مهند عدلي يكتب: المواصفة القياسية للإصلاحات الاقتصادية.. السرعة.. الحسم.. الشمول

الكاتب مهند عدلي
الكاتب مهند عدلي

بعد تنفيذ البنك المركزي عملية التحرير الكامل لسوق الصرف ووجود سعر موحد لأسعار العملات في السوق واختفاء الاسواق الموازية للعملة يعتبر كل ذلك هو في مجمله مجرد نقطة البداية، فحتي نتعلم من الدروس السابقة نحتاج الي تنفيذ عملية اصلاح هيكلي سريع وحاسم وشامل ومؤلم في الوقت نفسه.
سريع ... بما يسمح باستثمار حالة التفاؤل والاستقرار الحذر في السوق المصري وصولا لاستقرار حقيقي ومستدام فالحالة الايجابية العامة التي تسود اوساط المستثمرين والاسواق بصفة عامة لها اثر ايجابي لتحقيق اجماع مساند وداعم لأي عمليات اجرائية او اصلاحية يكون من شأنها تحقيق اهداف القضاء علي الازمات وصولاً لحالة الاستقرار الاقتصادي.
حاسم ... بمعني انه لا مانع من ان تخضع جميع الاجراءات والقرارات لمناقشات مستفيضة من جانب المتخصصين وذوي الشأن في مرحلة صنع القرار لكن بمجرد الوصول الي اتخاذ القرار يصبح القرار ملزم للكافة بكل حسم  ودون استثناءات او تعديلات تالية تفقده من معناه، فالإجماع مهم لتقوية موقف صانعي القرار في مواجهة الازمات والتحديات المحلية والاقليمية والدولية.
شامل ... بحيث يصبح الاصلاح هيكليا يطال كافة العناصر المكونة للمنظومة الاقتصادية - الصناعة – وللتجارة - والزراعة - والخدمات - والتكنولوجيا - وحقوق والتزامات المستثمرين واصحاب الاعمال والموظفين والعمال - والتنظيمات والهيئات الاقتصادية والرقابية الحكومية - والادوات المالية بحيث تصبح عملية شاملة تعمل في اتجاه تحقيق اصلاح هيكلي واستراتيجي شامل دون اغفال لأي عنصر قد يمثل معوق مستقبلي للجهود المبذولة ولكن ذلك يستلزم العمل بخطة واضحة تتسم بالشفافية بحيث يصبح معلوماً لدي الكافة الاعباء التي يمكن تحملها والمدي الزمني للتنفيذ والعوائد المترتبة عليه في فترات تالية وفق خطة زمنية واضحة ومعلنة.
مؤلم ... نعم مؤلم لأن بعض الاجراءات بالطبع ستكون مؤلمة لكنه الم مرحلي وصولا للشفاء والاستقرار الكامل علي غرار الم العمليات الجراحية هو ضرورة لابد منها وصولا لعلاج كافة الاختلالات الاقتصادية في كافة النواحي .
ويجب وضع عده اهداف محددة لعملية الاصلاح بحيث تكون قابلة للقياس والمتابعة مثل معدل النمو ومعدل التوظيف ويقابله معدل البطالة ومؤشر التضخم ومعدل نمو عوائد الصادرات وايرادات السياحة  والمصريين العاملين بالخارج ويقابله مستوي التراجع في الاستيراد وما يوازيه من توطين للتكنولوجيا ومعدل نمو الاستثمار الاجنبي المباشر وغير المباشر ولا يقتصر منحني القياس علي المعدلات الاقتصادية المباشرة بل وايضاً المعدلات الاقتصادية المتخصصة والمؤشرات الاجتماعية مثل معدل مستوي الفقر ومعدل شمول مظلة الحماية الاجتماعية ومعدلات الرعاية الصحية وصولاً الي مؤشرات الفكر والثقافة والرفاهية الاجتماعية لاستخدامات التكنولوجيا في حياة المواطن اليومية.
وللوصول الي تنفيذ هذا الاصلاح الهيكلي الواسع بهذه الاهداف الطموحة يجب العمل علي ثلاث مجموعات من الاهداف كالاتي :
اولا: تمكين القطاع الخاص بحيث يصبح هو اللاعب الرئيسي في ادارة العملية الاقتصادية وقيادة معدلات النمو في كافة القطاعات سواء التقليدية او الحديثة بما يخفف الاعباء عن الموازنة العامة للدولة من ناحية ويسمح بنطاق واسع من الاستثمار المتنوع سواء المحلي او الاجنبي بحيث يقتصر الاستثمار الحكومي علي القطاعات الاستراتيجية التي لا تمثل بطبيعتها مناطق جذب للاستثمار الخاص ويمكن ايضاً دون اخلال بالقاعدة العامة ان تحدد الدولة عبر سياسة التحفيز او التشجيع توجيه القطاع الخاص لتركيز استثماراته في القطاعات الاكثر احتياجاً بحيث يصبح تمكين القطاع الخاص مكملاً وعنصر رئيسي في خطة النمو الاقتصادي والحضاري العام للدولة.
ثانياً: الاجراءات المؤلمة مثل الغاء الدعم واقصد هنا الالغاء بمعني التوقف عن الدعم السلعي بالشكل الراهن واستبداله بالدعم الذكي الذي يعتمد علي الاوعية النقدية وعلي الذكاء في الوصول للفئات المستهدفة بما يسمح بتحقيق اثار ايجابية فعالة لمنظومة الحماية الاجتماعية للفئات الاكثر احتياجاً دون اهدار لموارد الدولة علي غير المستحقين وبما يسمح لها برفع مستوي حزم الحماية الاجتماعية من الفوائض المحققة للدعم الذكي دون تحميل الموازنة بأعباء جديدة. 
ثالثاً: توطين التكنولوجيا وازالة معوقات العناصر التصديرية – صناعة - وزراعة - وخدمات - وتجارة، واعادة ضبط وتنقية البيئة التشريعية الحاضنة لعملية الاصلاح وازالة اي عناصر معوقة منها واضافة او تعديل ما يلزم للمساعدة وللمساندة في تحقيق الاهداف المذكورة.
كل البنود السابقة تمثل عناصر متناغمة يجب ان تسير جنباً الي جنب كمواصفة قياسية لتنفيذ تجربة اصلاح هيكلي مستدام وناجح يحقق انطلاق اقتصادي ورفاهية اجتماعية مقبولة في المستقبل المنظور.