خالد محمود يكتب: «وداعًا طبريا».. هيام عباس تقود رحلة حنين لوطن مزقته شتات الحرب

خالد محمود
خالد محمود

تعبر‭ ‬السينما‭ ‬بنا‭ ‬أزمنة‭ ‬كثيرة‭ ‬نتجاوز‭ ‬بها‭ ‬اليأس‭ ‬والألم‭ ‬وسنوات‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬وطن‭ ‬مجروح،‭ ‬وتلقى‭ ‬بشهادات‭ ‬تصور‭ ‬لنا‭ ‬الحنين‭ ‬وقيمة‭ ‬الترابط‭ ‬وهى‭ ‬تطرح‭ ‬تساؤلات‭ : ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬،‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬،‭ ‬وكيف‭ ‬أصبحنا،‭ ‬مرورا‭ ‬بوضع‭ ‬أصابع‭ ‬اتهام‭ ‬لمن‭ ‬غفوا،‭ ‬ومن‭ ‬غدروا‭ ‬ومن‭ ‬تجاوزوا‭ ‬حدود‭ ‬الإنسانية‭.‬

وفى‭ ‬الفيلم‭ ‬الفلسطينى‭ ‬الوثائقى‭ ‬“باى‭ ‬باى‭ ‬طبريا”‭ ‬أو‭ ‬“وداعا‭ ‬طبريا”‭ ‬الذى‭ ‬عرض‭ ‬بمهرجان‭ ‬مالمو‭ ‬للسينما‭ ‬العربية‭ ‬بدورته‭ ‬ال‮١٤‬،‭ ‬تسافر‭ ‬المخرجة‭  ‬لينا‭ ‬سوالم‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬لالتقاط‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تناقلتها‭ ‬أربعة‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬الجريئات‭ ‬في‭ ‬عائلتها،‭ ‬وتعيدنا‭ ‬الرحلة‭ ‬الشخصية‭ ‬لكل‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هويتهن‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المشتتة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة،‭ ‬فإنهن‭ ‬تحكمن‭ ‬في‭ ‬مصائرهن‭ ‬وأثرن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولهن،‭ ‬وبالاعتماد‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬غنية‭ ‬من‭ ‬اللقطات‭ ‬الأرشيفية،‭ ‬وبلقطات‭ ‬حميمة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬منزلها‭ ‬وتتواصل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬نساء‭ ‬طبرية‭ ‬وفلسطين‭ ‬وخارجها‭.‬

مثلا‭ ‬تستكشف‭ ‬المخرجة‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬والدتها‭ ‬الفنانة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هيام‭ ‬عباس‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬ابنة‭ ‬المسرحي‭ ‬الجزائري‭ ‬زين‭ ‬الدين‭ ‬سوالم،‭ ‬كرسالة‭ ‬حب،‭ ‬حيث‭  ‬تتبع‭ ‬الممثلة‭ ‬أثناء‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬فيها،‭ ‬هيام‭ ‬عباس‭ ‬تشتهي‭ ‬الهروب‭. ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تتذكره‭. ‬بينما‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬إلى‭ ‬والديها‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬من‭ ‬وفاة‭ ‬والدتها،‭ ‬فإنها‭ ‬تبحث‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬عن‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬لتشرح‭ ‬لهم‭ ‬سبب‭ ‬مغادرتها‭ ‬المنزل،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تذكر‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬فيه‭ ‬تمامًا‭ ‬لكنها‭ ‬تقول‭ ‬“أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬قلت‭ ‬لهم‭: ‬أنا‭ ‬أختنق،‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬العيش‭ ‬هنا‭. ‬أنا‭ ‬بحاجة‭ ‬للتنفس‭. ‬“أريد‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭.‬”‭ ‬غادرت‭ ‬هيام‭ ‬قريتها‭ ‬الفلسطينية‭ ‬دير‭ ‬حنا‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬لتحقيق‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬يمكنك‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هيام‭ ‬حققت‭ ‬ذلك‭ ‬بالتأكيد‭: ‬فهي‭ ‬ممثلة‭ ‬ذائعة‭ ‬الصيت‭ ‬ذات‭ ‬شهرة‭ ‬عالمية،‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬وطنها‭ ‬وفي‭ ‬هوليوود،‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مخرجين‭ ‬مثل‭ ‬ستيفن‭ ‬سبيلبرج‭ ‬ودينيس‭ ‬فيلنوف‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إخراج‭ ‬أفلامها‭.‬

‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬المهني‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬قصة‭ ‬خيالية‭ ‬تستحق‭ ‬فيلمًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لينا‭ ‬سوالم‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بهذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬فيلمها‭ ‬الوثائقي،‭  ‬فابنة‭ ‬هيام‭ ‬عباس‭ ‬توجه‭ ‬كاميرتها‭ ‬نحو‭ ‬والدتها‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الأخريات‭ ‬في‭ ‬عائلتها‭ ‬من‭ ‬أجيال‭ ‬مختلفة‭ ‬لتتعرف‭ ‬على‭ ‬علاقتهن‭ ‬بالمنفى‭ ‬من‭ ‬وطنهن،‭ ‬طوعًا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

لينا‭ ‬تستفيد‭ ‬بشكل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬براعة‭ ‬والدتها‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬المحادثات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬مثل‭ ‬عندما‭ ‬أخبرت‭ ‬والدها‭ ‬أنها‭ ‬تحب‭ ‬رجلاً‭ ‬إنجليزيًا‭ ‬وتريد‭ ‬الزواج‭ ‬منه،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يوافق‭.‬

‭ ‬“وداعًا‭ ‬طبريا”‭ ‬احتفال‭ ‬دقيق‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الجماعي‭ ‬وذكريات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لعائلة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬لشعب‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬تاريخه‭ ‬مبعثرًا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مُمحى‭. ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬جدة‭ ‬المخرجة‭ ‬الكبرى‭ ‬“أم‭ ‬علي”‭ ‬وجدتها‭ ‬“نعمت”‭ ‬من‭ ‬منزلهما‭ ‬في‭ ‬طبريا‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬48‭ ‬؛‭ ‬وعندما‭ ‬تمكنوا‭ ‬أخيرًا‭ ‬من‭ ‬العودة،‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬شيء‭ ‬يذكرونه‭ ‬عن‭ ‬منزلهم،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬فلسطينيين‭ ‬يعيشون‭ ‬هناك‭. ‬تروي‭ ‬المخرجة‭ ‬أيضًا‭ ‬قصة‭ ‬عمتها‭ ‬حسنية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تقريبًا‭ ‬لاجئة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وطنها‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬نزوح‭ ‬هيام‭ ‬مختلفة،‭ ‬لا‭ ‬تُقحم‭ ‬المخرجة‭ ‬نفسها‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط‭ ‬في‭ ‬فيلمها‭ ‬الخاص،‭ ‬لكن‭ ‬روابطها‭ ‬الشخصية‭ ‬بالقصة‭ ‬حاضرة‭ ‬بعمق‭ ‬دائمًا‭.‬

يبدأ‭ ‬الفيلم‭ ‬بلقطات‭ ‬محببة‭ ‬لها‭ ‬ولوالدتها‭ ‬وهما‭ ‬تسبحان‭ ‬في‭ ‬بحيرة‭ ‬طبريا،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭ ‬رواية‭ ‬سوالم‭: ‬“عندما‭ ‬كنت‭ ‬طفلة،‭ ‬أخذتني‭ ‬أمي‭ ‬للسباحة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭. ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تغمرني‭ ‬في‭ ‬قصتها‭. ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬المنطوقة‭ ‬والصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬يمكننا‭ ‬رؤيتها،‭ ‬يتم‭ ‬استحضار‭ ‬الماضي‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الحاضر‭ ‬ويجعل‭ ‬هذه‭ ‬الذكريات‭ ‬ملموسة”‭.‬

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والألم‭ ‬منسوج‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬نواحى‭ ‬الفيلم،‭ ‬حيث‭ ‬تنتقل‭ ‬آثار‭ ‬المنفى‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭. ‬وفي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬قرار‭ ‬والدتها‭ ‬بالرحيل،‭ ‬تقول‭ ‬لينا‭ ‬إنها‭ ‬“ولدت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرحيل‭. ‬هذا‭ ‬الكسر”‭. ‬و‭ ‬تعلق‭ ‬هيام‭ ‬على‭ ‬اعتقادها‭ ‬بأنها‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تنعي‭ ‬أمها،‭ ‬وكيف‭ ‬تنفصل‭ ‬عنها‭. ‬إن‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬المشحونين‭ ‬لفلسطين‭ ‬والتآكل‭ ‬السريع‭ ‬للتاريخ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يخيم‭ ‬على‭ ‬طبريا‭ ‬أيضًا‭. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬أيضًا‭. ‬بعض‭ ‬اللحظات‭ ‬السعيدة‭ ‬التي‭ ‬تلتقطها‭ ‬لينا‭ ‬لعائلتها‭ ‬معًا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬مثل‭ ‬هيام‭ ‬وثلاث‭ ‬من‭ ‬أخواتها‭ ‬وهم‭ ‬يروون‭ ‬طفولتهم،‭ ‬ويضحكون‭ ‬و‭ ‬يتذكرون‭ ‬أول‭ ‬حب‭ ‬لهم‭ ‬أو‭ ‬مثل‭ ‬التجمع‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم،‭ ‬عندما‭ ‬تصطف‭ ‬هيام‭ ‬وعائلتها‭ ‬لالتقاط‭ ‬صورة،‭ ‬وينخرطون‭ ‬في‭ ‬الضحك‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬أثناء‭ ‬محاولتهم‭ ‬اتخاذ‭ ‬وضعية‭ ‬معينة،‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬تبرز‭ ‬روح‭ ‬الدعابة‭ ‬والإنسانية‭ ‬والروابط‭ ‬العائلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والمسافة‭ ‬أن‭ ‬يكسرها‭.‬

في‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬هيام‭ ‬عباس‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مسيرتها‭ ‬المهنية‭ ‬الممتدة‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬الوقوف‭ ‬لتنظر‭ ‬إلى‭ ‬كاميرا‭ ‬ابنتها‭ ‬“لينا”‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭. ‬بعض‭ ‬هذا‭ ‬التحفظ‭ ‬موروث،‭ ‬وشكلته‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬و‭ ‬وجع‭ ‬القلب؛‭ ‬فقلب‭ ‬الفيلم‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬عن‭ ‬التهجير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والشتات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حكايات‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬عائلة‭ ‬عباس،‭ ‬اللاتي‭ ‬تمسكن‭ ‬بقوة‭ ‬بأسرار‭ ‬ما‭ ‬عانين‭ ‬منه‭ ‬وعاشنه‭ ‬بعد‭ ‬نكبة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتهجير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬ديارهم،‭ ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬تُسأل‭ ‬هؤلاء‭ ‬النساء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬عن‭ ‬ذكرياتهن‭ ‬وعلاقاتهن‭ ‬وندمهن‭ ‬وأفراحهن‭. ‬تسحب‭ ‬المخرجة‭ ‬اعترافاتهم‭ ‬بإحساس‭ ‬وإثارة‭ ‬مقبولة،‭ ‬وتضع‭ ‬قصصهم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والتسعينيات‭ ‬ولقطات‭ ‬أرشيفية،‭ ‬مما‭ ‬يولد‭ ‬نغمة‭ ‬مؤثرة‭ ‬وحزينة‭ ‬للفيلم‭ ‬الوثائقي‭.‬

أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤثرة‭ ‬عندما‭ ‬تأخذ‭ ‬عباس‭ ‬نعمات‭ ‬إلى‭ ‬طبريا،‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬طردت‭ ‬منها‭ ‬جدتها‭ ‬أم‭ ‬علي‭ ‬وزوجها‭ ‬وأطفالهما‭ ‬الثمانية‭ ‬عند‭ ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تعقب‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تتذكرها‭ ‬أم‭ ‬علي‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬هدم‭ ‬منزل‭ ‬عائلتها‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وبات‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬طبريا‭ ‬الآن‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬واجهات‭ ‬متاجرها‭ ‬النيون،‭ ‬والممر‭ ‬الذي‭ ‬يضج‭ ‬بموسيقى‭ ‬الرقص،‭ ‬ومجموعات‭ ‬من‭ ‬المتدربين‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذين‭ ‬يتجولون‭ ‬–‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬عباس‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬الحقيقية،‭ ‬مع‭ ‬امتداداته‭ ‬الطويلة‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬الحوار‭. ‬لكن‭ ‬عوامل‭ ‬التشتيت‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬نظر‭ ‬هيام‭  ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬عدسة‭ ‬ابنتها‭ ‬تمنح‭ ‬“باي‭ ‬باي‭ ‬طبريا”‭ ‬عمودًا‭ ‬فقريًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬واضحًا‭ ‬يتغذى‭ ‬عليه‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السيناريو‭ ‬الذكي‭ ‬والثقة‭ ‬الملموسة‭ ‬فى‭ ‬الصورة‭ ‬التى‭ ‬تربط‭  ‬المشاهد‭ ‬بالعالم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودًا‭ ‬“طبريا‭ ‬“‭. ‬تعتبر‭ ‬قصة‭ ‬عائلة‭ ‬المخرجة‭ ‬بمثابة‭ ‬عدسة‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬سرد‭ ‬قصة‭ ‬بلد‭ ‬مزقته‭ ‬الحرب‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬الخلفية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬ينتهي‭ ‬بنبرة‭ ‬هادئة‭. ‬صورة‭ ‬هيام‭ ‬عباس‭ ‬وهي‭ ‬تتأمل‭ ‬البحيرة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اسمها‭ ‬تحكي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬بالحنين‭ ‬والخسارة‭ ‬والحب‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬المربكة‭ ‬للعائلة‭.‬


 

;