تشكيل الزجاج.. سيد واكد يعيد تعريف الفن التشكيلي

سيد واكد
سيد واكد

منى عبد الكريم

تحمل فكرة اللعب بهجة تنتقل إلينا بمجرد التفكير فيها.. إلا أن مفردة «اللعب» تحمل كذلك دلالات ومعانى متباينة ترتبط بالسيكولوجية الإنسانية، بداية من الطفولة وألعابها مرورا بكل تلك الألعاب التى يمر بها الإنسان فى مشوار حياته، بعضها ألعاب حقيقية وأخرى نفسية أو عقلية، لتتحول الحياة ذاتها لساحة ألعاب كبيرة، وحين اختار الفنان سيد واكد «لعبتي» عنوانا لمعرضه الفردى الأخير الذى استضافته قاعة بيكاسو بالزمالك، فإن جانبا من اختياره ارتبط بحالة البهجة التى أراد أن تنتقل لكل من شاهد أعماله، والتى شعر بها هو شخصيا أثناء تنفيذ أعمال معرضه.

يقول الفنان: جاءت فكرة المعرض من خلال ملاحظة ابنى أثناء لعبه خصوصا بالمكعبات والتى تعتمد على التركيب والبناء، ومكعب روبيك، وكنت أشاركه اللعب أحيانا، مما دفعنى للتفكير فى كيفية نقل هذا الإحساس بالشغف والاستمتاع، ولكن  يفكر من خلال تجربتى فى تشكيل الزجاج.

وبدأت أركز فى فكرة أن الحياة لعبة.. وكيف يساعدنا هذا المفهوم ككبار على الاستمتاع بحياتنا وتقدير كل لحظة فيها وتجاوز العقبات.. فماذا لو نظرنا للحياة على أنها لعبة واستمتعنا بكل لحظة دون أخذها على محمل الجد أكثر من اللازم، مع الإيمان بالفوز وتحقيق الأهداف المرجوة فى النهاية.. مضيفا وهو شعور جميل عندما تبدأ فكرة بإثارتك وتستحوذ على تفكيرك فترات طويلة فلا تستريح إلا بتنفيذها، وحقيقة فإن ما يدفعنى للعمل التشكيلى فى الأساس هو مشاركة أفكارى ومشاعرى وتجربتى مع الناس، فرؤية الاندهاش والسعادة فى أعينهم من أجمل الأشياء التى تحدث لي. 



ويبدو أن لعبة المكعبات ذاتها منحت الفنان خيارات لا متناهية لتشكيلات مكعباته الزجاجية، التى تحولت لتركيبات ولوحات متسقة فى معرض «لعبتي» الذى استغرقه ما يقرب من أربع سنوات تقريبا كى ينتهى منه.  

وعلى الرغم من أن واكد ترك العنان لخياله لتركيب مكعباته تماما كما يحدث أثناء اللعبة، إلا أن ثمة علاقة بين المكعبات سواء الشفافة بألوانها المختلفة أو المعتمة ، وذلك بتحديد نسب ومقاسات متساوية لأحجام المكعبات ومتوازى المستطيلات التى استخدمها عنوان معرضه السابق المترجم عن الإنجليزية، فالمكعب الكبير مثلا يوازى ثلاثة من الصغير وهكذا، بحيث يكون لكل قطعة علاقة بالقطع الأخرى من حيث النسب والمقاسات، يقول واكد: أهتم بالعلاقة بين الأشكال أو الأجسام، فالطاقة التى تنتج من خلالها  تخلق المشاعر التى تدفعنى لعمل تكوين أو شكل ما يعبر عنها. فى نفس الوقت أتخيل الفكرة بخامة الزجاج بما يتسم به من خصائص وصفات تميزه عن الخامات الأخرى كالشفافية والانعكاس والقدره على التبلور. وهو ما يضيف بدوره الكثير من المعانى الجميلة إلى الفكرة، بل أحيانا يفرض الزجاج نفسه بقوة على الفكرة من الأساس مما يدفعنى إلى الاستمرار فى تعديل الفكره لتتلاءم مع الزجاج.
 
والحقيقة أن اختيار الفنان سيد واكد للزجاج كخامة لأعماله الفنية على صعوبتها التى تتضح فى طبيعة الخامة وطريقة التعامل معها والأدوات المحدودة المتاحة لتشكيلها، يرتبط - فى حد ذاته - فى جانب منه بقدرية رحلة الحياة، فقد وقع اختياره عليه بحكم عمله -فى بداية حياته العملية - كمصمم بأحد مصانع الزجاج حيث كان مسئولاً عن إنتاج أعمال يدوية مصنعة من الزجاج، وهو ما تطلب منه فهم طبيعة الخامة وكيفية تطويعها للتحكم بها شكلا ولونا كى يتمكن من تقديم تصميمات يمكن تنفيذها على أرض الواقع، الأمر الذى قاده، بعد فترة، للتفكير فى ممارسة هواياته الفنية بتشكيل بواقى الزجاج، قبل أن تختمر أفكار أعماله الفنية برأسه وتتطور مع الوقت.

والمتابع لتجربة سيد واكد الفنية يجده لا يقف عند فكرة محددة فقد انتقل من التشخيص فى أعماله السابقة إلى المكعبات الهندسية والتجريد فى معرضه «لعبتي» وليست ثمة غرابة إذ أنه يسعى دائما لاستكشاف العلاقة بين العناصر والأشكال، ففى كثير من أعماله السابقة كان منجذبا إلى علاقة الأفراد بعضهم ببعض تلك التى تظهر فى التكتلات والتجمعات، حيث يقول «كنت أشعر بسعادة تدفعنى لمراقبة التجمعات البشرية»، كما جاء اختيار عنوان معرضه السابق «أن ترى خلال» ليكشف عن جانب نفسى يتميز به الزجاج عن غيره، فأى خامة تلك التى تتيح لك أن ترى ما هو داخل الشخوص المنحوتة أو التى تم تشكيلها.

وهو حين ينتقل من التشخيص للتجريد فإنه يقترب كذلك من الإنسان والطبيعة، ربما لأن حالة الشفافية بطبيعتها تمسنا جميعا وتشعرنا بالراحة، ثم نراه يأخذنا للماء وعلاقة الإنسان التى لا تنفصل عنه، حيث تعالج كثير من سطوح القطع الزجاجية لتحمل تمويجة يشبه تموجات سطح الماء، وهو ما يعلق عليه واكد قائلا: إن أكثر ما يجذبنى فى الزجاج هو شدة الشبه بالماء وكأنى أقوم باستخدام الماء كخامة للنحت.. والماء والزجاج متشابهان فى الشفافية والانعكاس. وبسبب الشفافية أشعر وكأننى أعيد تشكيل الفراغ نفسه، وهذا مفهوم مختلف كليا عن تشكيل مواد النحت التقليدية الأخرى. 

ويضيف: عندما تعمل على قطعة زجاج أثناء التشكيل تكون فى بدايتها فى حالتها الصلبة ثم مع التعرض للحرارة يتحول الزجاج إلى خامة لينة طيعة أحاول تشكيلها بما يعبر عن فكرتى بأبسط الطرق الممكنة. إضافة إلى ذلك فقد حرص الفنان كذلك على إحداث تأثير يشبه قطرات المطر أو الندى وكأنه متجمد على سطح بعض من مكعباته، ويبدو أن ارتباط الفنان بالطبيعة وتجسيدها فى أعماله قد لمس المتلقى بشكل أو بآخر.

جدير بالذكر أن الفنان سيد واكد ولد عام 1976، وتخرج فى كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة عام 1998، وكان لنشأته فى بيئة ريفية دور كبير فى حياته الفنية، حيث منحته فرصة التأمل فى الطبيعة وتكوين مخزونً بصري. وقد شارك الفنان سيد واكد فى الحركة التشكيلية فى مصر منذ عام 2000 أقام خلالها خمسة معارض فردية وشارك فى العديد من المعارض الجماعية، بخلاف مشاركته فى المعارض والبيناليات الدولية ومنها ما هو مختص بفنون الزجاج.