آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: حكايات هؤلاء الذين عاشوا الموت

حامد عز الدين
حامد عز الدين

استكمالا لمقالى الأسبوع الماضي بعنوان «إنك ميت وإنهم ميتون»، ومتابعة للحديث عن الموت، أناقش ابتداءً من هذا المقال، قضية فى غاية الأهمية تتعلق بـ«الذين عاشوا الموت»، وهو كتاب مترجم أصدرته تحت هذا العنوان منذ نحو الأربعين عاما بعد نشره على حلقات فى صحيفة «الأخبار» اليومية العريقة. 

كان ذلك في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما انضممت إلى أسرة «أخبار اليوم» بدعوة من الصحفي الكبير الراحل أستاذى محمد العزب موسى الذى كان الأستاذ الراحل موسى صبري رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخباراليوم دعاه إلى العودة من إعارته إلى صحيفة اليوم البحرينية التى شغل منصب مدير تحريرها، حتى يتولى الإشراف على مشروع إصدار مجلة سياسية أسبوعية تصدر عن أخبار اليوم تحت اسم «أخبار العالم».

وفي الفترة السابقة على تجارب الإصدار الجديد، كلفه بالإشراف على ملحق أسبوعى من 3 صفحات عبارة عن صفحة لتقارير مترجمة عن أهم الأحداث السياسية في الأسبوع، والثانية لتقديم بروفايل عن أهم الشخصيات السياسية الفاعلة فى العالم. أما الصفحة الثالثة فتخصص لعرض مترجم لأهم الكتب التى يقرؤها الناس فى العالم.

وكان عنوانها «كتاب يقرؤه العالم». بعد مرور نحو الشهرين وبعدما نشر لى الملحق الجديد عددا كبيرا من الموضوعات على صفحتيه، وتأكد الأستاذ محمد العزب موسى من قدراتى فى الترجمة عن الإنجليزية. استدعاني وسلمنى كتابا، وقال لى إنه هو الأكثر مبيعا فى العالم وقتها، حيث حقق مبيعات بالملايين «حقق نحو 18 مليون نسخة». وطلب منى أن أبلغه برأيى فى الكتاب خلال أسبوع على الأكثر، وما إذا كان ممكنا عرضه على حلقات فى صحيفة «الأخبار».

الكتاب تأليف ريموند مودى وهو فيلسوف وطبيب أمريكى وأشهر الباحثين المعاصرين الذين تخصصوا فى دراسة الحدود الغامضة بين الحياة والموت، وهو على رغم أنه لم يعش بنفسه «تجربة الموت الوشيك»، إلا أنه خالط فى محيطه أناسا كثيرين عاشوا تلك التجربة.

آنذاك، لم تكن هناك دراسات علمية أو جامعية متخصصة فى تناول الموضوع، لذلك حاول وضع منهجية دقيقة وحقق فى 150 حالة لهؤلاء الذين تعرضوا لما يمكن تعريفه بـ»الموات»، وهو توقف القلب عن النبض خلال إجراء عمليات جراحية كبيرة أو حوادث صعبة، يغيب فيها نفس الإنسان. ويعود إلى الحياة بجهود طبية شديدة باستخدام الصدمات الكهربائية أو ما أشبهها. وكانت هذه التحقيقات مع الذين تعرضوا للموات هى موضوع كتابه الشهير «الحياة بعد الحياة»، الذى نشره فى عام 1975. 

كانت هى المرة الأولى التى أقرأ فيها عن موضوع بهذا الأسلوب يتعلق بما قاله العائدون من تجربة الموت. أنهيت قراءة الكتاب فى بضعة أيام، وعدت إلى الأستاذ العزب موسى، لأبلغه بأن موضوع الكتاب شيق مثير، لكنه ليس موضوعا سياسيا، لذا قد يكون غريبا أن نقوم بنشر عرض كامل له. وهنا وبهدوء شديد تميزت به هذه الشخصية، التى لم تنل جزءا من حقها من الشهرة سواء كصحفى كبير أو كواحد من أهم المترجمين المصريين، رد علىّ قائلا متسائلا: أليس هذا الكتاب ضمن أكثر الكتب التي يقرؤها العالم اليوم؟ .. قلت: بلى هو كذلك .. قال: إذن سنبدأ فى نشر عرض له اعتبارا من هذا الأسبوع .. وكانت سعادته كبيرة عندما فتحت حقيبتى وأخرجت الحلقة الأولى من عرض الكتاب تحت عنوان: «الذين عاشوا الموت». وأبدى إعجابه للغاية بالعنوان المختلف عن العنوان الإنجليزى للكتاب وهو «الحياة بعد الحياة». 

وصف مودى فى كتابه بدقة العناصر التى تتكرر فى سرد الذين «عادوا من الموت» كالتالى: فى البداية يسمع «العائدون من الموت» ضجيجا أو رنينا، بعدها ينطلقون بسرعة هائلة فى نفق طويل ضيق مظلم، ليجد الشخص نفسه فجأة خارج جسده ولكن بإدراك تام لمحيطه. بعدها تبدأ مرحلة تأقلم بطيئة لفهم واستيعاب الوضعية الجديدة مع الوعى بامتلاك جسد، لكنه مختلف عن الجسد المادى ويتطور السيناريو لتظهر كائنات أخرى يقول «العائدون» إنها أقارب ومعارف فارقوا الحياة. كما أن هناك من يروى مشاهدته لشريط حياته منذ الولادة، ولكن دون إحساس حقيقى بمفهوم الزمن. الكثيرون يحكون اقترابهم من «حاجز رمزي» يفصل بين الحياة والموت، مع العلم أن اجتيازه يعنى اللاعودة.

ويحكى غالبية الذين عاشوا التجربة عن أحاسيس فياضة وشعور أبدى بالحب والسعادة لم يسبق أن عاشوه فى حياتهم. ويقول «العائدون» إن تلك التجربة غيرت حياتهم بشكل إيجابى رأسا على عقب وغيرت نظرتهم إلى الحياة والموت، فهم لم يعودوا يخافون من الموت على الإطلاق وأصبحوا أكثر هدوءًا ويقينا بأن الإنسان لا يستطيع أن يغير أقداره وان الأمر كله بيد الله. 

والأمر الأكثر غرابة، هو أننى شخصيا فى صيف عام 2003، مررت بتجربة مماثلة، استمرت نحو عشر دقائق فى غرفة الطوارئ بمستشفى عين شمس التخصصى، بعد ذبحة قلبية مفاجئة أصابتنى فى منتصف الليل، ووصلت إلى المستشفى وقد توقف القلب تقريبا بعد ألم أكثر من شديد أصابنى فى صدرى، ثم توقف فجأة وشعرت بنفس الأعراض التى تحدثت عنها الحالات التى حققها الدكتور رايموند مودى، وعندما تم وضعي على منظم القلب الصناعى، عاد الألم، مصحوبا بعودتى للحياة من جديد.
التفاصيل فى مقالى الأسبوع المقبل - بمشيئة الله - إن كان فى العمر بقية.