم بعض رسائل «الماجستير»، و«الدكتوراه» حول شعراء مصر فى هذه العصور، ولكنها قبعت فى الأدراج أو على أرفف مكتبات الجامعات المصرية.

بعد رحلة البحث عن الشعراء المصريين.. على أى أساس يجرى اختيار الأشعار المناسبة للنشر؟
- تعمدت أن اختار ما يلائم العصر شعريًا، وما ويناسب الذوق الأدبى الحالي، وأسقطت كل المديح، فأنا من الشعراء الذين لا يحبون المديح.. لا قديمًا ولا حديثًا، ولا أؤمن به، وبالطبع هناك شعر عظيم فى المديح، ولكن أرى أن مهمة الشاعر فى الزمن القديم اختلفت، فكان يريد أن يُعطى، فأبقيت على الشعر النقى الذى يبقى فى الذاكرة والروح والقلب.

اختيار نماذج من الشعر الصوفي في الأعداد الأولى من السلسلة جعل البعض يرى أنها تسير خلف الموضة.. فما رأيك؟
- أبدأ معك من اختيار الغلاف الذى يعود إلى شكل الخط الذى كان سائداً فى زمان هؤلاء الشعراء، ولا علاقة له بالتصوف، ثانيًا أنا متصوف منذ صباى، ولكن حجم التصوف فى السلسلة التى تطمح أن تتخطى المائة شاعر حتى الآن هو تقريبًا خمسة شعراء، فعمليًا لابد أن نقدم كل الأصوات التى كانت متاحة، فهناك شعراء كانوا على الهامش، لذلك فإن الحياة الأدبية تصفى، فلا نتذكر إلا المهمين فى كل عصر.