عادل القليعي يكتب: من استطاع إليه سبيلا

عادل القليعي
عادل القليعي

مع اقتراب حلول شهر ذي الحجة من كل عام تهب علينا النفحات الربانية العطرة.

شهر الخير كله، شهر الحج الأعظم ، شهر عرفات الله، شهر يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر.
شهر ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها.

شهر الغفران، شهر يقول فيه الله تعالي لملائكته انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا لا يرجون إلا رحمتي وغفراني، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم .

شهر الرحمة والشفقة والتكافل الإجتماعي والعطف على الأيتام والأرامل والثكالى ، شهر ذي الحجة ، شهر الليالي العشر اللواتي أقسم بهن الله (وليال عشر)، والتي كانت محببة إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي كان يصوم تسعتهم وهذا استحباب .

أما المؤكد صيام يوم عرفة. 

شهر الإحرام والطواف والسعي بين الصفا والمروة (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ، شهر الكعبة المشرفة رفع الله قدرها ، وزادها تعظيما وتشريفا، شهر الحجر الأسعد .

شهر رجم إبليس بالجمرات -وما أكثر أبالسة العصر الذين يستحقون رجما بالبلغ القديمة والمراكيب البالية.
شهر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في روضته الشريفة وزيارة الأماكن المعظمة. 

يقول تعالى (ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).

يقول رسول الله صل الله عليه وسلم (حجوا قبل ألا تحجوا) .

ويقول أيضا. (من حج ولم يرفث أو يفسق رجع  من ذنوبه كيوم ولدته أمه). 

فالحج فرض عين على كل مسلم عاقل بالغ راشد مستطيع  فالإستطاعة شرط الحج الإستطاعة المادية والمعنوية.

أولا: الاستطاعة المادية أن يكون  الحآج ميسورا ماليا لديه نفقات الحج ليس هذا وحسب بل وتركه ما يقتات به أهله حين سفره وإن كان هناك من يشرعن لحج التقسيط أو الأستدانة ، فكيف نستدين لنحج! ولكن نقول الدين يسر فإن كنت في يسر مالي فافعل.

وهناك من يذهب خدمة حجاج - وهذا تحايل-  ليس علي نفقته نقول لابد أن يكون حجك من حر مالك ولا يكون عليك دين لأحد.

وكذلك لابد أن تكون لديك القدرة الجسدية وإن لم تجد مفر تكلف من يحج نيابة عنك مثلما يحدث في رمي الجمرات بالوكالة. هذا بالنسبة للجانب المادي. 

ثانيا: أما الجانب المعنوي ، فأن تكون مهيأ نفسيا لهذه الرحلة الروحانية وأن تصفي نفسك وتنقي روحك من كل كادورات وشواغل الحس والدنيا وتترك الدنيا بكل ما فيها على ما فيها وأن تستشعر عظمة الله في قلبك وتتذكر يوم الحج الأكبر فالحج والوقوف بعرفة صورة مصغرة ليوم الحشر الأكبر.

(يوم يقوم الناس لرب العالمين)

وكما ذكرنا أن يكون مالك حلال وراحلتك من حلال عندها وساعتها وبعد التطهر المادي والمعنوي ، والإقبال علي الله بالتلبية والتهليل والثناء والحمد.

يقول لك الله لبيك وسعديك مالك حلال وراحلتك حلال حجك مبرور وسعيك مشكور وذنبك مغفور. 

أما الذي ماله حرام فينادي مناد من قبل الله لا لبيك ولا سعديك مالك حرام وراحلتك حرام حجك مردود عليك.

فالله يا أخي طيب لا يقبل إلا كل طيب فكيف تجمع مالك من الربا ، من الرقص والمجون والفسوق والرشاوى وأكل ما اليتيم بالباطل ومن الإتجار بالأعراض.

- وتقول ذاهب لأداء الفريضة، أي فريضة أنت ذاهب لتؤديها ، الله لا يضحك عليه أحد ، فلا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم.

تضحك على من ، علي الله -لا والله -تضحك على نفسك -الذين يمارسون الرذيلة طيلة العام ويأتي موسم الحج ويذهبون ليتوبوا وليغفر الله لهم ويقولون رأينا رسول الله -نقول لهم رأيتم رسول الشيطان ونقول لهم غطوا أنفسكم جيدا قبل أن تناموا -فرسول الله لا يأتي إلا للأخيار الأطهار. أما الذين يبيتون ورائحة الخمر تفوح من أفواههم لا يأتي لهم رسول الله.

إذا المال الحلال والجانب المادي والجانب الروحي والنفسي شرط لقبول الحج .

ولكن رب سائل يسأل هل لو احتجنا المال في أمر جلل كعلاج مرض خطير هل نؤجل الحج أو احتاجه محتاج لديه من الديون الكثير نسدد أم نحج ؟! 

نقول، لنا في قصة عبدالله بن المبارك المثل القويم وهو ذاهب إلى الحج ،وإذ بإمرأة تأخذ الدجاج النافق فيتعجب من صنيعها ويقول لها يا أمة الله ألا تعلمين أن الله حرم علينا أكل الميتة، وترد عليه إلا من اضطر، لي أبناء يموتون من الجوع ولا أجد لهم طعاما فأخذت هذا الدجاج لأطعمهم، فأعطاها كل ماله ولم يحج فوكل الله ملكا في شكله وهيئته وحج بدلا منه، فالكريم لا يرد كريم.

وبعد أداء هذه الفريضة ونعود هل نعود سيرتنا الأولى، كيف وأنت قد عدت بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور، هل نعود إلى الذنوب والمعاصي مرة أخرى.

جرب نفسك أخي إذا وجدت حالك تغير عن سابقه وصرت ربانيا، فاعلم أن الله تعالى قد قبلك فى الصالحين وإن رأيت خلاف ذلك فلتراجع نفسك.

صدق الله (وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).

يا إبراهيم عليك الآذان والنداء ، وعلينا البلاغ.

فنعم المبلغ سبحانه وتعالى، ونعم المؤذن  خليل الله إبراهيم عليه السلام.

كاتب المقال أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.