خالد محمود يكتب .. القيمة الكبرى لعادل إمام الإبحار بنا ضد اليأس

خالد محمود
خالد محمود

في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬اشاهد‭ ‬فيها‭ ‬فيلما‭ ‬لعادل‭ ‬إمام،‭ ‬يطوف‭ ‬بوجداني‭ ‬شعور‭ ‬واحد‭ ‬بالإنتفاضة‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬واليأس،‭ ‬وصوت‭ ‬واحد‭ ‬يناجي‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الحياة‭.. ‬

ذات‭ ‬مرة‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬العرض،‭ ‬وأقسمت‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أسمح‭ ‬لأي‭ ‬“غول”‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬أحلامي،‭ ‬ربما‭ ‬أكون‭ ‬“منسي”،‭ ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬أتراجع‭ ‬عن‭ ‬كوني‭ ‬جزء‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أيامي‭.‬

نعم،‭ ‬نحن‭ ‬نشاهد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬شخصيات‭ ‬النجم‭ ‬الاستثنائي،‭ ‬ويبحر‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬عوالمنا،‭ ‬ونقفز‭ ‬فوق‭ ‬أمواجها‭ ‬العاتية‭ ‬حتى‭ ‬يرسو‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭ ‬البهجة،‭ ‬ونشعر‭ ‬بدفئ‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

تلك‭ ‬القيمة‭ ‬الكبرى‭ ‬لعادل‭ ‬إمام،‭ ‬والتأثير‭ ‬الوجداني،‭ ‬بينما‭ ‬التأثير‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬صمود‭ ‬النجاح‭ ‬ورسوخه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬فنان‭.. ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭.. ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الممتدة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الجمهور‭ ‬ومكانته‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأريخ‭. ‬

فهو‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬القمة‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النجومية‭ ‬أو‭ ‬الإيرادات‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬بلا‭ ‬منافسة،‭ ‬فلم‭ ‬نشاهد‭ ‬فنانا‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬الإستمرار‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬للنظر‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأثيره‭ ‬وتأثره‭ ‬بأسماء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬المؤلفين‭ ‬والمخرجين‭ ‬الذين‭ ‬تحققت‭ ‬أحلامهم‭ ‬معه،‭ ‬كما‭ ‬استقطب‭ ‬عددا‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬المصريين،‭ ‬كبر‭ ‬معهم،‭ ‬وكبروا‭ ‬معه،‭ ‬أتذكر‭  ‬المؤلف‭ ‬الكبير‭ ‬الراحل‭ ‬وحيد‭ ‬حامد‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬بكل‭ ‬تواضع‭ ‬“لولا‭ ‬وجود‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬في‭ ‬أفلامي‭ ‬لما‭ ‬حققت‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭.. ‬وعادل‭ ‬ليس‭ ‬ممثلا‭ ‬نمطيا،‭ ‬فهو‭ ‬فنان‭ ‬مثقف‭ ‬وعالي‭ ‬الموهبة‭ ‬ومتصل‭ ‬بالناس،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬ويعتبر‭ ‬نموذجا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬فلقد‭ ‬عملنا‭ ‬سويا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب،‭ ‬وكان‭ ‬يمثل‭ ‬غالبية‭ ‬المصريين،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يجسد‭ ‬شخصياتي‭ ‬بإتقان‭ ‬وبراعة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها”‭.‬

نعم‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬أحد‭ ‬صناع‭ ‬البهجة‭ ‬المستنيرين،‭ ‬اشتبك‭ ‬بأعماله‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬بسيطة‭ ‬ومؤرقة‭ ‬شكلت‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬حياة‭.. ‬هي‭ ‬حياتنا،‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬أوجاعنا‭ ‬لمستها،‭ ‬طيبت‭ ‬بخاطر‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬بجلاء‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أعماله،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬قرن‭ ‬الأخير،‭ ‬وقدم‭ ‬الحلم‭ ‬الممزوج‭ ‬بالواقع‭ ‬بشخصية‭ ‬“حسن‭ ‬بهلول”‭ ‬في‭ ‬“اللعب‭ ‬مع‭ ‬الكبار”‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬شريف‭ ‬عرفة،‭ ‬حيث‭ ‬الحلم‭ ‬الممزوج‭ ‬بالواقع‭ ‬والعبث‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بمصائر‭ ‬البشر،‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المستغلون‭ ‬الكبار‭ ‬بحق‭ ‬الضعفاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬الواقع‭ ‬عليهم،‭ ‬وامتلك‭ ‬بشخصيته‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والإحساس‭ ‬بالمسئولية‭ ‬تجاه‭ ‬وطنه‭.‬

ثم‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فيلم‭ ‬“طيور‭ ‬الظلام”‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬مستقبل‭ ‬وألاعيب‭ ‬خفافيش‭ ‬الظلام،‭ ‬بجرأة‭ ‬فنية‭ ‬وفكرية‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬شريف‭ ‬عرفة‭ ‬ووحيد‭ ‬حامد،‭ ‬لكن‭ ‬لنجم‭ ‬ذي‭ ‬سطوة‭ ‬جماهيرية‭ ‬كبيرة،‭ ‬جسد‭ ‬الحالة‭ ‬بإحساس‭ ‬واع‭ ‬وتعبيرات‭ ‬أدائه‭ ‬اللماح‭ ‬الأخاذ‭.. ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬مختلف،‭ ‬صادق‭ ‬وحيوي،‭ ‬يؤدي‭ ‬دوره‭ ‬بحميمية‭ ‬شديدة،‭ ‬ينفذ‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مشاعر‭ ‬المتفرج‭ ‬وعقله‭ ‬بسهولة‭.. ‬فقد‭ ‬شاهدناه‭ ‬فنانا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يصل‭ ‬بأدائه‭ ‬وتعبيرات‭ ‬وجهه‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬ينطق‭ ‬بها‭.‬

وبرؤية‭ ‬أخرى‭ ‬نموذج‭ ‬المحامي‭ ‬“حسن‭ ‬سبانخ”‭ ‬في‭ ‬“الأفوكاتو”،‭ ‬ومتعة‭ ‬الفانتازيا‭ ‬والكوميديا‭ ‬السوداء‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬رأفت‭ ‬الميهي،‭ ‬وكشف‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الأنماط‭ ‬الفاسدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السجين‭ ‬والسجان،‭ ‬متجاوزا‭ ‬المحاذير‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬والتعرض‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السينما‭.‬

أيضا‭ ‬وقفنا‭ ‬طويلا‭ ‬أمام‭ ‬أدائه‭ ‬المدهش‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬“الغول”‭ ‬بشخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬“عادل‭ ‬عيسى”،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬خلاله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مشهد‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬مشواره‭ ‬كممثل،‭ ‬خاصة‭ ‬مشهد‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬“غول”‭ ‬الجشع،‭ ‬والاستغلال‭ ‬والافتراء‭ ‬“الكاشف”،‭ ‬عندما‭ ‬أخفى‭ ‬“ساطور”‭ ‬داخل‭ ‬الصحيفة‭ ‬قام‭ ‬بغرسها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬الفاسد،‭ ‬فأرتاح‭ ‬ضميره،‭ ‬وتنفسنا‭ ‬معه‭ ‬لحظة‭ ‬الخلاص‭.‬

وفي‭ ‬مشوار‭ ‬شخصيات‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬“اللص‭ ‬ماهر”‭ ‬بفيلم‭ ‬“المشبوه”‭ ‬للمخرج‭ ‬سمير‭ ‬سيف،‭ ‬كان‭ ‬تألقا‭ ‬وهو‭ ‬يواجه‭ ‬مصيره‭ ‬هو‭ ‬وزوجته‭ ‬“بطة”‭ ‬بين‭ ‬ضابط‭ ‬المباحث‭ ‬“طارق”‭ ‬ورفقاء‭ ‬سنوات‭ ‬النشل،‭ ‬وفتح‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬نوعية‭ ‬أدوار‭ ‬تراجيدية‭ ‬أخرى‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الكوميديا،‭ ‬تكشف‭ ‬أمراضا‭ ‬أخرى‭ ‬تفشت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وصراع‭ ‬طبقات‭ ‬تلتهم‭ ‬الأحلام،‭ ‬ومنها‭ ‬فيلم‭ ‬“حتى‭ ‬لا‭ ‬يطير‭ ‬الدخان”،‭ ‬وتجسيده‭ ‬لشخصية‭ ‬“فهمي”‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬ظروفه‭ ‬صعبة‭ ‬وطموحه‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إمكانياته،‭ ‬ويعتز‭ ‬بنفسه‭ ‬ويحمل‭ ‬بداخله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقد،‭ ‬وبين‭ ‬الدراما‭ ‬والكوميديا‭ ‬عشنا‭ ‬“آهة”‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬وهو‭ ‬يجسد‭ ‬العميد‭ ‬“مجدي”‭ ‬في‭ ‬“النوم‭ ‬في‭ ‬العسل”‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬الخلاص‭ ‬أيضا،‭ ‬وتلك‭ ‬النوعية‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬هي‭ ‬النموذج‭ ‬السينمائي‭ ‬الذي‭ ‬تعشق‭ ‬مشاهدته‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يؤلمك،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬جراحك،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يطيب‭ ‬بخاطر‭ ‬مشاعرك‭ ‬ويشبع‭ ‬رغبتك‭ ‬ولهفتك‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬للحياة‭.‬

في‭ ‬شهادة‭ ‬الناقد‭ ‬الكبير‭ ‬كمال‭ ‬رمزي،‭ ‬قال‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأولويات‭ ‬تجمعت‭ ‬في‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬فهو‭ ‬يتمتع‭ ‬بوجه‭ ‬شعبي‭ ‬مصري‭ ‬عربي‭ ‬خالص،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬موهبة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬التمثيل،‭ ‬ويجيد‭ ‬اختيار‭ ‬كتاب‭ ‬السيناريو‭ ‬المتميزين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الشارع‭ ‬المصري،‭ ‬فنجح‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬ومشاكل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أجيال‭ ‬متعددة‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وحتى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي،‭ ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬سواء‭ ‬الطبقات‭ ‬الدنيا‭ ‬أو‭ ‬العليا‭.‬

أعود‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬سابقة،‭ ‬اتذكر‭ ‬فيها‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬ممثلا‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬مشغولا‭ ‬بمسار‭ ‬الكوميديا،‭ ‬حيث‭ ‬فاجئتنا‭ ‬تجربة‭ ‬فيلم‭ ‬“إحنا‭ ‬بتوع‭ ‬الأتوبيس”‭ ‬للمخرج‭ ‬حسين‭ ‬كمال،‭ ‬المفعم‭ ‬بالدراما‭ ‬السياسية،‭ ‬والأجواء‭ ‬القاسية،‭ ‬ليس‭ ‬لعادل‭ ‬إمام‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬معه‭ ‬نجم‭ ‬كوميدي‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬مدبولي،‭ ‬مرزوق‭ (‬عبد‭ ‬المنعم‭ ‬مدبولي‭) ‬وجابر‭ (‬عادل‭ ‬إمام‭) ‬شخصان‭ ‬تجمعهما‭ ‬علاقة‭ ‬جوار‭. ‬يركبان‭ ‬في‭ ‬أتوبيس‭ ‬كالمعتاد،‭ ‬وتحدث‭ ‬مشاجرة‭ ‬تنتهي‭ ‬بهما‭ ‬إلى‭ ‬التوقيف‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬للشرطة،‭ ‬وللمصادفة‭ ‬التعيسة‭ ‬يتم‭ ‬دمجهما‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعارضين‭ ‬الذين‭ ‬يحوّلون‭ ‬إلى‭ ‬الأمن،‭ ‬وهناك‭ ‬يموتون‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب‭.‬

جسد‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬شخصية‭ ‬صعبة‭ ‬منغمسا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬النفسية‭ ‬بإقتدار‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬يؤرّخ‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬نكسة‭ ‬1967،‭ ‬وإجراءات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬التعسفية‭ ‬تجاه‭ ‬الطلبة‭ ‬والفنانين‭ ‬والمثقفين‭ ‬ونشطاء‭ ‬الرأي‭ ‬والسياسيين‭ ‬وغيرهم‭.‬

يجسد‭ ‬الفيلم‭ ‬تحقيقات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬الواهية،‭ ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬مشهد‭ ‬التحقيقات،‭ ‬حيث‭ ‬تُنتزع‭ ‬الإعترافات‭ ‬بالتعذيب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬للوفاة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬حسيب،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقبض‭ ‬عليك‭ ‬عشوائيًا‭ ‬في‭ ‬مشاجرة‭ ‬بالأتوبيس‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬معتقل‭ ‬سياسي،‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أفلام‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬في‭ ‬فترته‭ ‬نحو‭ ‬طريق‭ ‬ذهبي‭ ‬بالكوميديا‭. ‬

أعتقد‭ ‬إن‭ ‬سينما‭ ‬الوعي‭ ‬لدى‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬أتذكر،‭ ‬لمستها‭ ‬بأفلام‭ ‬مثل‭ ‬“المحفظة‭ ‬معايا”،‭ ‬التي‭ ‬اصطدم‭ ‬فيها‭ ‬بعالم‭ ‬كبار‭ ‬الحرامية،‭ ‬وأيضا‭ ‬ثلاثية‭ ‬“رجب‭ ‬فوق‭ ‬صفيح‭ ‬ساخن،‭ ‬شعبان‭ ‬تحت‭ ‬الصفر،‭ ‬رمضان‭ ‬فوق‭ ‬البركان”،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬إشارات‭ ‬فنية‭ ‬إلى‭ ‬ثغرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬عصر‭ ‬الانفتاح،‭ ‬وصدم‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬الجميع‭ ‬وهو‭ ‬يمهد‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬وكان‭ ‬الملفت‭ ‬هو‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثلاثية‭ ‬التي‭ ‬توجته‭ ‬نجما‭ ‬أحاديا‭ ‬للشباك،‭ ‬أيضا‭ ‬فيلم‭ ‬“الهلفوت”‭ ‬الذي‭ ‬تجلى‭ ‬فيه‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬بالشخصية‭ ‬البسيطة‭ ‬المشهورة‭ ‬المعروفة‭ ‬بـ”عرفة‭ ‬مشاوير”،‭ ‬نتيجة‭ ‬عمله‭ ‬كحمّال‭.. ‬“عرفة”‭ ‬شاب‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬المسحوقة،‭ ‬ومن‭ ‬خلفية‭ ‬عائلية‭ ‬مجهولة،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬وهو‭ ‬رضيع‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬للقطار،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬دومًا‭ ‬في‭ ‬منزلة‭ ‬أدنى‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬طبقته‭ ‬البائسة،‭ ‬لكنه‭ ‬سيصنع‭ ‬تغييرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وسيكون‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬التغيير‭ ‬خسارته‭ ‬لصديقه‭ ‬الوحيد‭ ‬ولزوجته‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬بعمق،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬هلفوتًا‭. ‬

أتذكر‭ ‬أيضا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬محورا‭ ‬إنسانيا‭ ‬مختلفا‭ ‬في‭ ‬“حب‭ ‬فى‭ ‬الزنزانة”،‭ ‬وكيف‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬فقيرًا‭ ‬معدمًا‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬الخيارات‭ ‬العديدة‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الفقر‭ ‬والموت‭ ‬والمرض،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفعك‭ ‬لدخول‭ ‬السجن‭ ‬طوعًا‭ ‬والاعتراف‭ ‬بجريمة‭ ‬لم‭ ‬ترتكبها‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬يدفعها‭ ‬لك‭ ‬أحد‭ ‬الرجال‭ ‬الأغنياء‭ ‬حتى‭ ‬يزيح‭ ‬التهمة‭ ‬عنه‭.‬

يناقش‭ ‬الفيلم‭ ‬سلطة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وما‭ ‬تفعله‭ ‬بالبشر‭ ‬ودوافع‭ ‬الانتقام،‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬تولد‭ ‬داخل‭ ‬الأسوار‭ ‬لجريمة‭ ‬لم‭ ‬يرتكبها‭ ‬السجين،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بدوافع‭ ‬الانتقام،‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬“المنسي”‭ ‬وضعنا‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬بشخصية‭ ‬عامل‭ ‬التحويلة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬يحكمه‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬شاب‭ ‬هامشي‭ ‬ورجل‭ ‬أعمال‭ ‬جبار،‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬لكنه‭ ‬يقدّم‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬المتنفذين‭ ‬الكبار،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬يريد‭ ‬تقديم‭ ‬سكرتيرته‭ ‬الشابة‭ ‬كقربان‭ ‬لتاجر‭ ‬يريد‭ ‬إبرام‭ ‬صفقة‭ ‬معه‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬قصره‭.‬‭ ‬

تلجأ‭ ‬السكرتيرة‭ ‬إلى‭ ‬كشك‭ ‬تحويلة‭ ‬الخطوط‭ ‬الحديدية،‭ ‬وتطلب‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬العامل‭ ‬فيها،‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يصطدم‭ ‬مع‭ ‬أعوان‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭.‬

;